يصف الرحالة الشهير ابن بطوطة في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" عمود السواري في محافظة الإسكندرية بأنه واحدًا من "غرائب المدينة"، فقال: "ومن غرائب هذه المدينة عمود الرخام الهائل الذي بخارجها المسمى عندهم بعمود السواري، وهو متوسط في غابة نخل، وقد امتاز عن شجراتها سموًا وارتفاعًا، هو قطعة واحدة محكمة النحت قد أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين العظيمة، ولا تعرف كيفية وضعه هنالك ولا يتحقق من وضعه".
يقف عمود السواري شاهدًا على حكايات وأساطير المدينة الساحلية والحضارات المختلفة التي حكمتها ليُصنف كواحد من أهم المواقع الأثرية في الإسكندرية، بل يمكن اعتباره أعلى نصب تذكاري في العالم. وروت فاطمة علاء، أحد مؤسسي مبادرة أحفاد اسكندر لرفع الوعي الأثري، حكاية عمود السواري لـ"دار الهلال"، موضحة أنه جزء من معبد السرابيوم الذي يعود تاريخه لأكثر من 2300 سنة، بعد وفاة الإسكندر الأكبر وتولي بطليموس الأول الحكم، أراد توحيد الآلهة التي يعبدها المصريين والإغريق، واستعان بعلماء الدين المصريين واليونانيين، واتفقوا أن يكون هذا الإله هو "الثالث المقدس" الذي يضم الإله سيرابيس، والآلهة إيزيس، وابنها الإله حربوقراط، وبنى له هذا المعبد بتصميم بسيط على الطراز الإغريقي، وأضاف له بطليموس الثاني مكتبة كبيرة، فيما أمر بطليموس الثالث بإعادة تأسيس المبنى من جديد.
وأشارت إلى أن المعبد تعرض للهدم مرتين، الأولى في عهد الإمبراطور تراجان بسبب عصيان مدني قام به اليهود في الإسكندرية، ثم قام الإمبراطور هادريان بإعادة بناؤه، وتعرض للهدم في المرة الثانية في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الأول بسبب حملة قام بها المسيحيين في الإسكندرية ضد المعابد الوثنية، واعتبروه رمزًا للوثنية، لكن تبقى منه القليل.
وتابعت: "تبقى من المعبد بعد الهدم حوض التطهير، وتمثال العجل أبيس، وهو التمثال الذي أضيف للمعبد عند أمر الإمبراطور هادريان بإعادة بناؤه على أنقاض المعبد البطلمي، وقد تم العثور عليه أثناء عمليات التنقيب التي أُجريت حول منطقة العمود في عام 1895".
واستطردت: "هو تمثال ضخم مطلي باللون الأسود يصل ارتفاعه لحوالي متر و90 سم، فيما عدا مثلث أبيض على جبهته، ويوجد بين قرنيه قرص الشمس يتوسطه رأس الكوبرا، وهناك رسم لنسر مُجنح على ظهره، وقد اعتبره المصريين القدماء رمزًا للخصوبة والنماء".
ونوهت بأن التمثال الأصلي يوجد حاليًا بالمتحف اليوناني الروماني، أما التمثال المتواجد بمنطقة عمود السواري نسخة منه. ولفتت إلى أن العمود أمر ببناءه والي مصر "بوستوموس" في عام 292 تخليدًا لذكرى الإمبراطور دقلديانوس بعد أن أخمد الثورة التي شنها القائد الروماني لوكيوس دوميتيوس دوميتيانوس للاستيلاء على السلطة في مصر.
العمود مصنوع من الجرانيت الوردي، يبلغ قطره عند القاعدة 2.7 متر، وعند التاج 2.3 متر، ويصل طوله لـ27 متر، ليكون بذلك أعلى نصب تذكاري في العالم، وهناك إهداء للإمبراطور دقلديانوس باللغة اللاتينية على الجانب الغربي من قاعدة العمود.
وأو ضحت أن المعبد كان يضم 400 عمود، ويعتقد المؤرخون أن هذا العمود هو الأضخم والأعلى بينهم لذا لم يتمكن أحد من تحطيمه، ويوجد به حاليًا بقايا أعمدة وتماثيل، مشيرة إلى أن العمود تغير اسمه عبر العصور، ففي العصور الوسطى أطلق عليه عمود "بومبي"، وهو قائد روماني قتله المصريون أثناء هروبه من يوليوس قيصر، ويُعتقد أن رماده متواجد في إناء جنائزي فوق تاج العمود، وعُرف بـ"عمود الصواري" في العصر الإسلامي، لأنه يشبه صواري السفن العالية، وتحرف الاسم عبر الزمن ليصبح "عمود السواري".