الأربعاء 27 نوفمبر 2024

«شفا وخمير يا عرقسوس».. شراب الملوك توارثه المصريون

  • 31-5-2017 | 22:08

طباعة

"شفا وخمير يا عرقسوس .. بارد وتهني يا عطشان".. بهذا النداء المتناغم مع صوت صاجاته النحاسية العالية ذات الرنين المنتظم، يطوف بائع العرقسوس فى مواقف السيارات وبين الأسواق والشوارع والحواري والمحلات التجارية المنتشرة بالقاهرة ، حيث لا يزال بزيه التقليدي منذ عشرات السنين مرتدياً سروالاً واسعاً يضيق عند الرجلين ليساعده على الحركة حاملاً "القدرة" وهى إبريق نحاسي ضخم يحفظ العرقسوس مثلجاً من حرارة الشمس تعلوه فتحات مثبتة بها الأكواب الزجاجية.

يحيط بالإبريق حزام جلدي كبير حول خصره وكتفيه ليساعده على حمله دون إلحاق ضرر بالظهر، مرتدياً أسفله ما يشبه "المخدة" المحشوة بالقطن حول بطنه كى تفصل عنه برودة الإبريق، أسفل الإبريق يرتدى مريلة تحمى ملابسه من تساقط العرقسوس والماء ويمسح بها يديه، ويمسك بإحدى يديه الصاجات النحاسية التى يستخدمها فى جذب الزبائن لمشروبه، وباليد الأخرى إبريق صغير للماء يغسل منه الأكواب الزجاجية بعد الشرب، يعلو رأسه عمامة بيضاء أو قبعة تحميه من حرارة الشمس، وفى كل مرة يميل بنصفه العلوي كي يصب للزبون كوب العرقسوس البالغ ثمنه 2 جنيه.

وكان العرقسوس شراباً رئيسياً لملوك القدماء المصريين حيث كانوا يعتقدون أنه يطرد الشيطان من الجسم، ولذلك وُجد جذور العرقسوس فى قبر الملك توت عنخ آمون، لكن بعد دخول الفاطميين مصر وإنشاء القاهرة بشوارعها وأسواقها الضخمة لاقى العرقسوس في أسواق العطارة مكانة خاصة وإقبالاً كبيراً من عامة المصريين نظراً لاعتقادهم أنه يشفى من العديد من الأمراض، خاصة وأن أطباء المصريين القدماء كانوا يستخدمونه فى خلطة الأدوية لإخفاء طعم مرارتها وعلاج أمراض الكبد والأمعاء والسعال الجاف والربو والعطش الشديد وحالات القيء وتهيج المعدة وحرقة البول، وبذلك تحول العرقسوس من مشروب مقتصراً على الملوك والأمراء لينتشر كمشروب لعامة الناس حيث توارثوا بعد ذلك شربه خاصة فى لحظة الإفطار بشهر رمضان كريم.

فى البداية يقول علي شعبان، بائع العرقسوس بميدان العتبة، صاحب الـ33 عاما "أنا من قرية عنيبس بمحافظة سوهاج وببيع العرقسوس بالإبريق وأنا عندي 18 سنة وبقالى حوالى 15 سنة فى المهنة دى وبسافر الصعيد أشوف أهلى فى الشتاء وأرجع للقاهرة فى الصيف وخاصة شهر رمضان علشان ده الموسم والمكسب كله فى الشهر الكريم وبنزود الكمية اللى بنعملها من العرقسوس وبتباع كلها فى رمضان والناس بتفضل البياع بالإبريق عن عصير المحلات الجاهزة ومع صوت الصاجات الزبون يشترى".

وتابع "الزباين بيوصونى أحجز لهم من بالليل أكياس أو أعدى عليهم أملئ زجاجات مياه فارغة بالعرقسوس علشان يفطروا بها ، ومشكلتى الوحيدة فى رمضان أنى مش بقدر أفطر مع عيالى ومراتى بكسر صومى بكوب عرقسوس لحد لما أفطر الناس كلها وأروح أفطر أنا بعديهم ، ومشكلة العرقسوس أنه سريع الفساد من أشعة الشمس وعلشان كدا بحاول أحافظ عليه من حرارة الصيف بالثلج ، وفى رمضان بجهز البضاعة قبل العصر وأبدأ أبيع قبل المغرب بساعتين علشان العرقسوس ميفسدش ويبقى طازة وأنزل وسط المحلات والبياعين وميدان العتبة وأبيع الكمية كلها وبشغل شباب معايا وبعلمهم الصنعة".

واستطرد "العرقسوس مينفعش يبات لتانى يوم أبداً لازم كل يوم أعمل جديد وطازة، واخترت العتبة لأنها أكتر منطقة فيها محلات ومواقف العربيات والبياعين في الشوارع والأرزقية الواقفين فى الشوارع بيشتروا منى حتى بعد الفطار".

وقال عم محمد محمود، بائع العرقسوس بمنطقة فيصل وميدان الجيزة، صاحب الـ51 عاما: "بقالى 16 سنة ببيع العرقسوس فى الإبريق على كتفى، وأنا أصلاً من قرية عنيبس بمحافظة سوهاج وورثت المهنة من جدى وأبى بعد وفاته، ومش معايا مهنة غيرها وبآكل منها عيش أنا وولادى ، وعندى 6 عيال أكبرهم فى الثانوية وأصغرهم فى المرحلة الإبتدائية، والمهنة تعبت ظهرى من الشقاء والشيل والمشى اليوم كله ، لكن الحمد لله أنا عايش مستور أنا وعيالى وبجيب منها مصاريف العيال لأن الإيد البطالة نجسة".

وتابع " أقوم بتحضير العرقسوس ليلاً بعد السحور حيث لدى مخزون من نبات العرقسوس قمت بشراءه من محلات العطارة ، وطبعاً زادت أسعاره بعد موجة زيادة الأسعار ، وأقوم بنقعه فى إناء حتى الصباح حتى يصير لونه أسود ثم أستيقظ فى اليوم التالى لتصفيته بقماش أبيض وتتم تحليه بكربوناته وأتركه لمدة نصف ساعة ثم أضع جزء منه فى الإبريق وفوقه الثلج ، وأحتفظ بالباقى فى المنزل أعود إليه بعد نفاذ الكمية الأول "

واستطرد "عادة نحن بائعى العرقسوس نقسم المنطقة الى مسارح فكل بائع منا له مسرح خاص به لا يتدخل فيه البائع الآخر ونحترم ذلك فيما بيننا ، أنا أتجه بمنطقة فيصل وميدان الجيزة، وآخر يتجه ناحية جامعة القاهرة وبين السرايات وهكذا وممكن أكسب 10 آلاف فى شهر رمضان".

وقال عبد الله حسين، بائع العرقسوس بمنطقة بين السرايات وبولاق الدكرور وأبو قتادة ، صاحب الـ 35عام "المهنة نقصت المبيعات بتاعتها مقارنة بشهور رمضان السابقة لأن المحلات والبقالين بيبيعوا أكياس العرقسوس الجاهزة واللى ممكن الست فى البيت تعملها بنفسها ، وكذلك بعد ما محلات العصير بتبيع العرقسوس ، لكن كل ده مش زى طعم العرقسوس بتاعنا لأننا أصل العرقسوس وورثنا الصنعة من جد الجد ومحدش يعرف سر الصنعة زينا وأكتر ناس بتشترى كبار السن علشان مفيش سكر فيه ومفيد للكلي والمعدة".

وذكر الحاج إبراهيم متولي، بائع العرقسوس بميدان السيدة زينب، صاحب الـ60 عاما: "بعض الناس من بلدنا تركت مهنة الإبريق والشيل على الظهر واتجهت لفتح محلات العصير وبيع العرقسوس والبعض منهم عمل عربية تفصيل بأربع عجلات وبها 4 برطمانات بيبيع فيهم تمر وعرقسوس وسوبيا وبرطمان مياه يغسل منه ، لكن أنا مش معايا فلوس أشترى عربية من الورشة لأنها تتكلف حوالى 5 آلاف جنيه على الأقل وهجيب منين ؟! أنا شغلى بيكفى مصاريف العيال والبيت والحمد لله رضا أنا عايش مستور فلو الحكومة هتوفر لنا عربيات يبقي كويس".

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة