سلسلة من الكتب العلمية المكتوبة باللغة الإنجليزية، ومترجمة إلى جميع لغات العالم، تتحدث عن نظرية بناء الأهرامات لعالم الآثار الدكتور زاهى حواس وزير الآثار الأسبق. التفاصيل ليست مذكورة فى كتاب واحد فقط، وإنما داخل عدد كبير من الكتب العلمية، وفى مقدمتها كتابه «جبال الفراعنة.. القصة غير المروية لبناء الأهرامات»، وكتابه الذى يحكى بالشواهد الأثرية كيف بنى المصريون هرم الملك «خوفو» النموذج الأمثل للشكل الهرمى الهندسى، ويحمل عنوان «الجيزة وأسرارها: رحلة داخل أعظم موقع أثرى فى العالم»، بل يشرح كيف تطور البناء عبر الأسرات الأولى من الدولة القديمة حتى بناء الهرم الأكبر فوق هضبة الجيزة الصخرية. لكن كعادته، أثار ظهور «حواس» حالة من الجدل حول العالم، ولم يمر حواره مع الأمريكى جو روجان فى حلقة من حلقات البودكاست الشهير مرور الكرام، بل دار بينهم نقاش مثير حول كيفية بناء أهرامات الجيزة وأصول العمال الذين شيّدوها. أثار اللقاء خلافًا حادًا بين المتابعين، الذين اقترب عددهم من
2 مليون مشاهد ومتابع حول العالم، بل امتدّت التعليقات لتدخل فى حيز التهكم والسخرية من طريقة أداء «حواس» ومن ردوده، التى وجدها الكثيرون غير كافية، وتحتاج إلى مزيد من الشرح والتدليل.
وخلال المقابلة، أكد الدكتور «حواس» أن الأهرامات بُنيت بأيدى المصريين القدماء، وليس من قِبل عبيد أو حضارات مفقودة كما يروج البعض، استند إلى اكتشافاته الأثرية، خاصةً مقابر العمال بالقرب من الأهرامات، كدليل على أن هؤلاء العمال كانوا محترفين ومكرمين، حيث دُفنوا بجوار الأهرامات فى معية الملوك لتوفير الراحة فى الحياة الأخرى.
وكانت كلمته «فى كتابي» للتدليل على معلوماته هى التى فجّرت تيارا من الرفض لما دار من حوار، اعتبره البعض مجرد ترويج لكتابه الذى يناقش فيه كل تفاصيل هضبة الجيزة، وأهراماتها الملكية بمشاركة عالم الآثار مارك لينر، أحد أكبر المتخصصين فى دراسة الأهرامات.
وعلى الرغم من حالات السخرية والفيديوهات التى انتشرت وتحمل انتقادات لاذعة، فإن كتب «حواس» بالفعل تتضمن كافة المعلومات التى قالها فى الحوار وأكثر، وتناولت نظرياته واكتشافاته حول بناء الأهرامات بالتفصيل، وخاصة الهرم الأكبر فى الجيزة. وركز فيها على دحض النظريات البديلة مثل تدخل حضارات مفقودة أو كائنات فضائية، ونجحت فى تغيير الفهم العالمى لطريقة بناء الأهرامات وأصل العمال الذين بنوها، وقدم أدلة قوية على أن المصريين القدماء كانوا منظمين ومبدعين، وأن بناء الأهرامات كان مشروعًا وطنيًا عملاقًا، شارك فيه عشرات الآلاف من المواطنين.
ومنها كتبه التى تحمل عناوين: «عائلة الملك خوفو.. تاريخ وأسرار الأسرة الرابعة»، و«معجزة الهرم الأكبر»، و«بناة الأهرام»، و«هضبة الجيزة عبر العصور». وأهمها كتابه «جبال الفراعنة.. القصة غير المروية لبناة الأهرامات»، حيث يتناول بالشرح القصة الكاملة لنظريته، ويتناول فيه اكتشافاته داخل مقابر العمال، ويسرد تفاصيل التنظيم الإدارى واللوجستى لبناء الهرم، ويدحض نظريات العبيد والخوارق، إلى جانب اكتشافاته لمدينة العمال وبنيتها التحتية، علما أن الكتاب مصحوب بصور ووثائق أثرية وخرائط مهمة تدلل على نظريته.
ويظل كتابه الأشهر والأشمل «الجيزة وأسرارها: رحلة داخل أعظم موقع أثرى فى العالم» الذى شارك فى تأليفه مع مارك لينر، وتم نشره عام 2017، ويعتبر كتابا موسوعيا، ومن أدق الكتب العلمية التى تناولت هضبة الجيزة بالتفصيل. يستعرض فيه «حواس» تفاصيل اكتشاف مقابر العمال عام 1990 بالقرب من قرية نزلة السمان، وتشير هذه المقابر إلى أن العمال كانوا منظمين فى فرق عمل، وكانوا يتلقون أجورًا ومخصصات غذائية. كما يسلّط الكتاب الضوء على الحياة اليومية لهؤلاء العمال، بما فى ذلك المخابز وورش العمل التى كانت جزءًا من مجتمعهم، ويحتوى على معلومات مهمة عن تقنيات البناء والأدوات المستخدمة وكيفية تنظيم العمل فى الورش، إلى جانب سرد تفاصيل الحياة اليومية للعمال والبنّائين.
ونجد أن «حواس» تحدث فى الفصل الرابع من كتابه عن مدينة العمال وأسماه «مجتمع خلف الحجارة»، وفيه استعرض اكتشافه لمدينة العمال الواقعة جنوب هضبة الجيزة، والتى كانت مركزًا لوجستيًا متكاملًا لدعم مشروع بناء الهرم. وفيه كشف عن التنظيم الاجتماعى للعمال، حيث أكدت الشواهد الأثرية على تقسيم العمال إلى فرق عمل منظمة، كل فرقة تتكون من نحو ألفى عامل، مع وجود مشرفين ومسئولين عن الإمدادات. وأشار إلى العثور على بقايا مخابز ومنازل ومناطق لتخزين الطعام، مما يدل على وجود بنية تحتية ونظام دعم متكامل يشمل توفير الغذاء والرعاية الصحية. وأوضح فى كتابه أن عددا من العمال كانوا ينتمون إلى العمالة الموسمية، حيث كانوا فلاحين يعملون فى البناء خلال فترات فيضان النيل عندما كانت الأراضى الزراعية مغمورة بالمياه. فى حين يأتى الفصل السابع الذى يحمل عنوان «مقابر العمال: تكريم أم عبودية» ليؤكد أن اكتشاف مقابر العمال بالقرب من الهرم الأكبر قدم أدلة حاسمة ضد نظرية أن الأهرامات تم بناؤها بواسطة عبيد، وأن مقابر العمال تقع جنوب الهرم الأكبر مما يدل على أنهم عمال تم تقدير عملهم واعتبارهم جزءا من المشروع الملكي. لذا يؤكد «حواس « فى كتابه أن بناء الأهرامات كان مشروعًا وطنيًا شارك فيه المصريون القدماء بفخر، وليس نتيجة استعباد أو تدخل خارجي.
وعلى الرغم من أن ظهور «حواس» فى بودكاست روجان أثار ردود فعل متباينة، البعض أشاد بخبرته ورفضه لنظريات المؤامرة، والبعض انتقده بسبب أسلوبه ورفضه تقديم أدلة ملموسة خلال الحلقة، مما كشف حجم الانقسام فى الرأى العام حول شخصية حواس ومواقفه، إلا أن اكتشافات «حواس» وحفائره العلمية فوق هضبة الجيزة لا يمكن تجاهلها، حيث نجح على مدار أكثر ثلاثين عاما فى تحقيق عدد من الاكتشافات العلمية التى أكدت نظرياته حول بناء الأهرامات. حيث نجح فى استكمال اكتشاف مقابر العمال من 1990 وحتى 2010 التى تقع جنوب الهرم الأكبر، كما اكتشف بقايا المدينة المفقودة للعمال، وهى عبارة عن مدينة صناعية تحوى مخابز ومستشفيات ومناطق سكنية وأماكن لتخزين الغذاء، وهذا الكشف الذى أكد وجود إدارة قوية لتنظيم بناء الأهرامات عبر آلاف العمال، خاصة أنه أشار إلى أن المدينة كانت مزودة بنظام غذائى متكامل، ومنها ذبح نحو 21 إلى 23 بقرة و23 خروفًا لإطعام العمال.
ومن بين اكتشافات «حواس» فوق هضبة الأهرامات كان إعادة فتح «بئر أوزوريس» الغامض، وهو موقع يقع بين هرم الملك «خفرع» وتمثال أبو الهول ويصل إلى عمق 30 مترا تحت سطح الأرض، ويحوى غرفًا منقورة فى الصخر على عدة مستويات. وكان المعتقد أنه مخصص لعبادة الإله «أوزوريس» إله العالم الآخر. وعثر داخله على تابوت حجرى ضخم دون وجود مومياء داخله وتغمره المياه الجوفية. وهو المكان الذى لا يزال تحوم حوله عدة نظريات، بعضها ارتبط بأساطير السحر والشعوذة، وبعضها اعتبره دليلًا على طقوس دينية جنائزية.
وتحدث «حواس» عن مشروع ترميم تمثال أبو الهول، حيث قاد فريق عمل علميا للقيام بترميمه وفحص الشروخ الناتجة عن عوامل التعرية، كما قام فريق العمل بإعادة تثبيت الكتل الحجريّة، وأجرى عمليات مسح تحت سطح الأرض للكشف عن الغرف والأنفاق أسفل التمثال، مما دحض نظرية وجود قاعات سرية أسفل أبو الهول.
ولا يزال الجدل مثارا بعد رفض «حواس» لادعاءات فريق الباحثين من الإيطاليين والأسكتلنديين بقيادة البروفيسور كورادو مالانغا، والتى زعمت اكتشاف شبكة ضخمة من الهياكل تحت الأرض تمتد لأكثر من 2000 متر تحت هضبة الجيزة باستخدام تقنية الرادار ذى الفتحة الاصطناعية (SAR). حيث نفى «حواس» وجود أعمدة تحت الأهرامات، مؤكدا أن قاعدة هرم الملك «خفرع « تم نحتها من الصخر بارتفاع نحو ثمانية أمتار، دون وجود أعمدة أسفل القاعدة، وذلك طبقًا للدراسات والأبحاث العلمية التى تمت حول الهرم خلال السنوات الأخيرة، ومنها مشروع «مسح الأهرامات» والتى قام به فريق علمى ينتمى لجامعات ومعاهد علمية متخصصة من اليابان وفرنسا وإيطاليا ومصر.

