الإثنين 13 مايو 2024

«صاحبة الجلالة» و«الخيط الرفيع»

مقالات27-8-2021 | 10:27

 خيط رفيع يفصل ما بين الصحافة وجلسات المقاهي ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ثورة تكنولوجيا المعلومات، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فصاحبة الجلالة تقوم على مبادئ أخلاقية ومهنية لا يمكن تجاوزها، أي أن كان القالب المهني المستخدم في النشر، بينما جلسات المقاهي ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي لا تلتزم بقواعد مهنية.

 التغيرات التكنولوجيا وتطور وسائط الاتصال، كان له انعكاساته الإيجابية والسلبية، فأصبح بإمكان السلطة أن تقيس اتجاهات الرأي العام والوقوف على صورة بها مقاربة للحقيقة في قضية ما، بل أصبح لدى السوشيال ميديا القدرة على التأثير في صناعة القرار بدرجات متفاوتة سواء كان ذلك على المستوي المحلي أو الدولي.

 أما الكارثة الكبرى والسرطان الذي يؤرق صاحبة الجلالة الآن هو معدلات النشر، ونسبة المشاهدات، بهدف جني الأرباح، ومن هنا تبدأ المعضلة، فالصحافة هي صناعة لا يمكن استمرارها دون تحقيق أرباح وإلا لن تستطيع المؤسسات الصحفية صرف رواتب الصحفيين والعاملين، ولا حتى البقاء على قيد الحياة، لكن تحقيق الأرباح لابد أن يتم بشكل مهني، ورسم نموذج تحريري يعتمد على المعايير المهنية، وتقديم مادة صحفية تعتمد على التحليل بشكل أكبر من الاعتماد على المحتوى الخبري التقليدي، واحترام عقلية المستخدمين للمنصات الصحفية.

بمجرد أن يأتي إشعار جديد لـ« بث مباشر» يتوقع المستخدم أن هناك جريمة قتل بشعة، وفي خلفياتها علاقات محرمة وعلى الشاشة دموع وآلام، أو «بث مباشر» لجنازة أحد المشاهير و نقل كلمات المشيعين، بل أن الأمر تجاوز كل ذلك واتجه إلي البحث عن الحياة الخاصة لهؤلاء المشيعين للجنازة في المساء، ماذا فعل كل منهم وإلى أين ذهب، وألوان الفساتين وطول الجيب، وكأن قضايا وأزمات المجتمع تم اختزالها في أخبار تقتحم الحياة الخاصة للشخصيات العامة والمشاهير.

لست ضد التطور الذي هو سمة الحياة، لكن أنا أقف في مربع يحترم قواعد المهنة، فلا يجوز أن يخرج علي الشاشة من هم غير مؤهلين لذلك عبر المنصات الصحفية، ويجب أن يخرج وفق اسكربت محدد بعد مناقشته داخل غرفة الأخبار، وتحديد محور واضح لمناقشة القصة ومصادرها، وفق القواعد المهنية.

هناك خط رفيع يفصل بين «الحساب الشخصي» لمواقع التواصل الاجتماعي الذي لا يلتزم بقواعد، والمنصات الصحفية التي تعمل وفق قواعد، الأول يهدف للربح أو الشهرة دون الركون لتلك القواعد، لكن المؤسسات الصحفية تهدف لتحقيق الربح وهي تحترم القواعد المهنية، ولدينا نماذج عالمية مثل يورو نيوز، و"بي بي سي" و"سي ان ان"، و الصحف التي تملك المصداقية لدي جمهورها، لا يجوز أن تحدد عدد أو كم من الأخبار يوميا علي الصحفيين لأن النتيجة الحتمية أخبار لا تحمل القيمة الخبرية التي تقنع القراء بمتابعة المنصات الصحفية، الحل هو في ابتكار موضوعات ومعالجات تهم القراء والمستخدمين، أن أفضل الموضوعات الصحفية تلك التي تعالج القضايا المحلية.

لقد أصبحنا نري منصات صحفية تروج للخرافة بدلا من الركون إلي المعرفة وإشاعة التنوير، الأزمة في المعالجة التي تحتاج إلى إبداع وتكلفة مادية لخروج المادة الصحفية في صورة جذابة تحترم عقل المتلقي، نحن نمر بمرحلة صعبة للغاية تحتاج لضبط إيقاع المهنة والوصول إلي نقط توازن تضمن جودة المنتج وتحقيق الربح، يجب أن تكون المنافسة علي المصداقية والجودة.

إن الأمر أصبح في حاجة لحوار مجتمعي، حول مستقبل صناعة الصحافة التي تعاني فعليا من انهيار حقيقي، وبدلا من أن تكون أدوات الإعلام الجديد معين للمنصات الصحفية في نشر التنوير، تكاد تتحول إلى أدوات لذبح المهنة.

Dr.Radwa
Egypt Air