الأحد 23 يونيو 2024

الأم تريزا.. كيف أصبحت أيقونة للعطاء ولماذا هاجمت الحركة النسوية؟

الأم تريزا

ثقافة5-9-2021 | 09:04

مريانا سامي

"تحدث معهم برفق، دعهم يستشعروا اللطف في وجهك، في عينيك، في ابتسامتك وفي حرارة تحيتك، لا تعط اهتمامك فقط بل قلبك أيضًا"؛ كانت هذه كلمات الأم تريزا للعالم كي يتعلم الناس كيفية التعامل مع الفقراء والضعفاء والمُهمشين، هؤلاء الذين ملئوا حياتها وأفكارها حتى غادرت إلى السماء.

يوافق اليوم الأحد الموافق 5 سبتمبر، الذكرى الـ24 لوفاة الأم تريزا واحدة من أشهر وأهم شخصيات القرن العشرين والحاصلة على جائزة نوبل للسلام من أجل ما قدمته من أعمال خيرية، الأمر الذي جعل الأمم المتحدة تخصص اليوم ذاته كيوم عالمي للعمل الخيري تخليدًا لذكراها كأيقونة للإنسانية على الرغم من العديد من الانتقادات التي وُجهت إليها.

ولدت الراهبة الكاثوليكية تريزا في السادس والعشرين من أغسطس لعام 1910 في مقدونيا بأسم آغنيس غونكزا بوجاكسيو، من عائلة لها أصول ألبانية ومتوسطة الحالة المادية، كان والدها تاجرًا وله علاقات جيدة بالكنيسة والحياة السياسية كما كانت أمها كاثوليكية متدينة صارمة وهي أهم الشخصيات تأثيرًا في تربيتها وأفكارها ومستقبلها؛ حيث كانت تعلمها محبة الفقراء ومساعدتهم وكانت تدعوهم دائمًا للطعام في بيتها فنشأت أغنيس على ذلك.

حين كان عمرها بالكاد ثمان سنوات مات أبيها بعد فترة مرض قصيرة تناقل البعض الحديث عنه فيما بعد إنه مات مسموم بسبب أعدائه ولكن لم يستدل على ذلك بشكل دقيق؛ بعدها التحقت أغنيس بالمدرسة الابتدائية التابعة للكنيسة الكاثوليكية حتى المرحلة الثانوية والتي انتقلت فيها لمدرسة حكومية عادية.

حين أتمت 18 عام كانت هناك رغبة مُلحة في نفسها لتكريس حياتها للكنيسة وخدمتها فقررت أن تصبح راهبة، وعلى أثر هذا القرار سافرت إلى إيرلاندا وترهبنت في دير العذراء وعلى جراء العادة الرهبانية تم تغيير أسمها من أجنيس إلى ماري تريزا وبعد انتهاء مدة اختبارها سافرت إلى الهند لتبدأ حياتها الرهبانية ومنها إلى بلدة كلكتا لتدرس في مدرسة القديسة ماري الثانوية وهي مدرسة خيرية لتعليم الفتيات من الطبقة الفقيرة، وقتها تعلمت ماري تريزا الهندية بطلاقة وقررت كما علمتها والدتها قديمًا أن تساعد هؤلاء الفتيات الفقراء وتهون عليهن.

تدرجت ماري تريزا في الرتب الرهبانية حتى حصلت على لقب أم وأصبحت مشهورة حتى الأن بالأم تريزا، في الوقت نفسه اظهرت نتائج جيدة في تدريسها بمدرسة القديسة ماري فعُينت مديرة للمدرسة، وبعد حوالي 16 عام من التدريس بالمدرسة وتحديداً في عام 1946 قررت التحرر من مناصبها في الدير وفي المدرسة لتجول كلكتا الهندية تساعد فقراءها ومرضاها وتحاول الاهتمام بالمنبوذين والمهمشين الذين لا يهتم بهم أحد، وبالفعل وافق الدير على طلبها بعد حوالي عامين لتنضم للفقراء والمساكين في شكلها البسيط الابيض والساري الأزرق السماوي.

وفي البداية قررت الأم تريزا أن تتعلم مبادئ الطب والاسعافات في فترة تتراوح من4 إلى 6 شهور ثم بعدها انشأت مدرسة لتعليم الفقراء بعد اقناعها للعديد من الجهات التبرع لها وبعدها بعامين انشأت أكبر جمعية خيرية وهي جمعية الإرسالات الخيرية التي بدأتها بعدد قليل من الأعضاء حتى توسعت مع مرور الوقت وشارك فيها أعضاء من حوالي 123 دولة.

 

مع زيادة تدفق التبرعات من أنحاء الهند والعالم، وسَعَّت الأم تيريزا من نطاق أهدافها الخيرية. وخلال حقبة الخمسينات والستينات، أسست مستعمرةً للجذام، دارًا للأيتام، دار حضانة، عيادة عائلية وسلسلة من العيادات الصحية المتنقلة.

 

ساهمت كذلك الأم تريزا في تضميد جروح العديد من الأطفال والكبار أثناء الحرب في لبنان وافتتحت العديد من المراكز الطبية في الكثير من الدول للمساعدة والتخفيف من وطأة الألم المزدوج ما بين المرض والفقر.

 

حصلت الأم تريزا على عدد من الجوائز كان أشهرهم جائزة نوبل عام 1979 تقديرًا لها ولإنسانيتها وكذلك حصلت على جوهرة الهند وهو أعلى وسام شرفي هناك، وقد عانت قبل وفاتها من أمراض القلب حتى توفيت في الخامس من سبتمبر عام 1997 عن عمر ناهز ال 87 عام.

هذه هي السيرة الذاتية المعروفة عن الأم تريزا بينما كان هناك عدد من الانتقادات وُجهت إليها والحقيقة إنها انتقادات تستحق العرض والنقاش، فمثلًا وراء وصف جيرمين جرير النسوية ل الأم تريز "إنها إمبريالية متشددة" سبب قوي وهو معارضتها لاستخدام وسائل منع الحمل بل وصل الأمر لاتهام أي امرأة تستخدم هذه الوسائل بانها لا تصلح للحب وهذا لم يكن رأي منفرد للأم تريزا إنما كان واحد من الاتجاهات الكاثوليكية المتشددة التي تربت عليها وشجعتها.

من الاسباب الأخرى لنفس الوصف، هي أن الأم تريزا حاربت بشكل قوي اي اتجاهات نسوية، حاربت عمل المرأة واستقلالها ومحاولاتها الارتقاء بذاتها، كانت دائمًا تقول أن المرأة خُلقت للتناسل فقط أي أن تكون أم و مُربيه ليس أكثر من ذلك ، كما حاربت الإجهاض مهما كانت أسبابه ودافعت عن ذلك بأن ارتكاب مثل هذه الامور أدى إلى اختفاء السلام من العالم.

من الأمور المثيرة للجدل أيضًا أن معظم الهيئات والبعثات التي كانت تقوم بزيارات لمراكز الأم تريزا الطبية كانت تُقر بنقص شديد في الأدوية والرعاية الصحية للمرضى وعدم كفاية تدريب الطاقم العامل بهذه المراكز، كذلك تأكيد عدد كبير من الناس أن الأم تريزا نفسها كانت ترفض إعطاء المسكنات للمُحتضرين كانت ترى أن آلامهم شيء عظيم لابد أن يعيشوها وفي ذلك نتذكر مقولتها الشهيرة "هناك شيء جميل في رؤية الفقراء يقبلون الهبات ويعانون مثل المسيح فالعالم يجني كثيراً من معاناتهم".

ربما أحبت الأم تريزا الفقر ذاته أكثر من الفقراء فكانت تدافع عنه وعن المرض والألم من منطلق إنه هبه من الله لابد من معايشتها كاملة ولم تكن هناك أي بوادر للخروج من حيز الفقر إلى التنمية إنما كانت فكرة المحافظة على وجوده كأنه طوق النجاة من الحياة للأخرة، كذلك بعض الاقاويل التي ترددت عنها إنها كانت تقوم بتعميد الأطفال قبل موتهم بشكل سري وهي علامة أخرى مثيرة!

أيضًا في بعض الدراسات الأمريكية ذُكر أن المناطق التي ظلت فيها الام تريزا تنادي بالتعامل مع الفقر والمرض على إنه شيء عظيم والتي أقنعت فيها عدد من النساء أيضاً بعدم الخروج للعمل ظلت في تأخر وتخلف عن مناطق أخرى في نفس وضعها تخلصت من بدرجة كبيره من الفقر والمرض بفضل أمور كانت هي ترفضها، ومن العلامات المثيرة أيضاً إنها كانت تدعم أي ثري يتبرع للمؤسسات الخيرية او الفقراء مهما كانت مصدر أمواله حتى لو كانوا رؤساء العصابات أنفسهم.

رحلة حياتيه للأم تريزا مليئة بالمفاجأة والدهشة والحب والعطاء، وجوانب مختلفة انسانية شكلت وجود الأم تريزا في عالمنا، فهي شخصية مهما اختلفنا أو اتفقنا تُعد من أهم الشخصيات المؤثرة في التاريخ الحديث التي أحيت وألهبت فكرة العمل الخيري وحب المُهمشين في العالم.