الأحد 30 يونيو 2024

سعر الفائدة ولهيب الأسعار

31-5-2017 | 11:49

بقلم –  د. سلوى العنترى

استجابة لشروط صندوق النقد الدولى أعلن البنك المركزى المصرى رفع أسعار الفائدة التى يتعامل بها مع البنوك بنقطتين مئويتين، بحيث أصبح سعر الإيداع لديه لمدة ليلة واحدة ١٦.٧٥٪ وسعر الإقراض لمدة ليلة واحدة ١٧.٧٥٪، الكل يتوقع أن تقوم البنوك بالتالى برفع أسعار الفائدة التى تتعامل بها مع الجمهور، سواء كانوا مودعين أو مقترضين، الهدف من كل ذلك، طبقا لما أعلنه البنك المركزى هو تخفيض معدلات التضخم من مستواها الحالى الذى بلغ نحو ٣٣٪ لتقتصر على ١٣٪ فقط فى يونيه ٢٠١٨.

 

طبعا نحن نتذكر أنه سبق للبنك المركزى أن قام برفع أسعار الفائدة فور تعويم الجنيه ورفع أسعار المنتجات البترولية. كما نتذكر أن هذا الإجراء قد اقترن بطرح أوعية ادخارية من جانب البنوك العامة الثلاثة بأسعار فائدة ٢٠٪ لأجل عام ونصف العام، و١٦٪ لأجل ثلاث سنوات. كان التصور المطروح أن المستويات الجديدة لأسعار الفائدة تؤدى إلى تشجيع حائزى النقد الأجنبى على التنازل عنه لشراء الأوعية الادخارية الجديدة، مما يساعد فى الحد من ارتفاع سعر الصرف وما ينجم عنه من ارتفاع فى المستوى العام للأسعار، وطبعا كلنا يعرف أن رفع سعر الفائدة لم ينجح فى إيقاف التدهور الحاد فى قيمة الجنيه المصرى، والذى فاق كل تقديرات خبراء صندوق النقد الدولى. وكلنا يعرف أيضا كيف أثبت الواقع انعدام مصداقية افتراضات خبراء الصندوق بشأن معدلات التضخم المتوقعة والتى كان يفترض أنها ستدور حول ١٨٪ فى المتوسط خلال السنة المالية الحالية!

والسؤال الآن إذا كانت سياسة رفع أسعار الفائدة لم تنجح فى إيقاف ارتفاعات المستوى العام للأسعار عند ١٨٪، فلماذا نصدق أنها قادرة على خفض تلك المعدلات من ٣٣٪ إلى ١٣٪؟

هنا لا بد من الإشارة إلى أن البنك المركزى المصرى يطبق سياسة نقدية انكماشية. وبعيدا عن تعقيدات المصطلحات الاقتصادية، فإن هذه السياسة تفترض أن السبب فى زيادة الأسعار هو أن طلب الشعب المصرى على السلع الاستهلاكية وطلب الأنشطة الاقتصادية المختلفة على مستلزمات الإنتاج يفوق إجمالى العرض المتاح من كل السلع والخدمات.. وبالتالى فإن الحل هو خفض طلب المواطنين على السلع الاستهلاكية وخفض طلب المستثمرين على الآلات والمعدات ومستلزمات الإنتاج.. أى خفض الطلب الكلى.

رفع أسعار الفائدة سيكون له بالطبع بعض الأثر فى خفض الطلب على الاقتراض بغرض شراء المساكن أو السيارات وغيرها من الأغراض الاستهلاكية، لكن معطيات الاقتصاد المصرى وبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تؤكد أن المكون الأساسى فى ارتفاع المستوى العام للأسعار هو بند الطعام والشراب، الذى يمثل نحو ٤٠٪ من بنود إنفاق الأسرة المصرية، وليس المساكن والسيارات.

معطيات الاقتصاد المصرى تشير إلى أن الأثر الأكبر لرفع سعر الفائدة سيكون على قطاع الأعمال، صحيح أن رفع سعر الفائدة يمكن أن يساهم فى زيادة الودائع لدى الجهاز المصرفى، إلا أنه بدلا من استخدام تلك السيولة الإضافية فى منح المزيد من القروض لقطاعات النشاط، يوفر البنك المركزى للبنوك استخداما أسهل ومضمون الربحية.. حيث يطرح عليها مزادات لربط ودائع لديه بأسعار فائدة مجزية لمدد تصل إلى أربعة أشهر.. إذن، وتحت شعار خفض معدلات التضخم، يطبق البنك المركزى سياسة تقوم ليس فقط على اجتذاب السيولة النقدية من المواطنين وإبعادها عن الاستهلاك، ولكن أيضا حجب تلك الأموال عن تمويل الاستثمار ورفع تكلفتها! وثائق اتفاقية قرض الصندوق تشير إلى أنه من المتوقع تخفيض نسبة قروض القطاع الخاص إلى الناتج المحلى الإجمالى من ١٤.٢٪ فى عام ٢٠١٥/٢٠١٦ إلى ٨.٣٪ فقط فى عام ٢٠١٦/٢٠١٧، ارتفاع تكلفة التمويل مضافا إليها الاستمرار فى رفع أسعار المنتجات البترولية والكهرباء والغاز والمياه يعنى ببساطة ارتفاع تكاليف الإنتاج سواء للمشروعات القائمة أو الجديدة ليكون الأثر المتوقع هو تخفيض معدلات الإنتاج والتشغيل.

هنا لا بد من تذكر أن الاقتصاد المصرى أبعد ما يكون عن حالة التشغيل الكامل، بل إنه يعانى على العكس من وجود نسبة معتبرة من المشروعات المشغلة بأقل من طاقتها الكاملة والمشروعات المتعثرة، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة، الاعتماد على السياسات الانكماشية، يعنى ليس فقط تخفيض الطلب على الاستهلاك، وهو الأمر الذى تتكفل به أصلا ارتفاعات الأسعار، ولكن أيضا وبالدرجة الأولى تخفيض الطلب على الاستثمار، الأمر الذى يترتب عليه تخفيض العرض الكلى وتخفيض معدلات التشغيل.. وبالتالى تفاقم المشكلات الحقيقية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى.

فى كل الأحوال، لابد من تذكر أن خفض معدلات التضخم لا يعنى خفض الأسعار. معدل التضخم هو عبارة عن معدل الزيادة فى المستوى العام للأسعار. خفض معدلات التضخم إلى ١٣٪ يعنى أن معدل زيادة الأسعار عن مستواها الحالى سيكون ١٣٪. وطبعا إذا لم تتم زيادة دخول القاعدة العريضة من المواطنين بنفس القدر فإن هذا يعنى استمرار تآكل القيمة الحقيقية لتلك الدخول. السؤال الذى لا بد وأن يتبادر إلى الأذهان ألا توجد إجراءات يمكن اتخاذها لزيادة المعروض من السلع والخدمات كوسيلة لتخفيض المستوى العام للأسعار؟ وإذا كان البنك المركزى يتعهد بتخفيض معدلات التضخم قبل نهاية يونيه ٢٠١٨، أى بعد حوالى سنة من الآن، فهل حقا لا يوجد، فيما يتعلق بالاقتصاد المصرى ما يمكن عمله لزيادة العرض الكلى على مدى سنة؟

ألا يكفى هذا المدى الزمنى لاستخدام السيولة المتوافرة لدى الجهاز المصرفى، ومبادرة البنك المركزى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتشغيل العديد من المشروعات المتوقفة أو التى تعمل بجزء ضئيل من طاقتها الكاملة، وخاصة تلك التى توفر سلعا استهلاكية للقاعدة العريضة من المواطنين، كما هو الحال بالنسبة للصناعات الغذائية وصناعة الملابس والمنسوجات؟

ألا تكفى هذه الفترة الزمنية لإجراء وتفعيل التعديلات اللازمة فى قانون حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار لكى تنتقل صلاحياته من مكافحة «الممارسات الاحتكارية» إلى مكافحة ومنع تواجد مؤسسات تسيطر وتهيمن على الأسواق، سواء فى مجال الإنتاج أو التجارة والخدمات؟ وهل حقا لا يوجد ما يمكن عمله خلال فترة زمنية وجيزة لوضع حد أقصى لهامش الربح فى قطاعات النشاط المختلفة، وتفعيل الرقابة الحقيقية على الأسواق؟

باختصار... ألا يؤكد واقع الاقتصاد المصرى أن المواجهة الحقيقية للتضخم ولهيب الأسعار تتطلب زيادة العرض الكلى وليس المزيد من الانكماش والبطالة؟

 

    الاكثر قراءة