- الحكومة هدمت منازلهم وتركتهم تحت رحمة الشارع
- الاحتماء بـ«الأكشاك الخشبية» وملازمة الحيوانات الضالة «مأساة يومية»
عندما تطأ قدماك أرض منطقة «تل العقارب»؛ تشعر بأن الزمن قفز مئات السنوات إلى الوراء؛ ولم لا والحياة هناك لا تمت بصلة إلى ما يجب أن يعيشه البشر، على مشارف العقد الثاني من القرن الـ21.
ربما يكون أهالي هذه المنطقة، بشر في هيئتهم، ومتطلبات حياتهم، لكنهم ليسوا كذلك في الحقوق؛ بعد أن تركتهم الحكومة تحت رحمة الشارع، وأسقطتهم من حساباتها، عقب هدم منازلهم؛ ليتدثروا بالعراء، ويلتحفون السماء؛ هربا من برد الشتاء، تلازمهم الحيوانات الضالة، كمأساة يومية لا فرار منها.
الأكشاك الخشبية وحياة اللاجئين
على مدار 8 أشهر، يعيش أهالي تل العقارب، لاجئين داخل وطنهم؛ بعدما هُدمت منازلهم، وتنصلت الحكومة من وعدها بإيجاد مساكن بديلة لهم، حتى صاروا تائهين بشارع عين الصيرة القديم، تحت سمع وبصر الجهات التنفيذية، التي يرى مسؤولوها البشر متكدسين داخل الأكشاك الخشبية، التي صنعوها بأياديهم؛ ليأووا إليها، خفظا لخصوصيتهم في الحياة، دون أن يطرف لهم جفن، أو يرق منهم قلب.
المأساة بلسان أصحابها
السيد محمود محمد، كهل تجاوز الـ56 من العمر، رسم الوهن أسمى آياته على ملامحه، يجلس داخل كشكه الخشبي، تحيطه بقايا الأثاث، الذي خلفه منزله الضائع، ويقول: «أسكن في تل العقارب، منذ 35 سنة، تجوزت وأنجبت 3 من الأبناء، وقبل 8 أشهر، حضر المسؤولون لهدم منزلي؛ بحجة تطوير المنطقة، ومنذ ذلك الحين، ننام في الشارع، بين الحيوانات الضالة، لا أحد يسأل عنا».
وأضاف لـ«الهلال اليوم»: «فوجئت برئيس الحي يخلي منزلنا بالقوة الجبرية، دون سابق إنذار، وبدأ الهدم، ونحن مازلنا داخله؛ لإجبارنا على مغادرته، ولم يهتم المسؤولون بما قدمته لهم من أوراق؛ ثبت أني من سكان المنطقة، وأستحق منزلا بديلا، وقرر الاعتماد على أقوال مفتشيه؛ مما وضعني رهن الشارع، لا أستطيع الفكاك منه منتظرا مصيري المهجول».
واستطرد: «حررت شكوى بقسم الشرطة، ولدى جهاز الرقابة الإدارية، وبمكتب النائب العام، وأرسلت برقية لرئيس الجمهورية، ولم أجد ردا حتى الآن، ورغم عرضي على العديد من اللجان المختصة؛ لدراسة حالتي، فإنني لم أجد نتيجة».
استغاثة للرئيس
واستغاث السيد محمود، بالرئيس عبدالفتاح السيسي؛ مطالبا إياه بالتدخل لمنحه حقه في الحصول على سكن؛ يأويه، وأسرته، ويمكنه من قضاء أيامه الأخيرة في الحياة، بكرامة إنسانية.
حق مهدور
مأساة أخرى تمثلها «أم محمد»، ذات الـ49 عاما، التي لا تجد سوى سريرها، وعدد من البطاطين تلجأ إليها؛ لإنقاذها من برد الشتاء، داخل كشكها الصغير، الذي يتسع لجسدها بالكاد.
وبنربة تنطق يأسا قالت: «ولدت في بيت ورثته عن أجدادي، ولم أتركه إلا بعدما هدمه الحي في رمضان الماضي، ومنذ ذلك الوقت وأنام على سريري في الشارع، لا يسترني عن العيون إلا ذلك الجدار الخشبي الذي تهزمه الرياح».
وأضاف لـ«الهلال اليوم»: «أمتلك حُجة البيت الذي تم هدمه، ولي الحق في تسلم شقة من المحافظة، ورغم ذلك لم يحدث حتى الآن، ولازلت أقيم في الشارع».
وتابعت: «بعض الأهالي استلموا مساكنهم بمدينة 6 أكتوبر، ولا أعلم لماذا لم يحدث ذلك معي؟!»، مناشدة المسؤولين إيجاد مأوى لها، قبل أن يقتلها العيش في العراء.