رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

حدث فى السراى ولائم رمضان الملكية «القرفة» و«التمر هندى» فى حضرة الباشاوات


16-3-2025 | 01:44

.

طباعة
يقدمها: أشرف التعلبى

أدخل الملك فاروق سُنّة جديدة ولم تكن متبعة من قبل، الولائم الملكية فى رمضان، وأدخلت على ولائم عام 1940 تعديلات فأصبحت خمسًا بعد أن كانت فى الأعوام الماضية أربعا، وذلك لزيادة عدد من تقررت دعوتهم إليها.

وكان لهذه الولائم نظام خاص ذلك لأن المدعوين لا يجلسون إلى مائدة واحدة كبيرة حتى تطبق عليها قواعد البروتوكول وترسم لها خريطة كما جرت العادة، وإنما يجلسون حول موائد عديدة كل منها تتسع لثمانية وترتب بحيث تضم كل مائدة - بقدر الإمكان - أحد أعضاء البيت المالك أو أحد رجال السراى مع المدعوين، فلا يجلس من لهم صفة الأسبقية فى مكان ومن عداهم فى مكان بل تعمل من الجميع «تشكيلة» تضم نفرًا من هؤلاء إلى نفر من أولئك.

 

ويعد الطعام الذى يقدم فى هذه الولائم كله فى السراى، وقد أمر الملك أن تقدم الفاكهة من الحدائق الملكية. وتختلف قائمة الطعام فى ولائم رمضان الملكية عنها فى الولائم العادية. ذلك لأنها تضم ألوانا «رمضانية» مثل الكنافة والقطايف، بل إنها تأخذ طابعًا مصريًا خاصًا، فتقدم فيها صحون الفول المدمس وأنواع السلطات والطرشى.

 

وقرفة السراى لذيذة جدًا وهى تقدم طول الشهر بدلا عن القهوة، ومن أراد مشروبًا باردًا يقدم له «التمر هندى»، وعلى الموائد يقدم القمر الدين فى أكواب من الفضة.

 

وقد حدث فى مساء أول رمضان عام 1940 عندما أقبل الزعماء والعظماء على السراى، ليقيدوا أسماءهم فى دفتر التشريفات، أن طاف الساقى بالقرفة فشرب صليب سامى بك فنجالين وامتدحها كثيرًا، فقال له حسين سرى باشا «والله باعتبارك وزير التجارة لازم تشجع القرفة وتعمل لها دعاية لكى يستغنى الناس بها عن الياميش والنقل فى هذا الغلاء» فالتفت صليب بك وقال «همتك يا أستاذ.. ولكن لا تنس إذا أردت بيانات أو أحاديث أن هذه المسألة من اختصاص وزير التموين.

 

كان الملك يشرف بنفسه على قاعة الطعام قبل المغرب بدقيقة أو اثنتين، بعد أن يكتمل اجتماع المدعوين فيحييهم بصوت جهورى قائلًا «السلام عليكم.. كل عام وأنتم بخير».

 

وبعد الإفطار ينتقل الجميع إلى الصالونات ويطيب جلالته أن ينتقل بين ضيوفه ويحادثهم، ثم يتركهم على حريتهم.

 

وقد حرص «صاحب الجلالة» على أن يعقب كل وليمة من ولائم السراى صلاة عامة فى أحد بيوت الله ودرس دينى يلقيه الإمام الأكبر على جمع حاشد. ويؤدى هذه الصلاة مع شعبه ويستمع إلى هذه الدروس وينصت لها فى خشوع، ثم يعود إلى السراى وقد أرضى الرب وأرضى العبد وضرب لشعبه أحسن الأمثال.

 

أقيمت أول مأدبة ملكية فى شهر رمضان عام 1940 أول يوم الاثنين من الشهر، للعظماء والكبراء وأعيان البلاد، وقد دعى إليها عدد من كل طائفة من طوائف الأمة، وهذه المأدبة هى إحدى المآدب الخمس التى تقام فى هذا الشهر، وكانت العادة قبل عهد الملك فاروق أن يكتفى بإقامة مأدبة واحدة، يدعى إليها بعض الأمراء والكبراء ورجال الدولة، ولكن الملك فاروق رأى أن يجعل من شهر رمضان المبارك، فرصة حسنة للاجتماع بأكبر عدد من رجال دولته وأعيان مملكته، ولا سيما أن الكثرة الغالبة من الأعيان، لا يحظون بشرف المثول بين جلالته أثناء أشهر العام، فأراد أن تكون هذه المآدب مناسبة ديمقراطية سارة، يفوزون فيها بالعطف السامى فى قصر الملك وبجانب العرش.

 

وكانت دعوة الأعيان إلى هذه المآدب مقصورة على أعيان القاهرة، ولكن جلالة الملك فاروق أمر بأن تشمل أعيان الإسكندرية وعواصم المديريات ليتحقق الغرض منها على أكمل وجه.

 

كما أمر الملك بأن يكون للفقراء فى طول البلاد وعرضها من عطف جلالته فى هذا الشهر المبارك نصيب، بإقامة مآدب إفطار ينفق عليها من الجيب الخاص، ويدعى إليها الفقراء والمحرمون فى القاهرة وفى عواصم المديريات والمحافظات بمعدل مرتين فى كل أسبوع طوال شهر رمضان المعظم، يكونون فيها ضيوفًا على جلالته، فيتجلى بذلك عطفه على المعوزين من شعبه ومساواته بين الأغنياء والفقراء من رعيته. وقد بدأت هذه الولائم يوم الجمعة الأول من شهر رمضان فى القاهرة والأقاليم، بعد أن أحصى للبوليس الفقراء والمعوزين ووزع عليهم الدعوات لحضورها بالآلاف والمئات، فكانوا يتناولون الطعام وهم يدعون لجلالة الملك وذاته الكريمة.. ويرى القارئ هنا بعض الصور التى التقطت للفقراء والفقيرات بمطعم الأميرة فايزة الذى عنى سعادة محافظ العاصمة بأن يشهد فيه أولى هذه المآدب ويحيى المدعوين بالنيابة عن صاحب الجلالة.

 

لم يقتصر العطف الملكى على الذين استطاعوا حضور مآدب الإفطار من الفقراء، بل تعداهم إلى الذين أقعدهم المرض عن حضورها فوزعت الأطعمة واللحوم على زوجاتهم وأولادهم ليحملوها إليهم فى دورهم، وترى هنا بعض النسوة والأطفال مغتبطات بما نالهن من هذه الأطعمة يتناولونها مع ذويهن فى البيوت.

 

واعتاد رفعة النحاس باشا أن يقيم فى رمضان من كل عام عدة ولائم، فكان يدعو فى أول يوم أقاربه، وفى اليوم التالى أقارب السيدة الجليلة قرينته ثم أعضاء الوفد، ثم يكرر الدعوات لأعضاء الهيئة الوفدية.

 

ولكن رفعته لم يقم هذه الولائم هذا العام والسبب أن رفعته كان قد هاجر إلى كفر شتا ونقل آثاث منزله، فلما قرر العودة لم ينقل من الآثاث إلا ما خف حمله، وفرش البيت بصفة مؤقتة وبشكل يكفى فقط للنظام اليومى ولذلك اكتفى رفعته هذا العام بالسهرات فى السلاملك حيث يتلى القرآن وتقدم القرفة، وكان النحاس باشا يأكل فى طعام الإفطار نصف أكلة ووجبته الرئيسية فى رمضان هى أكلة السحور.

 

أما على ماهر باشا كان لا يأكل وحده أبدًا، ولا يطيب له الطعام إلا إذا كان معه بعض أصدقائه.

 

وفى نفس الوقت لا يحب الولائم الزاخرة المكتظة، ويفضل ألا يزيد عدد الجالسين على المائدة على ثمانية. ويستفيد على ماهر من رمضان صحيا ويحبه كثيرًا، ويرى أنه «رجيم» إسلامى أنفع من كل ما عداه لو روعى فيه النظام والحكمة. وهو لا يأكل فى الفطور إلا الشوربة وصحنا أو صحنين، أما فى السحور فلا يأكل إلا فاكهة ولبن زبادى. ولا يتناول هذا السحور إلا فى الساعة التى يأوى فيها إلى الفراش حيثما كان الوقت.