شهدت إثيوبيا خلال الأيام الماضية تحولًا في موازين القوى، فقد بات المتمردون على بعد حوالي 300 كيلو من العاصمة، أديس أبابا، بعد سقوط مدينة "ديسي" الاستراتيجية، والتي يقع عليها الطريق الواصل بين أديس أبابا، وباقي المدن الإثيوبية، ما يهدد بعزل العاصمة ويقرب سيناريو السقوط التدريجي للمدن الإثيوبية.
وكان أول بوادر السقوط، إعلان آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، حالة الطواريء، داعيًا المدنين والمتقاعدين العسكريين وقوات الاحتياط لحمل السلاح و"التضحية لحماية إثيوبيا" حسب تعبيره، في الوقت الذي يعاني فيه مئات الآلاف من خطر المجاعة بحسب الأمم المتحدة.
كما فشلت الجهود الرامية لحل النزاع سلميًا بعد أن أبدت حكومة "آبي أحمد" تعنتًا بشأن مقترحات المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي چيفري فيلتمان، كما شددت على أنها "من تحدد شروط التفاوض"، بينما دعت واشنطن رعاياها لمغادرة البلاد بعد "احتدام الصراع وفي ظل عدم وضوح أفق للتفاهم بين الجهات المتصارعة".
وبعد الرفض الإثيوبي للمقترح الأمريكي، كانت الأخبار الآتية من واشنطن غير سارة للحكومة المركزية، حيث أعلنت تسع جماعات توحدها في جبهة واحدة تحت مسمى "الجبهة المتحدة للقوات الفدرالية والكونفدرالية الإثيوبية".
وستشكل الجبهة الجديدة، بحسب السفير المصري، صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، ضغطًا متزايدًا على "آبي أحمد" حيث تعزز النزعة الانفصالية لدى باقي المناطق الإثيوبية في دولة تتكون من العديد من العرقيات والإثنيات، ويفترض أن تتمتع مناطقها بحكم شبه ذاتي إلا أن "سياسيات رئيس الوزراء التسلطية أدت لتأجيج الغضب في مناطق إثيوبيا التسعة".
وشدد حليمة، في حديثه مع «دار الهلال» أن "الانفصاليين الإثيوبيين يعتبرون أن آبي أحمد يتواجد على رأس السلطة بشكل غير دستوري، كما يؤكدون أن الانتخابات الماضية تخيم عليها الشكوك فيما يتعلق بشفافيتها ونزاهتها".
كما اعتبر أن سياسات آبي أحمد "تعتمد على التفرقة والتعصب حيث مارست قواته في بعض المناطق جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية أدت لموجة نزوح غير مسبوقة" مؤكدًا، أن هذه السياسة "أدت لتعقيد المشهد، كما أنها لم تعد مقبولة على المستويين الداخلي والخارجي".
وأكد السفير أن الوضع في إثيوبيا "متأزم على الأصعدة كافة، فالبلد الذي يعيش حربا تكاد تكون "أهلية"، "تعاني من أزمات سياسية، واقتصادية واجتماعية حادة حيث يحتاج 5 ملايين مواطن إلى إغاثة عاجلة، كما وصل ما يزيد عن 400,000 لمرحلة المجاعة" كما يُتوقع أن تتمدد الحرب لمناطق أخرى في ظل "زيادة الاستقطاب بين الجانبين وبفعل نمو الجبهة المعارضة لآبي أحمد".
ويأتي على رأس الجبهة الجديدة، التي اجتمعت في واشنطن، جبهة تحرير شعب تيغراي والتي تخوض صراعًا منذ العام الماضي، كان محصلته سيطرتها على عاصمة إقليم تيغراي ميكيلي، وكذلك عاصمة إقليم أمهرة حيث باتت "تشكل تهديدا وجوديًا لحكومة آبي أحمد" حسب محللين.
كما تمثل الجبهة التي هددت بدخول العاصمة، أديس أبابا، قوة لا يمكن التقليل من شأنها حيث أن الجبهة حكمت البلاد لحوالي ثلاثين عامًا، فضلاً عن أن قيادتها كانوا عناصر قيادية واستخبارية بالجيش الإثيوبي، كما يصل تعداد مقاتليها ل250 ألف مقاتل.
وكذلك انضم للجبهة الجديدة، جيش تحرير أورمو والذي ينحدر من نفس عرقية "آبي أحمد" كما تعد الإثنية الأكبر في البلاد، حيث تمثل نحو 34.5 في المئة من عدد السكان، ما يضيق الخناق على الحكومة المركزية.
وتشمل الجبهة التي دشنت وحدتها من واشنطن، كذلك، حركة تحرير شعب بني شنقول، حركة آغاو الديمقراطية، وجيش تحرير شعب غامبيلا، وحركة العدالة وحزب كيمانت الديمقراطي، وجبهة سيداما للتحرير الوطنية، ومقاومة الدولة الصومالية.
وتشكل التحالفات الجديدة نقلاً للمعركة من شمالي البلاد لجنوبها، كما تفتح جبهات جديدة وتأجج صراعات قديمة، فمن جهة الشمال تقطع الطرق الواصلة لأديس أبابا، ومن الجبهة الشرقية تقطع الطريق الواصل لچيبوتي، وكذلك من جهة الجنوب حيث الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين "الانفصالية" ،والغرب والتي يتمركز بها بني شنقول، ما يأزم موقف السلطات بأديس أبابا.
ويبدو أن الحرب في إثيوبيا لن تضع أوزارها قريبًا، حيث تتزايد حالة الاستقطاب بين الجانبين، وهو ما سوف يكون له عواقب وخيمة على الداخل الإثيوبي، كما سيدفع ثمنه المدنيون الذين أُقحموا في حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وليست سوى نتاج سياسات حكومية وصفت بغير المسؤولة، كما قد تعاني المنطقة كلها من تبعات الصراع في القارة التي تشهد تزايدًا في نشاط الجماعات المسلحة العابرة للدول.