ماذا لو لم يقرر الرئيس محمد أنورالسادات الاتجاه نحو السلام مع إسرائيل وهو القائد المنتصر في ملحمة عسكرية أبهرت العالم وأسقطت غرور وصلف العدو وأسطورته المزعومة.. ماذا لو استسلم السادات للمفاهيم والأدبيات المستقرة آنذاك.. وخشي من أفكار المرتعشين والمحنطين والمرجفين؟.. والسؤال المهم.. هل خسرت مصر من قرار السلام مع إسرائيل أم ربحت كثيراً؟
ما هو الثمن الذي كانت ستدفعه مصر إذا لم تتخذ قرار السلام بعد النصر العظيم.. فالحقيقة إذا لم يتخذ السادات قرار السلام بناء على معطيات الواقع والمستقبل بطبيعة الحال كانت هناك تكلفة باهظة من دماء وأرواح المصريين.. واستنزاف موارد وثروات وأموال البلاد على الحرب.. لأنه لو لم يكن السلام لكانت هناك جولات قادمة من الحرب من أجل استعادة وتحرير باقي الأرض.
هل حققت مصر أهدافها بالاتجاه نحو السلام.. بكل يقين حققت أهدافها بما يفوق كل التوقعات واستعادت كامل الأرض بالسلام والتحكيم الدولي وهو مسار مخالف ومغاير للحرب والصراع تماماً.
والسؤال المهم أيضا هل انتقص اتجاه مصر نحو السلام من قدرها وهي التي حققت النصر الساحق على إسرائيل.. واتجهت إلى سلام الأقوياء والمنتصرين.. لقد اتخذت قرارها من موقف قوة وشموخ وليس من ضعف أو استعطاف.. وهو ما رفضته قبل الحرب من أجل الحفاظ على كرامتها واستعادة ورد لاعتبار المقاتل المصري الذي أبهر العالم.
قرار الرئيس السادات التاريخي في الاتجاه نحو السلام مع إسرائيل لم يدرك «عبقريته» وتفرده البعض إلا بعد 40 عاماً ليدرك عظمة السادات وكونه سبق فكره عصره في رؤيته واستشرافه للمستقبل.. وحرصه على وطنه وشعبه واتخاذ القرار من موقع القوة والنصر.. وكم وفر السادات من الدماء والأرواح والموارد والثروات.. وكيف استعاد كامل الأرض دون اللجوء إلى حرب أخرى.. وماذا استفادت المنطقة بأسرها من قرار السلام.
يستحق الرئيس السادات التحية والاحترام والخلود كقائد عظيم وطني شريف أدرك معطيات حاضره وملامح المستقبل.. فاتخذ القرار الذي لم يخطر على بال أحد.. ولم يتوقعه الجميع بثقة وشموخ وحفاظا على الإنسانية وترسيخاً للبناء والسلام والخير والازدهار والاستقرار.. ولم يستسلم لدعوات وهجوم المتشنجين من فاقدي البصر والبصيرة والرؤية الثاقبة .
والسؤال المهم أيضاً هل يكره الإنسان السلام والبناء والخير والأمن والاستقرار؟
وهل تستهويه الحروب والصراعات والقتل والدماء والخراب والدمار وإهدار ثروات وموارد الأوطان في حروب لا طائل منها.. ولماذا تتجمد العقول وتصر على طريق واحد رغم وجود طرق ومسارات أخرى تحفظ حقوق الأوطان بالكامل بكرامة وشموخ وتقدير.. وتوفر الدم والأرواح والأموال التي تستفيد بها الشعوب في البناء والتنمية والعمران والازدهار والاستقرار؟
هل أضيرت مصر من قرار السادات بالسلام مع إسرائيل؟.. على الإطلاق بل ضربت بحجر واحد عشرات العصافير كما يقول المثل الشعبي وأنجزت أهدافها واستعادت كامل أراضيها وحقوقها وقرأت الواقع والمستقبل بشكل عبقري واستفادت من مواردها وثرواتها في بناء المستقبل للأجيال وحافظت على أرواح ودماء أبنائها.
ماذا يستفيد الوطن والمواطن من الحروب إذا كانت هناك بدائل منها تحقيق الأهداف دون وجود ضرورة حتمية للحرب؟.. وماذا جلبت الصراعات والحروب الطاحنة للعالم والمنطقة ألم يكن هناك وسائل أخرى لتحقيق أهداف الجميع.
الإنسان بطبعه يميل إلى السلام والعيش في أمان واستقرار.. يتوق دائما إلى البناء والرخاء والازدهار والتعمير ويكره الخراب والدمار والدماء ..لذلك فنحن في حاجة إلى تفكير خارج الصندوق.. وخروج على المفاهيم والأدبيات المستقرة التي تقف حائلا دون تحقيق الأهداف بالسلام والتفاوض بدلا من الحروب والدمار والخراب التي تطال الجميع دون استثناء طالما أن الاتجاه إلى السلام يحقق أهداف الأوطان ..وطالما أنها نابعة من قوة وشموخ تبحث عن المصالح والمكاسب والسيادة دون المساس أو خدش الكرامة الوطنية أو الانتقاص من قدر الأوطان.. وهذا ما فعله الرئيس السادات الذي اتجه إلى السلام من موقف الأقوياء المنتصرين.
الحقيقة أنه لا حل لمشاكل وأزمات المنطقة المضطربة التي نعيش فيها إلا بكسر وتجاوز المفاهيم والأدبيات المستقرة.. فنحن في حاجة إلى تحقيق حلم الشعوب واستعادة الأمن والاستقرار والسلام والتعاون للمنطقة.. بدلاً من الحروب والنزاعات والصراعات.. حتى يتفرغ الجميع للبناء والتنمية والازدهار لمصالح الشعوب.
نحتاج رؤية وعملًا فريدًا يتجاوز كل الأفكار المتجمدة.. والمفاهيم والأدبيات النمطية والمستقرة ليعم السلام والأمن والبناء.. هذه الرؤية أو الطرح أو المبادرة تجمع كل دول المنطقة طالما تتحقق أهدافها المشروعة ومصالحها ليسود السلام والأمن والاستقرار وبالتالي البناء والتعاون والمصالح المشتركة لخير الشعوب وهذا في قمة ومنتهى الحفاظ على الإنسانية وإزالة معاناة وكلفة الصراعات والاحتراب سواء المادية أو البشرية.
هل يضير دول المنطقة أن تتجه للسلام.. وتتخلى عن الصراعات والنزاعات والحروب والمواجهات العسكرية ..هل تتبدل العلاقات بين الدول لتقوم على السلام والاحترام المتبادل.. والسؤال أيضا هل استفادت إسرائيل من الصراع والنزاع والاحتراب مع الفلسطينيين ..وهل طريق السلام يضيرها في شيء ..أن العرب جنحوا إلى السلام ..وطرحوا مبادرتهم.. ومصر تبذل جهودا متواصلة ومستمرة لاستئناف عملية السلام.
ما شكل المنطقة إذا اتجهت دولها إلى السلام.. وأنهت عقوداً طويلة من الأزمات والصراعات والنزاعات والمواجهات المسلحة.. ماذا إذا اعترفت دول المنطقة بالحقوق المشروعة للآخرين وأوقفت مسلسلات الأطماع والأوهام والتوسعات واحترمت القوانين والقرارات والمواثيق الدولية.
بعض الدول تحتاج أن تدرك أن طريق البناء والسلام والأمن صعب فما أسهل الخراب والدمار والدماء ..لكن عوائد السلام تفوق أي تصور وخيال خاصة في تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء والتقدم.
المنطقة في حاجة إلى عمل فريد يتجاوز المفاهيم والأدبيات المستقرة.. ويخالف عقائد المتشنجين وأصحاب النظرة العقيمة والأفكار البالية وسماسرة الصراعات وتجار الحروب.. في اعتقادي أن مصر بدورها وثقلها ومكانتها وقوتها ومصداقيتها تستطيع أن تعيد الأمن والسلام لدول المنطقة.. فجُل السياسات المصرية وعلاقاتها الدولية يدعو ويرسخ السلام والتفاوض.. ويقصي الحروب والصراعات إيمانا بأنها لا تفضي إلى أي نتائج سوى الخراب والدمار وإهدار الثروات واستنزاف موارد الشعوب وضياع الوقت الذي يجب أن يستغل في البناء.
مصر لديها القدرة على تجاوز المفاهيم والأدبيات المستقرة والمتحجرة من منطلق قوة وقدرة وشرف لجمع شتات المتصارعين على موائد السلام والأمن وإنهاء الصراعات والنزاعات والخلافات.. تستطيع القاهرة أن تقود أمة العرب إلى إرساء قواعد للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتجنب الصراعات والمواجهات ..تستطيع بقدرتها ومصداقيتها أن تضع الجميع وتحظى بدعم المجتمع الدولي الذي يثق فيها وفي توجهاتها وما يحققه السلام ليس لدول وشعوب المنطقة فحسب ولكن للعالم أجمع ..كما تستطيع أن ترسخ ملامح عهد جديد من التعاون البنّاء وتبادل المصالح والعيش في سلام واستقرار واحترام متبادل.
ماذا لو تم حل مشاكل وأزمات المنطقة.. وفي القلب منها القضية الفلسطينية وقضية «سد النهضة».. والوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف في ضوء القوانين والقرارات والشرعية الدولية والحرص على ترسيخ أواصر التقارب والتعاون والتعايش من أجل إرساء البناء والسلام ومنطقة بلا نزاعات أو صراعات فالاعتراف بحقوق الآخرين والتجاوب مع السلام سيعود بالنفع على الجميع بما يفوق التوقعات.
في اعتقادي أن مصر دائما قادرة على قيادة المشهد.. وتبنى هذا الاتجاه وتجاوز المفاهيم والأدبيات المستقرة من خلال خيال سياسي شريف.. والتحليق فوق المستقبل من أجل سلام قوي يدعم البناء والأمن والاستقرار لكافة شعوب المنطقة.
القيادة المصرية تتمتع بنبل ونفاذ وثقة الجميع لما لديها من شرف ومصداقية وانحياز واختيار واضح للمبادئ والقيم الخاصة بالسلام والبناء والتعمير والخير هذه القدرة تتيح لها باطمئنان قيادة المشهد الذي تحلم به المنطقة من موقع القوة والقدرة والشموخ مع وجود دعم ورعاية من المجتمع الدولي ثقة في مصر وقيادتها وما تحمله من شرف وصدق وقدرة على التفكير والقرار خارج الصندوق ورسم لملامح منطقة جديدة وعالم جديد يسوده الأمن والسلام والاستقرار.
مصر عودتنا دائماً أن تقود إلى الخير والسلام والازدهار والحفاظ على علاقات الدول ومصائر الشعوب وتوفير التكلفة الباهظة التي تنتج عن الصراعات والنزاعات والاحتراب ليحل التفاهم والتوافق بدلاً من التناحر واستنزاف الأرواح والثروات.
مصر قادرة على تحقيق حلم شعوب المنطقة.. فهي التي تعمل على إعادة الدولة الوطنية في الدول التي تعرضت لأزمات مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن وإعادتها إلى الحضن العربي وأيضاً استدعاء السلام والأمن والبناء والاستقرار فيها ..قادرة على قيادة صياغة جديدة للمنطقة لتتمتع دولها وشعوبها بالسلام والبناء.
مصر مؤهلة وبجدارة ومن منطلق القوة والقدرة والشرف أن ترسم مستقبلا جديدا.. وترسخ اختيارها النابع من القوة والثقة والشموخ وهو السلام الذي يؤدي إلى الأمن والبناء.. وتحقق أهدافها ودول المنطقة والحفاظ على مصالحها وتستطيع أن تفاجئ وتبادر بما يجنب المنطقة ويلات الصراعات والنزاعات لتفتح المنطقة ودولها وشعوبها صفحة جديدة من التعاون والشراكة والمصالح المشتركة ومن أجل البناء والسلام.
تحيا مصر