الأربعاء 27 نوفمبر 2024

تحقيقات

اللواء محمد يسرى البندارى: دخلنا حرب أكتوبر واحنا مذاكرينها.. والضربة الأولى كانت جحيمًا على العدو (حوار)

  • 19-10-2021 | 21:40

اللواء محمد يسري البنداري

طباعة
  • أماني محمد

حرب أكتوبر معركة الأسلحة المشتركة

الضربة الأولى أربكت العدو الإسرائيلي

الحرب كانت أسهل بكثير مما تدربنا عليه خلال فترة التدريب

التمهيد النيراني جعل الإسرائيليين "يوطوا راسهم

48 عاما مرت على ملحمة تاريخية سطرها الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973، كانت وستظل مصدر فخر للشعب المصري بنجاح العبور واستعادة وتحرير أرض سيناء، وكان أحد أبطال معركة التحرير والانتصار المجيد في أكتوبر هو اللواء محمد يسري البنداري، أحد أبطال حرب أكتوبر، وضابط موقع سرية اليد بالكتيبة 44 صواريخ بالجيش الثالث الميداني خلال الحرب.

وفي حوار له مع بوابة "دار الهلال"، أكد اللواء البنداري أن الضربة الأولى في حرب أكتوبر أربكت قوات العدو، وأنه خلال الحرب كان برتبة ملازم أول في سلاح المدفعية والصواريخ، مضيفا أن الحرب سطرت ملحمة من المواقف التي لا تنسى، وأن نجاح تحطيم خط بارليف يعود لعبقرية الجيش المصري ودور قوات الاستطلاع التي نجحت في سد مواسير النابلم دون أن يشعر العدو، وإلى نص الحوار:

متى التحقت بالجيش المصري؟

في حرب أكتوبر كان عمري 24 عاما، والمسيرة بدأت قبل ذلك فوقت حرب 1967 كنت في الثانوية العامة، وبعد النكسة تأجلت الامتحانات وتطوعت في الإسعاف بعدها للمساعدة في إنقاذ المصابين والجرحى، ثم تطوعت في السنترالات وكانت في ذلك الوقت مختلفة عما يجري حاليا لإجراء أية مكالمة، والتحقت بالكلية الحربية فيما بعد لأني أحب مصر وأريد الحرب وتحرير الأرض.

ومن مواقفي في الكلية الحربية كنت أشعر بالضيق لأنهم يعلموننا الخطوة المعتادة، وكنت أريد أن يعلموننا كيف نحارب مباشرة، لكنني عرفت فيما أن هدف ذلك هو التمهيد للحرب وكيفية تنفيذ الأوامر.

وما هو دورك خلال حرب أكتوبر 1973؟

وقت حرب أكتوبر كنت بدرجة ملازم أول وعمري 24 عاما، ودوري خلال الحرب كان هو إدارة النيران وعمل حسابات لتحديد موقع إطلاق النيران على العدو الإسرائيلي والمناورة، لأنه نتيجة اللهب كان يجب ترك الموقع والانتقال لموقع آخر يتم تحديده بدقة، لأن المدفعية جميع أعمالها تتم بالرياضة والمساحة وإحداثيات دقيقة للأماكن، وذلك ليكون الضرب دقيقا، وكان دوري هو حسابات البيانات التي أحصل عليها من القائد في مركز الملاحظة وتحديد كل عوامل نجاح الضرب بالمدفعية أو الصواريخ لينزل في مكانه وتحديد درجة الضغط الجوي وحركة الصواريخ ودوران الأرض وتأثيرها، وعمل حسابات كل تلك العوامل حتى تخرج الطلقة في مكانها الصحيح.

كيف بدأت عملية تدريب وتأهيل الجيش المصري لحرب أكتوبر؟

بالنسبة للضباط والجنود حرب أكتوبر 1973 كانت أسهل بالكثير من التدريب الذي تلقيناه خلال فترة التدريب، فالتكليفات والتدريبات والمواقف التي كنا نتلقاها في المشروع التكتيكي كانت أصعب بكثير من الحرب، وهذا التدريب جعلنا كأننا ذاكرنا الحرب من قبل، واستعدينا لها بشكل تام.

فبعد أن وقعت النكسة في 5 يونيو 1967 كان مستوى التدريب بعدها مختلفا عما بعدها، فبعد النكسة استعان الجيش المصري بالخبراء الروس للمعاونة في تدريب الجيش، وتعلمنا الكثير خلال مرحلة التدريب ومنها أهمية الخنادق والحفر للوقاية من الشظايا.

ووقت الضربة الأولى في حرب أكتوبر 1973.. ماذا كانت مهمتك؟

عند بداية الحرب في الساعة الثانية ظهرا في السادس من أكتوبر كان الطيران المصري يطير على ارتفاع منخفض وقام بالضربة الأولى، وعند عودة الطيران من الضربة الجوية الأولى كانت بداية عمل المدفعية لأن المدفعية ممنوع أن تضرب والطيران في السماء لأنه من الممكن أن يصاب بسبب تلك الطلقات، لذلك يحظر ضرب المدفعية خلال موجات هجوم الطيران.

وفي الثانية ظهرا وجه الطيران ضربته وعاد وكنا نحو ألفي مدفع على الجبهة المصرية على امتداد 175 كيلومتر ضربوا في الوقت نفسه آلاف الطلقات، كان مثل "جهنم" على سيناء، فالضربة الأولى أحدثت إرباكا شديدا في صفوف العدو وجعلته غير متوازن، ثم بدأت موجات المشاة والدبابات ما جعل العدو في ذهول وغير مصدق لكل هذا الضرب، ونحمد الله على توفيقنا.

وقامت المدفعية قامت بالتمهيد النيران في ذلك الوقت، حيث أطلقت آلاف الطلقات في ذات اللحظة، وهذا ما جعلني بعد حرب 1973 خرج مصابا بالصمم الكامل جراء هذا الكم من الطلقات والذي قام على إثره بعملية في أذنه اليسرى باستئصال عظام الركاب في الأذن واكتفوا باليسرى كتجربة حتى إذا لم تنجح لا يكون هناك خسائر كبيرة.

وكيف كانت تسير الحياة خلال أيام الحرب والمعارك؟

العساكر الصغار والضباط والقادة كانوا في منتهى الشجاعة وحب البلاد، فكان هناك أحد العساكر خلال الحرب في قمة البساطة والطيبة كنت أقول له أن السلاح الذي يملكه مهم لضرب أي فرد من جنود العدو الذين قد يحاولون اقتحام الموقع وكذلك ضرب الطيران الغاطس الذي يطير بالقرب من الأرض، وكان يأتي لي وقت الحرب يقول لي "أنا عايز أضرب طيارة"، فكنت أقول له ستضرب الطائرة بنفسك حين تراها، فكان يرد "يعني مافيش حد هيقول لي" في ردود بسيطة وتلقائية، فكان ينتظر التعامل مع أي طائرة قد تقترب مننا".

وفي أحد الأيام كان هناك حالة من الهدوء في الجبهة، وكنت أمر للتفتيش والمرور عليها، ووجدت وحدة للدفاع الجوي في أحد المواقع ودخلت للاطمئنان عليهم، فهم أصحاب بطولات عظيمة خلال الحرب، ووجدت عندهم جهاز يشبه حجم غسالتين بجوار بعضهما البعض، وبسؤال الفرد الموجود في الموقع عنها أخبرني أنها آلة لتقدير المسافات، وعندما طلبت منه أن أنظر إليها عن شيء في الأرض، أخبرني أنهم يرون طائرات هليكوبتر تخرج من وراء تبة بعيدة".

وعندنا في المدفعية هناك إدارة نيران للطائرة والهليكوبتر، وسألته إذا كانت تلك الطائرة تضرب فأخبرني بأنها تضرب بالفعل وطلبت منه أن يخبرني موقع الطائرة، وبعدها حددت زاوية المكان واستخرجت إحداثيات المكان وعدت إلى الوحدة، وأخبرت القائد أن هناك طائرة في هذا الموقع، ودائما تكون سابقة لأي ضرب لإسرائيل علينا.

والقائد بعد فترة قليلة طلب مننا الضرب على هذا الموقع، وإذا بنافورة من اللهب تخرج من وراء التبة البعيدة التي كانت على مسافة 10 كم، وهذا يعني أن هناك إصابات ثقيلة وأن الطلقات نزلت على ذخيرة، وهو ما أسعدنا جدا أننا استطعنا تحديد موقع من خلال ماسح الدفاع الجوي، وظل قادة الدفاع الجوي يخبرونا بمواقع الطائرات والتحركات في أي موقع.

ما هي أبرز المواقف التي لا تنسى خلال حرب أكتوبر؟

خلال الحرب طلب مني القائد أن أرسل له قاذف صاروخي على مركز الملاحظة، والقاذف الصاروخي يطلق 40 صاروخا في 20 ثانية بفاصل نصف ثانية بين الصاروخ والتالي له، لتنفيذ مهام هو يراها ويريد ضربها ضربا مكشوفا، وبالفعل أرسلت له القاذف الصاروخي بعد تعميره، واتصل بي بعدها بقليل بأن أرسل له سيارتين ذخيرة، ليكون لديه ذخيرة زائدة فطلبت من اثنين سائقين أن يخرجوا لمركز الملاحظة لأن قائد الكتيبة يريدهم.

فوجدت أحد السائقين يريد الخروج وعندما أخبرته أني اخترت السائقين بالفعل رفض ووجدته اصطحب معه قطعة من الخشب الصغيرة في حجم لوحة السيارة، وطلب مني أن أكتب له عليها اسمه "الشهيد صبري غالي"، فاستجبت له وكتبتها بالفعل، وبالفعل أخذها ووضعها على "إكصدام سيارته"، وبعد ساعة ونصف تقريبا وجدت القاذف عائد وخلفه سيارة من السيارتين التي أرسلتهم، والثالثة متأخرة بعض الشيء وكانوا عائدين من اتجاه العدو.

السيارتان كل منهما تخرج في موقعها لتغطيتها، لكن السيارة الثالثة التي كان عليها صبري غالي، وهي على مسافة 300 أو 400 متر توقفت، وفي تلك اللحظة قذفها طيران العدو بصاروخ واحترقت السيارة، ووجدت صبري نزل مسرعا وأخذ السيارة وعكس اتجاهها لأن وضعها السابق كان سيجعل النيران والصواريخ تنفجر في اتجاهنا، لكن صبري جعلها تلف وتطلق في اتجاه العدو، وذابت السيارة تماما ولم نجدها فيما بعد واستشهد صبري غالي، وعندما ذهبنا لموقعها وجدنا عسكري أخبرنا أن سائق السيارة وجده مصابا وقرر نقله لأقرب نقطة علاجية.

تعرف حرب أكتوبر بأنها معركة الأسلحة المشتركة.. فلماذا أطلق عليها ذلك؟

الحرب اسمها حرب أسلحة مشتركة لأنه لا يمكن لفرد أن يعمل بفرده بالتمهيد النيراني الذي بدأ في الساعة الثانية ظهرًا في 6 أكتوبر 1973، كان هدفه إرباك العدو وأن "يوطوا راسهم"، ليتمكن المشاة والمدرعات من عبور القناة، حتى لا يستطيعوا أن يهاجموا القوات المصرية أثناء العبور.

وهذه التقنية معروفة منذ الحروب في القدم، وكان رماة الأسهم والمنجنيق يلقون في البداية ذلك التمهيد النيراني، الذي يعقبه هجوم كاسح للمشاة والمدرعات التي كانت في ذلك الزمن الأحصنة والفرسان.

وكيف نجح الجيش المصري في تخطي عائق الساتر الترابي وتحطيم خط بارليف؟

بعد نكسة 1967 اعتقد العدو الإسرائيلي أن سيناء أصبحت لهم ولا يمكن لأحد أن يعبرها، فعملوا ذلك الخط وبه نقاط قوية، هذه النقاط تحت الأرض كأساس للتغطية فوق الأرض، وعملوا كتل خرسانية متر في متر كما استخدموا القضبان الخاصة بالسكك الحديدية لعمل نقاط حصينة تسع سرية من سرايا المشاة للعيش بداخلها وكانت مؤهلة بالكامل، واستعانوا بما نفذوا ذلك في الحرب العالمية الثانية.

وعلى امتداد القناة من خليج السويس وحتى بورسعيد كان هناك نقاط قوية، وعملوا ساتر ترابي على ارتفاع 15 متر إلى 20 مترا، لسد الفراغ بين تلك النقاط، على امتداد 175 كم طول القناة، وأسفل تلك النقاط الحصينة عملوا مواسير النابلم وهي خلطة كيماوية تكون درجة الحرارة فيها أكثر من 5 آلاف درجة مئوية.

والعدو اعتقد أنه لا يمكن اختراق تلك التجهيزات لكن نجحت العبقرية المصرية في التخلص منها، لكن الحرب ليست يوم 6 أكتوبر فقط، بل قبل ذلك بفترة طويلة بدأت إدارة المخابرات والاستطلاع في إرسال عناصرها داخل سيناء للتعايش مع بدو سيناء ويرتدون ملابس ويعيشون معهم، وكانت مهامهم هو مراقبة تحرك الوحدات لرصد كل ما هو متغير هناك.

ماذا كان دور هؤلاء الأفراد من فرق الاستطلاع؟

مجموعات الاستطلاع والصاعقة قبل عملية العبور كانت مهمتهم سد مخارج مواسير النابلم، قبل العبور مباشرة حتى لا يتمكن العدو الإسرائيلي من اكتشاف تعطل تلك المواسير، وكان التوقيت محسوب بدقة متناهية، مشيرا إلى أن صاحب فكرة تحطيم الساتر الترابي بخراطيم المياه هو اللواء باقي زكي يوسف والذي نجح بفكرته في التخلص من هذا الساتر.

بعد مرور 48 عاما على الحرب.. ما شعورك اليوم مع رؤية مشروعات تنمية وتعمير في سيناء؟

أنا أحب الرئيس السيسي، لأنه رجل وطني ويحاول ينفذ أحلامه للنهوض بأوضاع مصر في كل المجالات، فأنا سعيد بكل ما تشهده مصر من مشروعات تنموية وكلها كنت أتمنى أن تنفذ منذ العقود الماضية، وأدعو الله أن يوفقه ويستطيع استكمال مسيرة التنمية والنجاح.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة