رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» جذور العنصرية


16-2-2025 | 20:38

نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى جذور العنصرية

طباعة
قراءة يقدمها: صلاح البيلى

فى كتابه الأحدث (نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى)، الرؤية والتخطيط، يقدم لنا البرلمانى والكاتب الصحفى الكبير مصطفى بكرى، عرضًا شاملاً لخطط نتنياهو العنصرية ضد الشعب الفلسطينى، وضد الشعوب العربية كافة، فهو بحسب نشأته العنصرية العميقة يحمل كراهية ضد كل ما هو عربى، ويحلم بإسرائيل الكبرى، من النيل إلى الفرات، ويرى أن القوة والسلاح هما الحل الوحيد للتعامل مع العرب، ولا يثق باتفاقيات السلام، ولا بأى وعود، كما يمارس الكذب والخيانة والاستعلاء كما يتنفس، مع النرجسية واحتقار وإهانة الآخرين، وعبر 295 صفحة من القطع المتوسط، تناول «بكرى» نشأة نتنياهو فى أحضان التطرف والإرهاب، على أفكار زئيف جابوتنسكى العنصرية ضد العرب والتى آمن بها والده، وكان صديقًا لهذا الصهيونى العنصرى، ثم زرع فيه والده كراهية الآخرين، والشعور بأن العالم كله ضد اليهود.

 

نشأ نتنياهو على عدم الثقة فى احد، وآمن بالقوة كحل وحيد لإسرائيل، وتعمَّد الكذب وخلط الأوراق، فوصف كل ما هو إسلامى بأنه إرهابى، وحين وقعت عملية (طوفان الأقصى)، استخدم نتنياهو أشد حالات القوة المفرطة لإبادة الشعب الفلسطينى، فى كل من غزة والضفة الغربية، والهدف الأخير هو التهجير القسرى للشعب الفلسطينى خارج أرضه.يهدى «بكرى» كتابه إلى أطفال فلسطين، شهداء وأحياء، قائلاً لهم: إن غدًا ستُشرق الشمس، ثم يتذكر «بكرى» فى المقدمة يوم أن زار نتنياهو القاهرة فى 18 يوليو سنة 1996م للقاء الرئيس مبارك، وكتب مانشيت صحيفة (الأحرار) التى كان يترأس تحريرها كالآتي: (الهواء اليوم فاسد، نتن ياهو يدنس أرض القاهرة)، ويومها أبلغه د. أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس مبارك، احتجاج نتنياهو على العنوان، وقال للرئيس مبارك إن مثل هذه الحملات لا تخدم السلام، وطالب بقمع هذه الأصوات، ورد مبارك بحسم وقال إن بمصر معارضة كما أن لديكم صحفًا معارضة، ثم أبلغه د. الباز أن نتنياهو سيعقد اجتماعًا مع أربعين من المثقفين المصريين، وأنه يحمل رسالة من الرئيس مبارك للمشاركة فى هذا الاجتماع ومواجهة نتنياهو بكل ما يريد قوله، ورفض «بكرى» اللقاء، وقال إنه سبق ورفض لقاء على الهواء مباشرة مع القناة الإسرائيلية الأولى سنة 1994م، فاحترم د. الباز وجهة نظره.

 

يخلص «بكرى» من ذلك إلى أن شخصية نتنياهو شكلت حالة فريدة فى السياسة الإسرائيلية، فهو الوحيد الذى ترأس الحكومة لعدة دورات منذ سنة 1996م، وهو اليمينى المتطرف الذى نجح فى إقناع الشارع الإسرائيلى بالكذب والمراوغة، كما سبق وأقنع زيجاته الثلاث بنزاهته، وفى كل زيجة تكتشف خياناته، ويراوغ للإفلات منها، وإن كانت زوجتان قد طلبتا منه الطلاق، وتركتاه وحيدًا، حتى أقنع مضيفة الطيران (سارة)، زوجته الحالية بحبه وتزوجها!.

 

إن الكتاب كما يقول بكرى يحلل لنا أسس وجذور العنصرية عند نتنياهو منذ كان طفلاً، ومنذ زرع والده (تسيون نتنياهو) فى عقله ووجدانه مقولة: (إنك أفضل من أى عربى، وإذا جلست فاجلس مع مَن هم نظراؤك.

 

كانت مقولات وكتابات والده مبعث تطرفه منذ صغره، ومن هنا وصفه المؤرخ الإسرائيلى (يوسف كلاوزفر) رئيس تحرير دائرة المعارف العبرية الأسبق، بأنه (سيكون من أكثر اليهود تطرفًا فى العالم)!.

 

يقول نتنياهو فى كتابه (مكان تحت الشمس) عن سيناء: (إنها المكان الذى جاءت فيه رسالة موسى إلى بنى إسرائيل، ومن الطبيعى أن تكون لليهود عاصمتهم فى سيناء، إلا أن العرب المعتدين طردوا اليهود من هذه البقعة الطاهرة، وقام بتأليف ترنيمات يهودية زعم فيها أنه لا ينظر لسيناء كما ينظر لهضبة الجولان وجنوب لبنان، فسيناء والقدس منطقتان لا يمكن التخلى عنهما، واتهم مناحم بيجين بأنه يهودى مارق لأنه سلم سيناء للسادات بمقتضى معاهدة كامب ديفيد سنة 1978م، ومعاهدة السلام سنة 1979م)!.

 

وفى الفصل الأول، وتحت عنوان (سليل الإرهاب)، يقول بكرى إنه فى 23 من أكتوبر سنة 1949م ولد (بنيامين تسيون نتنياهو) فى مستشفى (أسونا) بتل أبيب، أى بعد تأسيس إسرائيل بعام وخمسة أشهر، وكان جده الحاخام (ميليكوفسكي) من كبار دعاة الحركة الصهيونية، وكان يملك قدرات كبيرة لجذب اليهود الشرقيين إلى (أرض الميعاد)، أى فلسطين، وطبَّع الجد أولاده التسعة، ومنهم (تسيون) والد نتنياهو بهذه الكراهية الكبيرة للعرب، لدرجة أن والد نتنياهو كان يردد أمام أولاده ألفاظا خارجة عن العرب.

 

نشأ نتنياهو على تمجيد زعماء الحركة الصهيونية العنصرية، كما كان والده، الذى ربطته علاقة بمؤسس الحركة التصحيحية الصهيونية المتطرفة (زئيف جابوتنسكى)، فقد كانا يؤمنان بالعنف المطلق ضد العرب، وحتميته، على عكس مرونة (حاييم وايزمان)، من هنا عين جابوتنسكى والد نتنياهو رئيسًا لتحرير صحيفة (هايروين) الصهيونية، وهاجم من خلالها كل من يفكر بالسلام مع العرب، ليس هذا فحسب، بل أصبح (تسيون نتنياهو) السكرتير الشخصى لجابوتنسكي، وأصبح ملازمًا له فى كل سفرياته، خاصة إلى أمريكا، واطلع على كل أوراقه السرية، واطلعت عليها زوجته (تسيلاه سيجل)، وهى رفيقة دربه مع جابوتنسكى سابقًا، وانتقل تأثيرها إلى نجله (بنيامين)، فكان يرددها، وآمن بها، وشكلت أفكاره المستقبلية، كما آمن بالكتيبات التى ألفها والده وآخرون من خلال دار نشر صغيرة، وهى تدور حول (أسس الحركة الصهيونية)، و(كيفية إقامة دولة إسرائيل)، و(إسرائيل المستقبل والأمل)، و(العرب إلى الهاوية) و(إسرائيل العظمى فى كل البلاد العربية)!.

 

حاول (تسيون) والد نتنياهو تبوء منصب حكومى لكن (بيجن) منعه من ذلك، وقال إنه لم يحارب مع منظمة (أتسل) العسكرية، ولم يقدم تضحيات، فحاول أن يكون زعيمًا لحركة (حيروت) إلا أن الحركة رفضته، فتم القضاء على مستقبله السياسى، وآثر الجامعة العبرية فانتظم فى صفوف أكاديمييها، ومن هنا حمل ولده (بنيامين) كراهية وحقدًا كبيرًا ضد (بيجن)، علاوة على كراهية أسرة (حاييم وايزمان)!.

 

وشارك نتنياهو فى عدة عمليات خاصة بعد انضمامه لوحدة المخابرات العسكرية (آمان)، فشارك فى عملية ضد مطار بيروت بعد اختطاف طائرة العال الإسرائيلية، ودمر مع مجموعته 13 طائرة عربية فى المطار، ثم شارك فى اغتيال شخصيات عربية فى دول أوروبية، وذهب مرتين لتنفيذ عمليات خاصة فى سوريا، ومرات فى لبنان، ونفذ عملية فى قناة السويس إلا أن المصريين فاجأوه وكاد يقتل فيها، حيث كان مكلفًا مع زملاء له وقت حرب الاستنزاف وتحديدًا فى 18 أغسطس سنة 1969 بعبور قناة السويس وتدمير منشآت عسكرية وبترولية، وبصحبة زميليه (عاموس ودورون)، وما إن انطلقت زوارقهم المطاطية لعبور القناة حتى أمطرهم الجنود المصريون بالرصاص فسقطوا فى المياه، وغرق نتنياهو فى عمق الماء، ولولا شجاعة زميليه فى إنقاذه لكان فى عداد القتلى، وانسحبوا سباحة تلاحقهم طلقات الرصاص، من هنا يُكن نتنياهو كراهية شديدة لمصر وللمصريين!.

 

وفى فصل عن وصية جد نتنياهو (ناثان ميليكوفسكى)، هذا البولندى الذى حشد اليهود الشرقيين إلى فلسطين، ورفض فكرة إقامة وطن لهم فى أوغندا، والذى اُختير حاخامًا، ثم سافر لألمانيا، ومنها لأمريكا للدعاية للصهيونية، وكان يرى أن (هيرتزل) ملاك، هذا الجد جمع أولاده التسعة سنة 1935م وأوصاهم بألا يتركوا القدس أبدًا، بل يستقرون ويتزوجون وينجبون فيها، فمنها بعث وخلود اليهود!.

 

من هنا كانت القدس عقيدة فى فكر نتنياهو، والتخلى عنها خيانة، بل ذهب هو وأسرته فى الهجوم على بيجن لأنه سلم سيناء لمصر والسادات، واعتبره أكبر خسارة فى تاريخ إسرائيل منذ تأسست سنة 1948.

 

وعندما مات عبدالناصر أعد أعمام نتنياهو ثلاث ولائم كبرى لثلاث ليال، ودعوا إليها كبار الشخصيات الأمريكية، وسافرت بعض الشخصيات الإسرائيلية خصيصًا للمشاركة فيها ابتهاجًا بموته، لكن (تسيون) والد نتنياهو رأى أن السادات أخطر من عبدالناصر، وصاحب عقل مفتوح، كما أن السادات صاحب قرارات فجائية لا يستطيع أحد أن يتنبأ بها!.. ورأت أسرة نتنياهو أن مبارك بشخصيته العسكرية يمثل خطرًا على إسرائيل، خاصة حين أسس مجلس التعاون العربى مع العراق والأردن واليمن.

 

ظل زئيف جابوتنسكى هو الملهم لنتنياهو، وهو مؤسس الحركة الصهيونية التصحيحية سنة 1925 بعد أن انفصل عن الحركة الصهيونية الأم بقيادة حاييم وإيزمان، وأعلن بصراحة عن إقامة دولة يهودية على ضفتى نهر الأردن الشرقية والغربية، رافضًا سياسة بريطانيا بفصل شرق الأردن عن فلسطين، وكما كان جابوتنسكى هوالأب الروحى لنتنياهو، فقد كان أبًا روحيًا لكثير من الإرهابيين اليهود أمثال: مناحم بيجن، وإسحاق شامير، وأرئيل شارون، وإيهود أولمرت، وتسيبى ليفني، وغيرهم.

 

ومن هنا نفهم نظرية (الجدار الحديدى) التى أطلقها جابوتنسكى فى عشرينيات القرن الماضى، وطبقها نتنياهو فى حرب الإبادة على الشعب الفلسطينى فى غزة، هكذا يقول (إرن كابلان) رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية فى جامعة سان فرانسيسكو فى أمريكا فى بحثه عن أيديولوجية نتنياهو.

 

فأفكار جابوتنسكى المولود فى أورسيا بروسيا سنة 1880م أنتجت فاشية صهيونية عنصرية، وأنتجت الليكود، من بيجن وشامير حتى شارون ونتنياهو، وهى أفكار لا تؤمن بغير سحق وإبادة العرب لتحقيق أمن إسرائيل!.

 

وفى نفس الوقت يكرر نتنياهو دومًا أن اليهود أمة متميزة، ولهم حق فى إقامة دولتهم القومية التى كانت منذ 3500سنة، ويواصل أكاذيبه على حساب التاريخ والجغرافيا زاعمًا أن العرب خاصة شعب فلسطين لم تكن لهم دولة على أرض فلسطين، ومن هنا سعى لإقرار قانون (أساس)، وهو قانون الدولة القومية للشعب اليهودى فى 19 يوليو سنة 2018م، وهو القانون الذى عارضته السلطة الفلسطينية، وكل الحكومات العربية، وهو القانون الذى يتعارض مع نص قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947م، كما يتعارض مع القرارات الدولية بإقامة دولة فلسطين إلى جوار إسرائيل!.

 

إن نتنياهو يكفر بالسلام، وبأى حق للشعب الفلسطينى، كما يكفر بحقوق العرب، ويسعى لضم الضفة الغربية، ويرى فى ترامب فرصة ذهبية لذلك، ويسعى لبناء مناطق عازلة واسعة تحيط بإسرائيل من كل جانب، كما يسعى لزيادة رقعة إسرائيل، وتسريع الاستيطان، وقضم مزيد من الأراضى، إن الزيادة المطردة للشعب الفلسطينى تمثل كابوسًا له، كما يخلط بين الإسلام والإرهاب، ويكرر دومًا أن إسرائيل واحة الديمقراطية الغربية تعيش وسط همج رعاع من الأعداء العرب الأغبياء، وأنه لا حل معهم إلا بالقوة، تلك قناعاته الراسخة.

 

لذا دمر كل أساسيات الحياة فى قطاع غزة من مرافق، وبنية تحتية، وخطوط مياه وكهرباء، ومستشفيات ومدارس وجامعات، وكنائس ومساجد، ولم يسلم من عدوانه شجر أو حجر، واليوم عينه على التهجير القسرى لسكان غزة، أى لمليونى مواطن فلسطينى إلى سيناء، وتهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، وقضم الضفة وضمها، والتغول فى سوريا حتى احتلال دمشق، بعد احتلال المواقع الاستراتيجية على قمة جبل الشيخ، وضم جنوب لبنا كمنطقة عازلة، والسيطرة على منابع المياه والأنهار، ومعه زمرة من وزراء حكومته من اليمين الأشد تطرفًا، مثل (بن غفير، وسومترتش)، وخلفهم ترامب فى ولايته الثانية والأخيرة، يؤيد إسرائيل بكل قوته!.

 

إن التحليل النفسى لنتنياهو، وكما أورد «بكرى» فى ختام كتابه، وفقًا لدراسة د. وليد عبدالحى، من مركز الزيتونة للدراسات فى بيوت، أكد أن نتنياهو تأثر بأفكار والده وجده المتطرفة جدًا، كما تأثر بفقد شقيقه (يوناثان) قتيلاً فى عملية مطار عنتيبى فى أوغندا سنة 1976م، بواسطة خلية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان نتنياهو يدرس آنذاك فى أمريكا، أيضًا تأثر بمشاركته فى عدد من العمليات الخاصة، فضلاً عن صفاته الشخصية من كذب ومراوغة وخداع وتحايل واستغلال للآخرين، والعدوانية، والهجوم الاستباقى، وعدم مصداقيته، وعدم إيمانه بالصداقة، والأهم نرجسيته الشديدة، ورؤيته لنفسه أنه أذكى من الجميع. لقد مارس كذبه وخيانته ضد زوجته الأولى (مريم وايزمان) دارسة الكيمياء، وأنجب ابنته سنة 1978م، ثم خانها مع عشيقته (فلور كيتس) البريطانية، فتركته زوجته الأولى، واضطر للزواج من عشيقته سنة 1981م، ثم طلقها بعد ثلاث سنوات، ثم تزوج ثالثا من مضيفة الطيران (سارة أرتزى)، وأنجب منها ولدين.

 

إن نتنياهو بالتحليل الأخير شخص لا يؤتمن، ولا صديق له، ولن يصنع السلام، لأنه لا يؤمن بغير الحرب، وفرض الأمر الواقع بالقوة، وسوف يسعى لتنفيذ أوهامه، فى ضم الضفة الغربية، وتهجير سكان غزة قسريا، وتوسيع المناطق العازلة حول إسرائيل، مع تسريع الاستيطان.

 

من هنا كان الرد المصرى القوى على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن مصر لن تشارك فى ظلم الشعب الفلسطينى، ولن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب أمنها القومى.