الأربعاء 26 يونيو 2024

كيف نصوم رمضان؟

7-6-2017 | 13:57

فى كل عام يطل علينا شهر رمضان المعظم شهر الصبر وشهر القرآن، شهر المرحمة والمغفرة والعتق من النار، هذا الشهر الذى أراده الحق تبارك وتعالى محطة سنوية لتجديد الإيمان فى الصدور، وتعويد الأجساد على الصبر على الجوع والعطش، وإصلاح عطبها وترك الشهوة وفطم النفس عن المعاصى والآثام.

هل نصومه بشكل صحيح على مراد الله تبارك وتعالى وكما علمنا رسوله وصحابته وتابعوه عليهم جميعا رضوان الله تعالى؟

 

علمنا رسولنا أن رمضان شهر التوبة:

 فعن سلمة بن وردان قال: سمعت أنسًا رضى الله عنه يقول: ارتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر درجة فقال: آمين، ثم ارتقى درجة فقال: آمين، ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال: آمين، ثم استوى وجلس فقال أصحابه: يا رسول الله، علام أمنت؟ قال:

أتانى جبريل عليه السلام فقال: رغِمَ أنف من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك، فقلت: آمين، ورغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين، ورغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له إن لم يغفر له فمتى؟ فقلت: آمين.

رغِمَ أنفُ عبْدٍ بِمَعنى خابَ وخسرَ، علاقتنا من الحديث بالفقرة الثالثة.

رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له إن لم يغفر له فمتى؟ فقلت: آمين

وحتى لا نبتذل هذا الشهر الكريم وأيامه المباركة فيتحول إلى مجرد جزء من عاداتنا وتقاليدنا، ولئلا يصبح طقسًا من طقوسنا، أعمال نؤدِّيها ولا ندرى لمَا نؤدِّيها النبى عليه الصلاة والسلام ذكر هذا، عامّة المسلمين يأتى رمضان فيصومون، ويأتى العيد فيُفطرون، وهم على ما هم عليه من البُعد، والمخالفات، والانحرافات، والمعاصي، فلئلا يصبح رمضان من عاداتنا، وتقاليدنا، ولئلا يصبح طقسًا لا معنى له، ولئلا ينطبق علينا قول النبى عليه الصلاة والسلام:

مثل المنافق كالناقة عقلها أهلها فلا تدرى لا لِمَ عُقلَتْ؟ ولا لِمَ أُطلقَتْ؟

 نريدُ رمضان عبادة، لا نريدهُ عادة، إذا رافقَتْ هذه العبادة معاصٍ فليس رمضان عندئذٍ عبادة، إنّه عادة، النبى عليه الصلاة والسلام.

يقول: الإمام الغزالى يعلمنا أن الصوم ثلاثة أنواع صَوم العوام، صومُ الخواصّ، وصوْم خواصّ الخواص، فأين صيامنا من ذلك!

ما من إنسانٍ على وجه الأرض إلا ويبتغى الخير لنفسه، والسلامة، والخير، والرِّفْعة، ولكن لماذا يبتغى إنسانٌ الخير فينتهى به الأمر إلى الشرّ؟ ما الفرق بين الطائعين والعصاة؟ ما الفرق بين الأشقياء والسّعداء؟ ما الفرق بين المؤمنين والكافرين؟ ما الفرق بين الذين عرفوا الله والذين لم يعرفوه؟ فرقٌ واحدٌ هو الرؤية، فإما أن تملكَ رؤيةً صحيحة، وإما ألا تملكها، لذلك كان النبى عليه الصلاة والسلام يدعو فيقول: «اللهمّ أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه».

 إذا أردت أن ترى الحق حقًا، والخير خيرًا، والشر شرًا، والباطل باطلًا، والانحراف انحرافًا، والحرام حرامًا، والمعصيَة معصيَة فلا بدّ من أن يستنير قلبك بنور الله تعالى، ونور الله لا يُهدى لعاص، لابدّ من أن تُطيع الله تعالى، لذلك إذا عقَدْتَ العزم أن تُطيع الله سبحانه وتعالى فى كلّ صغيرةٍ وكبيرة، إذا وقفْت للصلاة لابدّ من أن تعْرُج نفسك إلى الله سبحانه وتعالى، ولابدّ من أن تتَّصل به، لأنّ الحجُبَ قد هتَكْتها باستقامتك، الحُجُب الكثيفة قد مزَّقتها بِتَوبتك، إذا صحَّتْ التوبة زالَت الحجُب، فإذا زالَت الحُجب أقْبلْت على الله سبحانه وتعالى، فإذا أقبلْت على الله استنار قلبك بنور الله تعالى، عندئذٍ تكون على شيءٍ من التقوى، رأيْتَ الخيرَ خيرًا فأقبلْت عليه، ورأيت الشر شرًا فأعرضْت عنه، ورأيت الطاعة مغْنمًا، والمعصيَة خسارةً، وحبَّ الله تعالى عقلًا، وحبّ الدنيا جنونًا، ورأيت الخير فى طاعة الله تعالى، والشرّ فى معصيتِهِ، والفوْز فى التقرُّب منه، والخسران فى البُعد عنه، هذه الرؤية لا يعرفها إلا من امتلكها، تكون فى رمضان، ورمضان شهرُ التقوى بِنَصّ القرآن الكريم:

إنّ صيام الإنسان إن لمْ يُبْنَ على استقامةٍ، وتوبةٍ، ورجْعةٍ، وإنابةٍ فهو لا يُجدي، ويصبحُ كعاداتنا الكثيرة، وتقاليدنا، أعمال نقوم بها، نأكل حتى منتصف الليل، ثمّ نتسحّر وننام!! فإذا أمْضيْت السهرة فيما يغضبُ الله تعالى فأين أنت من الصّيام؟

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا، فلْنَتَّخِذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها، وتمنّى على الله الأمانى.

الله سبحانه وتعالى وله المثَل الأعلى أمرَنا بِتَرْك الغيبة، وأمرَنا بترك النميمة، وغضّ البصر، والصلاة، فأى أمْرٍ أمرَنا به إنّما يعود خيره علينا وحْدنا، ولكنّه أمرنا بالصّيام، فالطعام مباح، والماء مباح، فهذا الترْك يعنى شيئًا واحدًا هو الإخلاص لله عز وجل، العبادات أكثرها يتمّ بشَكلٍ علَنِيّ، وقد يُداخل المرء فى هذه العبادات بعض الزهوّ، ولكنّ الصّيام عبادة الإخلاص، الخير، لا يُعقلُ أن نحصى فوائد الصّيام، ولكنّ الصيام من العبادات التى تعلِّم الإخلاص لله عز وجل، وقوّة الإرادة، والصّبر، والصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان، فالصّيام ربع الإيمان، لأنّ الصّيام نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان، ويعلّم الإخلاص، والإرادة، والنّظام، فلابدّ أن تأكل فى وقتٍ معيّن، وأن تفطر فى وقتٍ معيّن، وتتعلّم الصّبر، وفوق ذاك وذاك لا بدّ من أن يكون للصّيام فوائد جسميّة كثيرة، نفعنا الله بهذا الشهر الكريم ووفقنا لصيامه على الوجه الذى يرضيه عنا.

    الاكثر قراءة