الإثنين 29 ابريل 2024

حديث النفس.. «هو.. الوجه الآخر»

مقالات5-10-2021 | 21:49

لماذا الصدمة إذا ما اكتشفت أن من عرفته شخصا آخر؟ لماذا الدهشة فكلنا نحمل نفس الإثنين معا؟ الأصلى والتقليد.

نتعثر فى الأسوأ فنشكوا لأننا واجهناه بالأفضل فى قصص وحكايات درامية مأساوية، فقد يكون الوجه الآخر لخائن أو لص أو مجنون أو حتى متحرش.. قد يبالى أو لا يبالى صاحبه بظهور وجهه القبيح، فهو الحقيقة المرة الصادمة لكثير منا وقد يكون سلاحه وعدته فى صراعه فى الحياة، وقد يكون نقطة ضعفه التى عجز عن إخفائها.

 نعيش فى هذه الحياة جميعنا بوجهين.. وقد يكون للبعض بأكثر من وجه.. ولا يوجد أحد يغاير هذه الطبيعة إلا ما ندر، نبذل الجهد فى تجميل وتحسين الوجه الظاهر للمجتمع المختلط للآخرين وإن صح التعبير للغرباء.. فنظهره لأنه الوجه الرابح الكاسب فترتسم عليه ملامح تحقق مكاسب حسب البيئة التى يظهر فيها فكل ما يلزم الإنسان عند خروجه من المنزل للاختلاط بالآخرين أن يرتدى هذا الوجه مع ارتدائه لملابس الخروج على مسرح الحياة.

الإنسان يستعد كل يوم بهذا الوجه.. فقد يحتاج لوجه الطيبة والورع والإيمان، وقد يحتاج لوجه الشدة والحزم والقوة لإخافة الآخرين، وقد يحتاج أن يرتدى وجه الأراجوز الذى يسلى من حوله ليحصل على مايريده، فالوجه «عدة الشغل» فى مسار الإنسان فى حياته.. قد يكون الإنسان ضعيفا وعليه أن يرتدى العكس حتى لايهزم، وقد يكون جبارا ويرسم الضعف والمسكنة، المهم أن ينجح فى الحصول ما يريد حتى إذا ما عاد واختلى بنفسه أو اختلط مع المقربين جدا منه مثل أسرته مثلا فإنه يتعرى ويخلع هذا الوجه.

وليس معنى ذلك أن هذا الوجه مستديم فقد تظهر طبيعته التى يخفيها على فترات إما عن غير قصد إذا ما اضطرته الظروف.. أو ادخره وأجله لوقت يحدده.

فمنا من يصبر أو يصٌبر نفسه ليوم موعود يثأر فيه لنفسه حتى أنك تندهش أن هذا الشخص خرجت منه هذه القوة أو التوحش أو حتى النذالة!!.

وفى حالات أخرى يكون الوجه الآخر أفضل من الظاهر لكن البيئة الشريرة فرضته عليه وقد لا يستطيع فيصاب بالعزلة وربما الاكتئاب.. ومنا من ينبهر بوجوه الآخرين ويتمنى أن تكون له مثلها ولكن لا تكون لديه المقدرة على فعلها.

وتختلف درجة التغيير والفروقات بين الوجهين، فالبعض تصل هوة التغيير للنقيض والبعض الآخر يتجمل أو يُحسٌن عيوبه حتى لا تظهر أمام الآخرين، والبعض تقل لديه الهوة لتصل معه لمسميات أخرى مثل الأدب والذوق، ولكن داخله بركانا يغلي، البعض مرغم على هذه الأمور والآخر تتم باختياره.. المهم أن الإنسان يحقق مصالحه من الوجهين اللذين يمتلكهما وحده.

لكل إنسان طاقة احتمال فلك أن تتخيل أنك ترتدى قناعا بلاستيكيا على وجهك لا يعبر عما بداخلك وعليك أن تتظاهر بعكسه، قد يتحول الأمر إلى صراع داخلى لدرجة أنه متى جاءت الفرصة لصاحبه للتحرر من قيود هذا الوجه يلقى به غير مبال بحجم الخسائر، ولكن العبرة بتوقيت هذا القرار.

لا أنكر أن لكل واحد منا العديد والعديد من الأسرار والأمور المخفية فى نفوسنا التى لا نحب أن يطلع أحد عليها فليس من حق أى إنسان أن يخترق الآخرين بدون أن يسمح له مهما كان مقربا منهم.

وليس منطقيا أن نكون كتبا مفتوحة أمام بعضنا البعض، فلكل إنسان خصوصية ولكننا دائما ما نطالب الآخرين بأن يكونوا من الوضوح والصراحة لنحصل على ما نريد حتى وإن لم نكن على نفس مستوى الصراحة، ولكن الأنانية التى جُبل عليها الإنسان تجعله يطالب بأن يأخذ أكثر مما يعطى فيحمل الطرف الآخر بأعباء تجعله يمعن فى الإخفاء والتخفى خاصة فى مجتمعات لا تعطى التقدير لأمور قد يستحى الإنسان من إظهارها مثل الفقر أو الأصل المتواضع فلا نحاسب الإنسان على عمله وجهده فيبالغ فى الكذب وإظهار صورة ليس عليها حتى يحصل على مكانة معينة فى المجتمع وكأن هذه الصورة هى جواز مروره للآخرين ليحظى بالتقدير المناسب ولسان حاله «إنى لا أكذب ولكنى أتجمل».. هنا الإنسان قد يكون معذورا فالظروف المجتمعية قد دفعته لذلك فليس كلنا على درجة واحدة من القوة والصلابة فلا نهتم بصورتنا فى أعين الآخرين وليس بصورتنا فى أعيننا فنستمد ثقتنا فى أنفسنا من غيرنا.

وهناك من الأشخاص ما لا يعيرون لآراء الآخرين أهمية طالما أنهم يسيرون على الطريق الصحيح على الرغم من بعض الخسائر التى يرونها بسيطة فى مقابل ثقتهم الذاتية فى أنفسهم التى فى الغالب تدفعهم للنجاح فيتجاوزن هذه الخسائر وإجبار الآخرين على احترامهم لكنهم قلة.

حققوا السلام النفسى فالهوة بين ما يدور داخلهم والصورة الخارجية بسيطة فهم فخورون دائما بوجههم الآخر فيصبح الوجه الظاهرى مشرقا نتيجة التصالح النفسى بين الداخل والخارج.

وكلما اتسعت الهوة بين الوجهين تجد الشخص يفشل فى علاقاته الخاصة لأنه نصب «الشرك» أو المصيدة بالوجه المثالى وحينما تملك من «الفريسة» ظهر الوجه الخفى المظلم الذى فى الغالب يسبب الفشل فى العلاقات الإنسانية مثل الزيجات والصداقات.. والعكس ممكن يحدث فمن الممكن أن تكون هذه العلاقات بين أناس اتفقوا على العيش بالوجه الآخر الذى لا يكون فى العلن فتقاربا وتناغما وهما كثر أيضا فتجد المجرم والمجرمة والكذاب والكذابة والمنافق والمنافقة وغيرهم من نماذج سلبية دائما ما يتوافقا ضد الآخرين وتؤكد لنفسك أن أحدهما إن لم يتزوج الآخر سيسعى الآخر للزواج منه أو للارتباط معه فى علاقات مختلفة ولسان حالهم «ماجمع إلا ما وفق» فليست كل العلاقات مثالية فهناك علاقات خبيثة أيضا وأحيانا يكون التناغم باحتياج وجه النقيض للآخر، وهنا أيضا سيكون الاتفاق للتكامل.

إذن لكل واحد منا شخصيتان قد تصل للدرجة المرضية فى بعض الأحيان من شدة الصراع والكبت الذى يتعرض له صاحب الوجه التمثيلى طوال الوقت فيتحين الفرصة للانفجار واستعادة نفسه المسلوبة منه أو قد تظهر فى صور أخرى مثل السير أو الكلام أثناء النوم أو الكوابيس.. أو الإسقاط على الآخرين من صفاته حتى ترتاح نفسه وكما هو الحال تختلف الشدة من شخص لآخر قد يتوافق مع بيئته أو يعيش منعزلا عن الآخرين.

وفى تقديرى أن هذا الكبت وراءه التربية والتنشئة فى الأسر ، فمعظم الآباء والأمهات لا يتحدثون بصراحة وتفهم مع أولادهم ودائما ما يلقون التعليمات والأوامر دون توضيح للأبناء أو سماع آرائهم فلا يسمحون بهامش الخطأ لشدة رغبتهم أن يتبع أبناؤهم السلوك القويم، ولكن التربية تعتمد على السماح بالخطأ للتقويم لإخراج الكبت من نفوس الأبناء، فالطفل المكبوت سيكون رجلا قاهرا لزوجته وأبنائه أو مديرا متسلطا أو حتى شخص مسلوب الإرادة ضعيف الشخصية. وكثير من الحالات ما ننخدع فى ظاهرهم، فتجد أناسا على درجة كبيرة من الوقار واصطناع التهذيب ونجدهم مدانين فى جرائم قتل أو جرائم شرف.. فنتعجب من هذا الأمر نتيجة أننا اعتمدنا فى حكمنا عليهم بالوجه الخارجى وقد ننخدع ويكون الألم على قدر الخسارة.

فالوجه الغائب أو المخفى فى الغالب هو الوجه المظلم الضعيف لصاحبه الذى لم يستطع الاستقواء به وإظهاره للآخرين لدرجة التصديق بأنه الوجه الحقيقى له وأن الظاهر للآخرين ليس هو.. ليس نفسه.. فنفسه تشتاق لنفسه.

قد يتحرر مما يراه قيودا فيتخلص منها فى لحظة وقد تعيش داخله لتقتل استمتاعه بالحياة فهى كالجلاد داخله الذى يعذبه طوال الوقت.. قد يؤذى نفسه وقد يؤذى الآخرين من حوله ولكننا دائما ما نؤذى المقربين منا بدلا من أن نؤذى أنفسنا فنعذبهم بدلا من تهذيب أنفسنا وتصويبها.

فنرى فى إيلام الآخرين راحة لأنفسنا حينما نخرج المخفى من داخلنا فهو لم يمت ربما خدر.. أو نام، لكنه موجود ولد معنا وسيموت معنا.. فنعيش مخدوعين مع أشخاص تمكر وتنتظر الفرصة للانقضاض علينا وربما نستطيع أن نواجه الضربة وربما تعجزنا الصدمة، لكن حينما تفاجئنا نقول «أهو الوجه الآخر» فى امتحان الحياة؟

Dr.Randa
Dr.Radwa