يقيم مركز الرواد للإبداع بالمنصورة، في السادسة مساء اليوم الخميس 26 أغسطس، أمسية جديدة من أمسيات، مختبر سرديات المنصورة، ولقاء لمناقشة أحدث إبداعات الكاتب حسين عبد الرحيم، رواية "شقي وسعيد"، والصادرة عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع ، وتناقش الرواية تحللها نقديا الشاعرة رشا الفوال، ويدير اللقاء الكاتب محمد عطوة.
وصدر للكاتب حسين عبد الرحيم العديد من الأعمال منها : " يورسعيد.. شهادات الحبر والحرب ــ شخص ثالث ــ المغيب ــ عربة تجرها الخيول ــ الخريف الأخير لعيسي الدباغ ــ المستبقي" وغيرها.
تبدأ الرواية بخبر موت "الصديقة" أم "الحسين" الشخصية الرئيسية، فيبدو الفصل الأول كمحاولة رثاء لا تنجح، فتنفجر المشاهد والذكريات، "شريط حياتي مع أمي" على حسب تعبير الراوي، تنفجر بتتابع شبه منضبط كرونولوجيا، لكنه غائم وضبابي على صعيد التفاصيل والحدث الواحد داخل كل مشهد، وأيضا موثوقية بعض الأحداث من حيث إمكانية حدوثه بتلك الطريقة التي سرد بها.
إنفجار الذاكرة بالذكريات يبدأ بانفجارات "نكسة 67" في مدينة بورسعيد، فيحكي الراوي عن نفسه وهو رضيع على صدر أمه رحلة التهجير الأولى على المركب الأول. السرد هنا من وجهة نظر الرضيع، فيحكي عن الرحلة والشخصيات وحادثة السقوط التي تعرض لها، وعن غياب الأب والافتقاد إليه. يتم الحكي عبر الخلط بين سرد الأحداث الحقيقية (التي تبدو حقيقية) وبين مشاعر وتخيلات أو تجليات قادمة من عوالم أخرى، تبدو أحيانا عوالم حُلمية أو سريالية، وأحيانا أخرى صوفية روحانية.
طريقة السرد (الخلط) المخاتلة والمضطربة، الغائمة والضبابية، هي الطريقة المعتمدَة لأسلوب السرد في هذه الرواية، وهي متسقة بل نابعة من كون الرواية تنتمي لروايات تيار الوعي بشكل واضح وصريح.
الراوي يسرد من الزمن الحاضر، يسرد بكل طاقته ووعيه الحالي ومعارفه التي بلغها في الخمسين من عمره على حسب أحدى إشاراته داخل النص، وظل كذلك محافظا على هذا الموقع طوال الوقت، رغم وصول السرد في عدة مواضع من الرواية لما هو أعمق من الذكرى في العقل البشري، وصل السرد في هذه المواضع إلى الشعور المصاحب للحدث، وإلى الأحداث المتخيلة التي تحدث داخل عقل الشخصية، بل تجاوزت ذلك واختلطت الأزمنة داخل المشهد الواحد بظهور شخصيات أو تجليات للشخصية الرئيسية/الرواي قادمة من الماضي القريب والمستقبل البعيد والقريب كذلك، لتتدخل في سير السرد وتضيف إلى الطبقات السريالية والحُلمية وتضع بعض السيناريوهات البديلة لسير الأحداث المتوقع.
رغم كل تلك التداخلات الأفقية والرأسية في السرد ظل الراوي محتفظا بمقعده أو موقفه الخارجي المستقبلي الذي يستعيد منه لنفسه ويروي لنا منه كل تلك الأحداث والخيالات، هذا الموضع هو ما مكنه من طرح اسئلته المباشرة عبر سؤال الشخصية الرئيسية لنفسها أو لتجلياتها أو سؤال الراوي لها، أو عبر سرد الحدث ذاته وما يطرحه من أسئلة.
من الدلائل على احتفاظ الراوي بمكان خارجي يسرد منه الحكاية نجد أثناء مشاهدته وهو طفل لفيلم "شيء من الخوف" يتحدث عن شريط الصوت بالفيلم، وهو مصطلح تقني للعاملين بالسينما لا يستخدمه عموم المشاهدين فما بالنا بطفل مهجر في ستينات القرن العشرين، كذلك كلمة "لوجو" بدلا من شعار كانت من كواشف موضع الراوي المتعمد، أيضا استخدام تعبير "خفة كائن لا تحتمل هواجسه" و"مسارات مضت لم تنقضي" كلها دلالات واشارات كاشفة عن شخصية الراوي الحالية الساردة، كما كشفت عن موقعه.
رغم أن الرواية تبدء وتنتهي عند الأم ووفاتها، ويتم تصدير النص كمرثية لتلك المرأة الراحلة، فظهور هذه المرأة وتواجدها يتراجع كثيرا كلما أوغلنا في السرد لحساب شخصيات وأحداث وخيالات أخرى، فمع نهايات الربع الأول من النص نجد أن الأم تراجعت لتحل في المرتبة الثانية لحساب امرأة أخرى، وتلعب في هذه المرتبة (أعني الأم) دورا أشبه بالـ"Anti-Villain" أو الشرير المضاد، فهي تعمل من أجل المصلحة العامة للعائلة وبقائها ونجاتها، لكن في المقابل تمارس كل القسوة والتجاهل والتعنيف للطفل الهائم في عوالمه، السابح في خيالاته.
هذا التحول في شخصية الأم كما زحزحها عن المركز (مركز الرواية ومركز حياة الطفل) سمح أيضا بظهور "أم هاشم" كشخصية نسائية مركزية في هذا العالم، لتحتل هي مركز الرواية حتى قرب النهاية بقليل، مع بقاء الأم ويشاركها الأب -بعد عودته للظهور- في مرتبة الـ Anti-Villain .