الجمعة 28 يونيو 2024

الزيوت المستعملة.. تجارة رائجة تهدد بكارثة صحية

الزيوت المستعملة

تحقيقات22-11-2021 | 19:37

أماني محمد

اعتادت ربات البيوت على التخلص من الزيوت المستهلكة بإلقائها في بالوعات الصرف بعد انتهاء استخدامها، حتى بدأ يظهر الباعة المتجولين لشراء تلك الزيوت بقيم متفاوتة للتر الواحد، بداء من 7 جنيهات للتر وحتى 14 جنيها في بعض المناطق، فيمر على البيوت بائع متجول ينادي بشراء زجاجات الزيوت المستهلكة بكل أنواعها.

الأمر لا يقتصر على النداء والتجول في شوارع المدن والأحياء، بل أصبح هناك رواجا لتلك التجارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي فازدادت المجموعات والصفحات المتخصصة في شراء الزيوت المستعملة، بدءا من الكيلو جرام الواحد وحتى طن، فأصبحت تلك المجموعات تستقطب الراغبين في بيع أو شراء هذه الزيوت.

وتزايدت خلال الفترة الأخيرة التحذيرات من بيع ربات البيوت لتلك الزيوت المستعملة، خوفا من استخدامها من قبل الباعة وتوريدها إلى مصانع مجهولة أو ما يعرف باسم "مصانع بير السلم"، لإعادة تكريرها واستخدامها مرة أخرى لدى المطاعم وخاصة مطاعم الفول والطعمية التي تستخدم كميات كبيرة من الزيوت.

فخلال الـ24 ساعة الماضية، ضبطت أجهزة محافظة الجيزة، مصنع بير سلم في مركز أوسيم يقوم بتجميع الزيوت المستخدمة بالمطاعم والمنازل ويعيد استخدامها وتكريرها لصناعه الطحينة وبيعها مجددًا للمواطنين، حيث قررت إدارة المركز غلق وتشميع المصنع المخالف واتخاذ الإجراءات القانونية حيال المالك.

وهذه ليست المرة الأولى فقد تم هذا أيضا مع مصنع آخر في أوسيم يُدار دون ترخيص، لتعبئة الزيوت المستخدمة بالمنازل والمطاعم وإعادة تعبئتها مرة أخري وبيعها للمستهلك عن طريق البقالة التموينية الخاصة به.

 

رحلة بيع الزيوت

تبدأ رحلة بيع الزيوت المستهلكة في شوارع وأحياء الجمهورية من خلال مرور بائع متجول بمكبر صوت لشراء الزيوت من المواطنين حيث يبدأ سعر اللتر من 7 جنيهات ويتفاوت السعر من منطقة لأخرى ففي بعض المناطق يصل سعره لـ10 جنيها وفي أخرى يصل لـ14 جنيها للتر الواحد.

ولا يقتصر بيع الزيوت على المنازل بل أن مطاعم الوجبات السريعة هي أحد أكبر مصادر بيع الزيوت في مصر، فيخرج منها كميات كبيرة من الزيت المستهلك، فتقول إسراء أحمد، عاملة في أحد سلاسل مطاعم الوجبات السريعة، إن الزيت المستخدم لديهم في إعداد الوجبات يمر بثلاثة مراحل بدءا من أول استخدام حتى التخلص منه.

وأوضحت أن المرحلة الأولى تبدأ فور فتح زجاجة الزيت حيث يستخدم في أول مرة لتحمير البطاطس حتى تكون فاتحة اللون، أما المرحلتين الثانية والثالثة فهي لتحمير وقلي بقية الأطعمة وعلى رأسها الدواجن وغيرها من الأغذية، ثم بعد انتهاء المرحلة الثالثة يصبح الزيت غامق اللون لدرجة اللون الأسود يتم تجميعه في صناديق كبرى وبيعه كل عدة أسابيع بعد تجميع كمية كبيرة منه، لشخص يتعامل مع المطعم باستمرار.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي تتزايد مجموعات بيع الزيوت المستهلكة، وتواصلت بوابة "دار الهلال" مع صاحب إحدى الشركات المعلنة عن نفسها لشراء الزيوت المستهلكة، والذي أكد أن السعر يتوقف على الكمية المراد بيعها، مضيفا أنه في حالة بلوغ الكمية نحو طن من الزيوت المستعملة فيتراوح السعر بين 14 ألف جنيها وحتى 16 ألف جنيها، أما بالنسبة للكيلو الواحد للكميات القليلة فإن السعر المناسب هو 14 جنيها للكيلو.

وأوضح أنهم يستخدمون هذه الزيوت في بعض الصناعات مثل الصابون والجلسرين وقوالب السيراميك أو الوقود الحيوي، وأن ما يقال عن تكريره وإعادة استخدامه كزيوت للطعام مرة أخرى غير صحيح.

واستخدمت مجموعات فيس بوك بعض الأدلة التي تثبيت خطورة إلقاء الزيت في مواسير الصرف الصحي، مطالبة ربات البيوت بتجميع زيت القلي والتحمير المستهلك وبيعه باعتبارات استخدامه في بعض الصناعات مثل الصابون والجلسرين.

لكن في المقابل انتشرت تحذيرات عديدة من بيع الزيوت المستعملة لهؤلاء المشترون، للجوء البعض إلى إعادة تدويره وبيعه تحت أسماء شركات أخرى لمطاعم الأكل والوجبات السريعة، وهو ما يضر بالصحة خاصة أنه يتم إضافة بعض المركبات الكيميائية الخطيرة والضارة بالصحة، وهو ما اتفقت معه الدكتورة شيرين زكي رئيس لجنة سلامة الغذاء بنقابة البيطريين.

حيث أوضحت في تصريحات لبوابة "دار الهلال"، أن هناك قضايا وضبطيات عن طريق مباحث التموين وجهات رقابية كان آخرها أحد مراكز الجيزة التي اكتشفت مصانع بير السلم التي تعيد تدوير الزيوت المستعملة وبيعها مرة أخرى، موضحة أن الزيوت المستعملة هي ثروة ولها العديد من الاستخدامات بخلاف الاستخدامات الغذائية لذلك أطلقت وزارة البيئة مبادرة لمساعدة ربات البيوت على التخلص الآمن، ومنحت الوزارة تراخيصا لبعض المصانع المختصة بإعادة التدوير ثم تسلمها مرة أخرى.

وأشارت شيرين زكي إلى أن البيئة اكتشفت أن بعض المصانع التي تقوم بإعادة التدوير تبيع تلك الزيوت وأعلنت العديد من الضبطيات خلال الآونة الأخيرة، مشيرة إلى أن هناك مادة تستخدم في تفتيح لون الزيت المستعمل من اللون الأسود إلى اللون الفاتح وهي "تراب التبييض"، وهي بودرة كيميائية تستخدم للزيوت المعدنية الخاصة بالسيارات أو الزيوت النباتية المستخدمة في الأكل وهذه وظيفتها تفتيح لون الزيت.

وحذرت من الأمر، قائلة "نحن بصدد كارثة، لأن هناك عدد كبير من الباعة المتجولين الذين يمرون على البيوت لشراء هذا الزيت من المواطنين بأسعار مبالغ فيها، وصل في بعض المناطق إلى 17 جنيها للكيلو، بعدما كان يتراوح سعره في البداية من 7 جنيهات إلى 10 جنيهات، وهذا يعني أن العائد من الموضوع مهول".

وأشارت إلى أن صناعة الوقود الحيوي والصابون والشموع تستخدم الزيوت المستعملة بكمية أقل، موضحة "عندما قام بعض المواطنين بإضافة معلقة صغيرة من البوتاس إلى الزيت سيغير شكله وقوامه لكنه سيظل صالحا في صناعة الصابون، لكن الأشخاص الذين يجمعون الزيوت من البيوت رفضوا استلامه في هذه الصورة ما يعني أنهم يستخدمونه في أغراض أخرى، فقد يقومون بإعادة بيعه لمطاعم الفول والطعمية التي تستخدم زيوت مجهولة وغامقة اللون".

وتساءلت حول آلية تخلص مصانع المقليات ورقائق البطاطس من زيوتها المستهلكة، ففي الدول الأوروبية تتسلم الجهات الرسمية هذه الزيوت وتدخل في مسار آمن للتعامل معها، لذلك يجب التعامل مع هذه المصانع في مصر بهذه الطريقة وتحديد كمية الزيوت المستهلكة لديها وتتسلمها شركات متعاقدة مع الحكومة أو الوزارات وتقدم لهم ما يفيد باستلام هذه الزيوت، مشددة على أهمية دور الهيئة القومية لسلامة الغذاء في مواجهة هذه المشكلة.

ومن جانبه، قال الدكتور مجدي نزيه، رئيس وحدة التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية، إن الزيوت المستعملة في الأساس تستخدمها بعض مصانع الصابون في إنتاج منتجاتها، أما ما يقال عن إعادة تكريرها واستخدامها مرة أخرى أمر يحتاج لمصانع كبرى، لكن في الوقت نفسه المواطنين جميعهم يشترون احتياجاتهم من الزيوت من المجمعات الاستهلاكية ويعرفون الجيد والسيء.

وأضاف في تصريحه لبوابة "دار الهلال"، أن الأجهزة الرقابية يمكنها تحديد ما إذا كانت هناك أي من المصانع تقوم بغش الزيوت وإعادة استخدامها، موضحا أن الزيوت المستعملة لا تمثل أية خطورة إذا استخدمت في صناعة الصابون، وهي لا تستعمل للأكل.

خطورة ونصائح

ومن جانبه، قال الدكتور ماهر عزيز، استشاري الطاقة والبيئة والمناخ، إن وزارة البترول خصصت شركة محددة تباع لها كل الزيوت المستعملة وهي التي تتولى إعادة تدويرها، فالشركة التي حددتها الوزارة تقوم بالشراء ثم إعادة الاتصال بالمصانع المتخصصة في الصابون أو بتعاقدات بينها وبين المستخدمين المحتملين لاستخدام هذه الزيوت.

وأوضح في تصريحه لبوابة "دار الهلال"، أنه لا تباع الزيوت إلا لهذه الشركة على وجه التحديد، لذلك جميع محطات الكهرباء تبيع الزيوت الخارجة منها مثل زيوت المحولات وقواطع الشبكة ومواتير السيارات وغيرها من الزيوت المستخدمة، لهذه الشركة المحددة من قبل قطاع البترول لأنها المنوط بها إعادة تدوير واستخدام الزيوت المستهلكة أو التي انتهى عمرها الافتراضي ولا تصلح لإعادة الاستخدام أو التدوير وهم من يملكون القدرة على إعدامها.

وعن الباعة المتجولون لشراء الزيوت المستهلكة الناتجة عن البيوت أو المطاعم، أكد عزيز أنهم يمكن أن يكونوا متعهدين لتجميع الزيوت من البيوت والمفترض أنهم من يوردونها للشركة، مضيفا أن إعادة استخدام تلك الزيوت بتوريدها للمطاعم أو غير ذلك كلها أمور غير قانونية ومجرمة في القانون تعتبر من قبل الغش التجاري.

وأشار إلى أنه لا بد من شركة محددة تستطيع أن تعالج الزيوت المستعملة وهي المنوط بها إعادة تدويرها أو إعدامها، لأنها جهة الاختصاص، وأي شيء يحدث غير ذلك هو خارج القانون، لأن الناس لا تعرف كيفية إعادة تدويرها واستخدامها بالشكل الصحيح، لكن الشركة تمتلك الأساليب التقنية والفنية والمعايير الدولية لمعالجة كل نوع من أنواعها وكيفية الاستفادة منه.

وشدد على أن المسألة خطيرة لأن الزيوت المستعملة مواد خطرة، لذلك يجب التعامل معها من خلال الشركة المتخصصة، وإذا كان هناك متعهدين متخصصين يجمعون الزيوت من مصادرها المختلفة فعليهم أن يقوموا بتوريدها لها، وهي لديها المستخدمين المحتملين الذين يستقبلون هذه الزيوت بعد معالجتها، حتى تسير المسألة بالطريقة المنظمة قانونا.

وعن التخلص الآمن من هذه الزيوت، أكد استشاري الطاقة والبيئة أن التخلص من الزيوت المستهلكة بإلقائها في مواسير الصرف الصحي أو البالوعات يسبب ضررا لمواسير الصرف، كما يسبب أضرارا لمحطات المعالجة، لأن كل مياه الصرف الصحي تتجه في النهاية لمحطات المعالجة، وخلط الزيوت بالمياه يؤذي المياه بشكل كبير وكذلك المواسير.

وتابع: التخلص الآمن من تلك الزيوت هو بيعها للشركة المتخصصة التي حددتها الوزارة او من خلال متعهدين متخصصين لتجميعها من البيوت لتوريدها للشركة، وهي بمعرفتها تقوم بالمعالجة لتستطيع إعادة تدويرها واستخدامها للجهات المحددة، مضيفا أنه يفضل عدم البيع للباعة المتجولين أو جروبات فيس بوك لأن الزيوت لا تباع إلا للمرخصين بالتجميع.

الرقابة على المنتج

ومن جانبه، قال زكريا الشافعي، رئيس شعبة الزيوت باتحاد الصناعات، بشأن استخدامات الزيوت المستعملة هي في صناعة وقود حيوي، مضيفا أن لا يوجد مصانع للصابون لأنه سلعة انقرضت وكصناعة فهو إلى زوال، فهناك منظفات في الوقت الحالي وهو الصابون السائل المصنع من المواد البترولية وليس الزيت والدهون.

وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن أجهزة الرقابية تتابع السلع المباعة وأن المصانع المنتجة لسلع يستهلكها المواطنون فهي بالتأكيد عليها رقابة، موضحا أن المواطنين عليهم التأكد من أن الجهة التي يبيع لها الزيوت هي جهة مضمونة، لأن الاستخدام الأعظم لهذه الزيوت في الوقت الراهن هو صناعة الوقود الحيوي.

 

عقوبة الغش التجاري

ومن جانبها، قالت الدكتورة سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك، إن الزيوت المستعملة التي يشتريها بعض الباعة المتجولون من المواطنين تستخدم في العادة في صناعة الصابون أو الوقود الحيوي، ويمكن أن تستخدم في الغش التجاري من خلال إضافة بعض المواد الكيماوية لها وإعادة تعبئتها وبيعها مرة أخرى للمواطنين أو للمطاعم.

وعن كيفية مواجهة هذا الغش، طالبت في تصريحات لبوابة "دار الهلال"، أنه على المواطنين الشراء من أماكن موثوق فيها، وليس منتجات مجهولة المصدر لتلافي أي ضرر قد يقع عليه، مؤكدا أن سلوك المستهلك هو الذي يساعد على حماية نفسه من ذلك الغش، من خلال عدم شراء منتجات مجهولة المصدر أو بيع تلك الزيوت للباعة المتجولين.

وأضافت أن القانون حدد عقوبة الغش التجاري، وهي حسب درجة الضرر، والمحكمة الاقتصادية هي التي تتولى تحديد العقوبة، موضحة أن الأسلم للمواطنين أن يبيعوا الزيوت للجهات المختصة وليس الباعة المتجولين، وعند الشراء يشترون من الأماكن الموثوقة والمنتجات المعروفة وليست مجهولة الهوية.

مبادرات للتخلص الآمن من الزيوت

وللمساعدة في التخلص الآمن من الزيوت، أطلقت وزارة البيئة خدمة “Green Pan” لتدوير زيوت الطهي لتمكين السيدات من إدارة مخلفات منازلهن وتثقيف أسرهن بشأن إعادة التدوير لجميع زيوت الطعام المستعملة من المنازل، وذلك بدءا من يناير 2021، حيث تعمل المبادرة على تشجيع السيدات على تجميع الزيوت المستهلكة واستبداله بزيوت أخرى صالحة.

ووجهت المبادرة لربات البيوت نصائح عديدة منها تبريد الزيت ثم تركه وتصفيته من الشوائب وباستخدام قمع تجميعه في زجاجات ثم الاتصال بالمبادرة ويقوم المندوب بالتواصل مع ربة المنزل، واستبدال الزيت الهالك بزيت آخر جديد مقابل كل 5 أو 10 لترات.