ما أجمل أن يهتم الإنسان بالأدب العربى المعاصر فى كل أقطاره. وأن يقرأه بعناية ويُعايشه أكثر من مرة وأيضاً أن يكتب عنه. وها أنذا أكتبه عن السرد التونسى المعاصر، أى القصص والروايات التى تكتب فى تونس الشقيقة هنا والآن.
تقول المقدمة إن كل من يتابع السرد فى الوطن العربى مشرقه ومغربه يلاحظ أن المغرب العربى وتونس كانا من أبرز البلاد العربية التى اشتغلت على تطوير آليات السرد. وهو ما يشير إلى قضايا أدبية ونقدية على صعيد الشكل البنائي، سواء على مستوى القصة أو الرواية.
وقد جاء خطابهما تعبيراً حراً عن أزمات وجودهم من خلال القدرة على امتلاك معطيات جديدة لابتكار الأدوات والارتقاء فى مناهج السرد وأساليبه الفنية والتناولية، إن ما يجرى فى هذه الدول شقيقة يمكن وصفه بأنه تأصيل لفن السرد والارتقاء به إلى ذرى جمالية وإبداعية.
ان الإنسان التونسى وهو يواجه مصيره ويشارك فى ثورته ويحقق ذاته النفسية وذواته الإبداعية كل هذا يجعل الرواية التونسية تتجاوز الكثير من أحلامنا لها، فقد حققت تقنيات جديدة على مستوى نجاح السرد وتطور آلياته فى بناء القصة والرواية التونسية التى شغلتنا إبداعها.
نماذج رائدة
يكتب فرج مجاهد عبد الوهاب صاحب هذا الكتاب فى المقدمة الضافية التى كتبها لكتابه أنه ربما كانت الحدود المصطنعة بين المشرق العربى ومغربه قد عطلت سُبل التواصل الاجتماعي. ولهذا فإننا لم نعرف من إبداعات المغرب العربى إلا القدر اليسير. ولكن بالمتابعة الدقيقة والمتواصلة.
وهذا الكتاب يمثلها بدقة غير عادية، عرفنا أحد عشر مبدعاً فى القص السردى والروائى التونسي، وقدموا لنا ما يملكونه من قوة الاثر وفعالية التاثير واخذونا إلى عوالهم السردية. ليحلوا ضيوفا علينا من خلال هذا الكتاب المهم الذى لا يزيد ثمنه على عشرة جنيهات مصرية. وهى محاولة جيدة وممتازة ولا بأس بها.
ومعرفة من يبدعون فى هذا القطر أو ذاك مسألة شديدة الأهمية لأنها تخلق لنا فى النهاية واقعا أدبيا عربياً، نحن أصبحنا فى أمس الحاجة إليه، وهذا الكتاب أرشحه لمشروع مكتبة الأسرة وللصديق العزيز الغالى الدكتور احمد بهى الدين المسئول التنفيذى عن المشروع ليُصدر طبعة منه للقارئ العربى فى كل مكان من الوطن العربي.
مبدعون من تونس
هؤلاء هم الذين ابدعوا القصة والرواية فى تونس ومعهم أعمالهم حسب هذا الكتاب: إبراهيم البرغوثى وروايته: شبابيك منتصف الليل، ثم حسونة المصباحى وروايته التى تدهشنا كثيرا جدا: هلوسات ناشيش، والروائية حياة الرايس وروايتها: بغداد وقت منتصف الليل، والدكتورة خولا حمدى وروايتها: فى قلبى أنثى عبرية، حيث قام السرد الروائى على إيقاع المشاهد الدرامية متجها إلى الواقع المتازم، راصدا اشياء كثيرة عن مجتمع اليهود المغلق.
ثم تأتى الروائية خيرة خلف اللّه ويقدم الكتاب روايتها: عواطف مفخخة، حيث يتجلى أمامنا إبداعها المتألق على فن كتابة رواية: النهر، من خلال أسلوب سردى جذاب مُشبع باللغة الشعرية المفجرة لكل أركان البوح الوجداني. ثم يأتى الروائى شكرى المبخوت وروايته: الطلياني، وهنا نقابل شخصية روائية تواجه ملحمة السرد المعاصر والمغامر.
ونصل إلى صلاح الدين بوجاه، ومجموعذ لقصصية: لا شئ يحدث الآن، حيث يقدم لنا متعة الحكى المتفرد بتعامله مع نصوص قصصية تدور بالاساس حول نفسها. وها هو فيصل محمد الزوايدى في مجموعته القصصية: قلعة الارض، حيث نجد فى الأولى تقنيات القص الفنى الذى يتضح من الواقع ويصب فيه، ويقدم قوة العرض ومتانة السرد وفضاء لنهايات المدهشة غير المتوقعة والحاملة لكل عناصر برق الإدهاش.
والقاص العربى التونسى كمال العيادى وروايته:
نادى العباقرة الاخيار، ومجموعته القصصية: رحلة إلى الجحيم، حيث إن الكتابة تصبح تمرسا في اللغة وحرثا فى الحياة، وفسحة للخيال والتخيل فى فضاءات السرد المتطور، القاص التونسى العاشر هو محمد
العروسى المطوى وروايته: التوت المُر، حيث نقرأ عن معدلات السرد الإبداعى وهو يواجه الحب والثورة والانتصار على تشويه الجسد.
عشرة من المبدعين
فى هذا الكتاب المهم نلتقى بعشرة من مُبدعِى القصة والرواية من تونس الشقيق، واثنى عشر عملا إبداعيا، يحاولون ان يقدموا السرد الروائى التونسى الراهن بشكله الجيد، ربما كانت هناك بعض الأسماء التى لم تقدّم، مثل: محمد البشروش، والصافى سعيد، والحبيب السالمي، وغيرهم كثير من مبدعى السرد الروائي التونسي.
ولهذا تظل هذه المحاولة محدودة بأسماء من قدمتهم. وأعتقد أن الثقافة الجماهيرية وهيئة تحرير السلسلة التى يرأسها الدكتور محمد بريهي، ويديرها محمد التابعي، ويتولى سكرتاريتها عبد العليم عبد الفتاح، قادرة على أن تقدم لنا الجديد فى محاولات كتابة القصة فى تونس الشقيق.
الإبداع التونسى المعاصر
يكتب صاحب الكتاب عن حسونة المصباحى أن روايته تدور أحداثها بين تونس وفرنسا أيام الحاكم الفرد الحبيب بورقيبة، الرجل لعجوز صاحب الحزب الواحد، وعلى الرغم من وفرة الشخصيات التى حفلت بها الرواية، فإنها ركزت على شخصيتين رئيسيتين جمعتهما الصداقة بين الأدب وحب الشعر وهما بطل الرواية وراويها عبد الفتاح الذى ظل فى البداية يبحث عن مكان ولادته، فقد خان أجداده البدو فى كل شئ إلا فى حبهم للترحال والتيه، فيُتعب والدته بالسؤال الذى يلح به عليه.
وهى تقول فى كل مرة يسالها:
- لقد وضعتك هناك، لا أذكر بالضبط، أنت تعلم أننا مضطرون لنقل الخيام من مكان إلى مكان حسب الظروف والفصول. وبما انك ولدت فى بدايات الخريف، فإننى اعتقد اننى وضعتك قرب زيتونة
"الجمل" وتذكر جيدا أن ولادتك كانت عسيرة، وأن سالم الأحمر قترل وأنا فى النفاث بقنبلة خلفها الألمان مدفونة فى الرمل منذ أيام الحرب.
اعتقد بعض النقاد ان السيرة الذاتية من أبرز أشكال كتابة الأنا وأقواها صلة بفن السرد. واعتبر الناقد فيليب لوزون أنها قصة ارتدادية نثرية نرى فيها شخصا واقعيا من خلال وجوده الخاص، مع تركيزه على حياته الفردية وعلى وجه الخصوص ما له علاقة
وعلى هذا الأساس وجدوا أن السيرة الذاتية تنهض على ركائز أربع هي: شكل الكلام، الأمر الثاني: الموضوع المطروق حيث يقدم الحياة الفردية وتاريخ الشخصية، الثالث: منزلة المؤلف التطابق بين المؤلف والراوي، الرابع: موقع الراوى تطابق والشخصية الرئيسية واعتماد القص الارتدادي.
إن هذا الكتاب مهم لمن يريد قراءة الرواية والقصة التونسية ومعرفة المدى الذى وصلت إليه. كنت أتمنى من المؤلف فرج مجاهد عبد الوهاب وهو باحث جيد وممتاز ان يحاول ان يضع يده على تاثير السرد المصرى المكتوب هنا فى مصر على السرد التونسي.
ورغم أنها فكرة شيفونية تتجاوز فكرة الاعتزاز بالنفس، إلا أننى كلما قرأت عملا أدبيا لاديب عربي، إلا وبحثت عن هذه الفكرة. ربما كانت انانية مني، ولكن دور مصر يتطلب منا نحن أهلها وأبناءها الاهتمام به فى كل ما نقراه وايضا ما نكتبه. فهذا هو قدر مصر وقدرنا جميعاً.
