ظاهرة خطيرة تطيح بالأخلاق والمبادئ وتؤدى إلى فقدان الثقة.. وإحداث فتنة فى المجتمع.. فالتسريبات والوشايات.. واختلاق الأكاذيب للإضرار بالناس.. وتتبع عورات وخصوصيات المواطنين من قبل بعض الأشخاص.. أمور تنذر بعواقب وخيمة.. فإن للمجالس أمانات وقواعد وأصولاً ومبادئ يجب أن تراعى.. «المجالس أمانات».. وحرب «الوشايات والتسريبات» والأكاذيب.. تستحق مواجهة حقيقية قبل أن تتحول إلى مجتمع فاقد الثقة فى نفسه.. يميل إلى الانتهازية والأنانية بحثاً عن مصالح شخصية ضيقة.
آفة خطيرة انتشرت فى المجتمع خلال السنوات الأخيرة.. خاصة بعد مستنقع 25 يناير 2011.. بعد أن ساهمت فى تدنى الأخلاق والأنانية، وجاءت إلينا بثقافات مستوردة.. وجعلت أسافل الناس من الإرهابيين والمتطرفين والمجرمين والخونة والعملاء والطابور الخامس هم الصفوة والنُخب والأسياد وأصحاب المعالى.. والحقيقة أنهم جميعاً كانوا مجموعات من الأوباش والمرتزقة و«القبيضة».
الآفة الخطيرة التى أصبحت منتشرة فيما بعد 25 يناير.. هى ظاهرة التسريبات والوشايات ونشر الأكاذيب عن الآخرين بالزعم والادعاء.. وهناك من يجلس بجوارك.. أو يجلس أمامك ليأخذ منك دون أمانة أو تحرى الدقة وينقل للآخرين للإيقاع والوقيعة مع البعض أو الوشاية بك عند ذوى الشأن والقرار والمسئولين.. أو كشف عورات وأسرار الناس.. أو التقول والحديث بلسان الآخرين دون إذن.
الحقيقة أن هذه «الآفة» لها تداعيات خطيرة وتأثيرات سلبية كارثية على المجتمع، تؤدى إلى الفتنة والانقسام، وافتقاد الثقة فى الآخرين.. ومنذ اختراع «الموبايل» اللعين انتشرت هذه الظاهرة بشكل مكثف.. فهناك من يجلس بجوارك أو فى مكتبك ويقوم بتسجيل كلامك وحديثك دون أن تدرى.. ودون أن تدرى أيضاً يوجه كلامك ويقوم بسؤالك فى موضوعات معينة أو يستفزك لتخطئ فى حق الآخرين، أو تبدى رأياً مخالفاً.. أو توجه إهانة لأحد يقوم بتسجيلها ونقلها للآخرين.
انتشار هذه الآفة على مستوى الأفراد وفى المجتمع خطر كبير.. يجسد عيوباً خطيرة.. وثقوباً عميقة فى المنظومة الأخلاقية.. وفشل كل أدوات ووسائل هذه المنظومة.. فالظاهرة تكشف عن سوء تربية وسلوك.. وحالة خواء شخصى من الفضائل والمبادئ.. وأيضاً إخفاق أسرى.. وفشل المؤسسات الدينية، لأن هذه الظاهرة تعكس حالة فقد الوعى الحقيقى بتعاليم الدين وفضائله.
فى أصولنا وأعرافنا المصرية يقولون: المجالس أمانات.. وهذه المجالس تشبه الأمور المقدسة فى حياة الناس، ولها آداب، وأخلاق، وقواعد.. أبرزها الأمانة.. لكن أن نرى اليوم الأسرار وإفشاء خصوصيات وآراء الناس وكلامهم عن أشياء وأمور، وهم فى حالة ارتياح لمن يجلسون أمامهم وعدم التفكير فى قبح هؤلاء الذين يقومون بانتهاك حرمة المجالس ونقل مضامينها وكلام المشاركين فيها، فهؤلاء ليسوا أمناء.. وما يفعلونه يخالف أدنى قواعد الأمانة والشرف.
الأخطر من ذلك والأدهى والأمر أن يتطوع البعض بالكذب والتقول على الناس.. وإسناد أقوال إليهم، وآراء وأفعال لم تخطر حتى على بالهم.
فالتقول على الناس والكذب والافتعال لمواقف لم يفعلوها من أجل التشكيك.. وهز الثقة فيهم.. وانتشرت هذه الظاهرة فى مواقع المسئولية.. حيث الوشايات والتقول.. واختراع مواقف واختلاق أكاذيب من أجل الإطاحة به من موقعه والاعتقاد الخاطئ بأنه سيكون البديل.. المصالح والمناصب لا يمكن أن تهدر الأخلاق والمبادئ.. فلا يمكن لمن يكذب ويشى ويختلق وغير الأمين على المجالس أن يؤتمن على مسئولية لأنه كما باع المبادئ والأخلاق سيبيع نفسه وشرفه.
هؤلاء لا يكلفون أنفسهم حتى قول الصدق والحقيقة بمنتهى الموضوعية.. لكنهم يتفننون فى الكذب والاختلاق والوشايات يعملون على ترويج الوشايات والأكاذيب من أجل الإضرار بشخص معين أو مجموعة من الأشخاص.
سمعت أن أحد الأشخاص دخل لمكتب أحد القيادات فى إحدى المؤسسات الصحفية وجلس معه.. وأخذ يفتح موضوعات كثيرة للحديث ومحاولة استخلاص آراء معينة من هذه القيادة فى أمور تخص القيادة الصحفية الأعلى.. وكانت تربط القيادتين علاقة إنسانية قوية، وبينهما صداقة عمر.. وفتح هذا الشخص «الموبايل» على الهواء للاتصال بالقيادة الأعلى.. فما كان من الأخير إلا وابل من الشتائم والإهانات لهذا الشخص.. واتهامه بأنه حقير وغير متربى ووضيع.. وهذا تصرف نبيل من القيادة الأعلى.. وكل واحد منا المفروض ألا يقبل بمثل هذه السلوكيات الحقيرة والمتدنية.. لأنها ستؤدى إلى كوارث مجتمعية.. وفتنة وتشرذم وانعدام للثقة بين الناس.
المكاتب مليئة بمثل هذه الأفعال المشينة.. والتصرفات الحقيرة.. فالأمانة شيء «عظيم».. وخصوصيات وعورات الناس شيء مقدس وخط أحمر.. والأديان تحث على احترامها.. وما يحدث من سلوكيات الأفراد فى المجتمع غريب على مصر تماماً.. وعدم إيمان بأن النافع والضار هو اللَّه.. وأن المناصب والوظائف بيد اللَّه.. وهو من يعز ويذل.. فهل تراجع الإيمان لدى الناس.. فلا حيلة فى الرزق ولا شفاعة فى الموت... «قل لن يصيبنا إلا ما كتب اللَّه لنا».. والنبى الكريم (صلى اللَّه عليه وسلم) يقول: «ما أصابك لم يكن ليخطئك.. وما أخطأك ما كان ليصيبك».. وأيضاً: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء، لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه اللَّه لك.. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىء، لم يضروك إلا بشىء قد كتبه اللَّه عليك، رُفِعَتْ الأقلام وجفت الصحف».. لذلك فالأمور محسومة والأحرى بالإنسان أن يسطر ويحفر اسماً محترماً.. وأفضل ثروة لأبنائه أن يترك لهم اسماً محترماً مقدراً بين الناس، حسن السمعة والسيرة.. ما أجمل كلمة «اللَّه يرحم أبوك.. كان رجلاً محترماً».. فالناس سيرة.. والأصل الكريم.. و«اللبن النظيف».. و«اللى متربى على طبلية أبوه وشبعان.. لا تغريه الدنيا».. فلا أدرى لماذا يقترب البعض من الحرام والمال الذى لا يستحقه ولماذا أيضاً يقوم البعض بأدوار «الشماشرجية» والتطفل والنفاق واللعب على الوترين والحبلين.. فهل يستطيع هؤلاء النظر فى المرآة؟!.. هناك أيضاً من يتعمد الإضرار بمنافسيه ومحاولة إقصائهم بكل نذالة وفقدان للشرف من خلال أكاذيب وادعاءات ومزاعم غير موجودة.. وهو يجسد حالة ضعف وعدم ثقة فى النفس وعدم إيمان وتدنٍ.. ومن المهم أن يتم التدقيق والتحرى والتأكد مما يقول هؤلاء الأراجوزات الذين أفلسوا ولم يعد فى رصيدهم سوى الأكاذيب.
واقعة ضياء السيد، المدرب العام لمنتخب مصر.. هى مثال للتدنى واستغلال ثقة الأشخاص ومن قام بتسريب كلام ضياء السيد هو شخص فاقد للضمير والأمانة والتربية والأخلاق والشرف.. والأمر هنا ليس فيما قاله ضياء السيد ولكن فى من «سرَّب وأفشى» ما قاله ضياء لمجموعة محدودة من الأشخاص يعتبرهم أصدقاء للأسف.. رسخوا أو اتحاد الكرة رسَّخ لسلوك مشين.. وأصبح الآن مطالباً بعدم الازدواجية.. فما فعله عندما عاقب إمام عاشور لاعب الزمالك عندما تحدث فى غرفة ملابس اللاعبين مع زملائه من فريق الزمالك وقام أحد الأشخاص بتسجيل ما قاله من إساءة فى حق الأهلى ورموزه ونشره على الـ«سوشيال ميديا».. المفترض أن هذه خصوصية وفى نطاق ضيق.. وتمت معاقبة إمام عاشور بالإيقاف عدداً كبيراً من المباريات.. لذلك اتحاد الكرة مطالب بإنزال العقوبة المناسبة على ضياء السيد المدرب العام للمنتخب «المساواة فى الظلم عدل» واتحاد الكرة فى لحظة حرج بالغة ومطالب بأن يزيل عنه شبهة التحيز والانحياز للأهلى سواء فى تشكيلة الجهاز الفنى للمنتخب أو قرارات فيها ازدواجية معايير.
المهم نحن أمام ظاهرة مجتمعية خطيرة أراها نتجت عن مجموعة من الأسباب:
أولاً: تداعيات أحداث 25 يناير 2011 وما كشف عن حالة الضعف والتدنى والابتذال فى المجتمع..
ثانياً: انتشار ثقافة الأنانية والانتهازية، ونفسى ومن بعدى الطوفان.
ثالثاً: غياب التربية الصحيحة المتجذرة من العقود الماضية.
رابعاً: تفشى الثقافة الرديئة والاستهلاكية دون وجود مضمون حقيقى وهى ظاهرة جاءت من العقود الماضية انتشر فيها الفساد والقبح وغياب المبادئ وعلا فيها شأن الفاسدين والراقصات وغيرها من الظواهر.
خامساً: غياب الدين الصحيح فى ظل انتشار جماعات الظلام والمتاجرة بالدين و«البراجماتية» العفنة وعدم الولاء والانتماء للوطن ولا لأى فضيلة.
سادساً: غياب المدرسة عن أداء دورها بعد انتشار ثقافة «السناتر» والدروس الخصوصية بديلاً للمدارس.. وما لهذه الثقافة من سلوكيات. >سابعاً: ثقافة «السوشيال ميديا» والإعلام الجديد الذى استباح كل شىء.. وأيضاً فرض واقعاً شاذاً ورفع سقف طموحات البسطاء فى ظل ما يرونه من نمط حياة للأثرياء والأغنياء ضمن الأعمال الدرامية خلال العقود الماضية.. ناس تسكن القصور، وآخرون يعيشون فى القبور.
كل هذه الأسباب وراء تراجع منظومة القيم والأخلاق.. وتفشى الأكاذيب والتسريبات والوقيعة والوشايات والتشكيك وإفشاء أسرار وخصوصيات الناس دون أى وازع من دين أو ضمير أو أخلاق.. هؤلاء رفعوا شعار مصلحتهم وأنانيتهم ومكاسبهم بأى وسيلة دون النظر إلى شرعيتها وشرفها.
الحقيقة أن الأخلاق.. تأتى من مناخ عام ومنظومة متكاملة.. تبدأ من الأسرة والمدرسة والمجتمع والجامع والكنيسة والثقافة والإعلام.. وعلينا أن نلتفت لخطورة غياب هذه المؤسسات عن أداء واجبها.. ولابد أن نعيد إلى البناء الدينى والأخلاقى حيويته وفاعليته، ولسنا فى حاجة إلى الكارهين للدين الصحيح والأخلاق السليمة.