الجمعة 22 نوفمبر 2024

من روحانيات الصيام ٢ كيف نتقرب إلى الله

  • 7-6-2017 | 13:58

طباعة

بقلم: د.عباس شومان

نواصل حديثنا حول بعض الخواطر عن الصيام، وشهر رمضان الكريم. فمن الأمور المحببّة التي ينبغي على الصائم أن يتحلى بها أثناء صومه، أن يستغل تخلصه من وسوسة الشيطان، ومن وسوسة النفس، فيتقرب إلى الله عز وجل بطاعات بينها لنا شَرْعُنا الحنيف

ومن هذه الطاعات، صلةُ الأرحام، و الناس في عامهم ينشغلون بأعمالهم كثيرًا، ويتعودون في شهر رمضان أن يتخففوا من هذه الأعمال، ويقبلون على الله عز وجل قدر استطاعتهم، شريطةَ ألا يعطل هذا مصالح الناس، فإنه لا يجوز من أجل الصيام.

 

 

أما إذا تمكن من ذلك وخفف من بعض أعماله من باب أن يُعطي بعض الوقت لكتاب الله، ولِمُدارسة العلم الشرعي، فلديه الوقت الذي يُطيعُ الله عزوجل فيه بعمل لا يقل أهمية عن ملازمةِ كتابِ الله وسنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستماع إلى دروس العلم في المساجد، ألا وهو «صلة الأرحام»، صلة الأرحام التي نُقصّرُ فيها كثيرًا جراءَ انشغالنا بأعمالنا، إذا ما وجدنا وقتًا في شهر الصوم، فعلينا ألا نُضيع هذه الفرصة وأن نتصالح معهم لتركنا إياهم فترات طويلة، وأنْ نعتذر إليهم عن تقصيرنا في وُدِهم ليس عن جَفَاءٍ وإنما لكثرة الأعمال، وإنهم سَيَقْبَلون، فما أعظم صلةَ الأرحام، وما أقبح قطعها ويكفي أن الله عزوجل يصل من وصلها، حين تعلقت بالعرش، ولاذت بالله عزوجلّ واستعاذت به، أعاذها الله عز وجلّ، واستمع لها ووعدها، بأنه سيصلُ من وصلها، وسيقطعُ من قطَعَها، فما أحسن من وصل الأرحام، وما أقبح من قطعها، وابتعد عن طاعة الله عز وجلّ، فلا فرصة لنجاتهِ في الآخرة.

فإن كنا مُقَصرِين في حق أرْحَامِنَا، وكثيرُ منّا كذلك، علينا أن ننتهز شهر الصوم، شهر العبادة، شهر الطاعة، شهر التَسامُحِ بين الناس، شهر التعامل بالصدق والإحسان إلى الناس، من الأقارب ومن غيرهم، وأن نتصالح معهم، ونَصِل الأرحام، ونتواصل معهم، ونَتَقرب إليهم، علينا نَظفرُ بدعوة صالحٍ منهم أو صالحة، تُصْلِحُ ما بيننا وبينَ الله عزوجل، نسأل الله عز وجلّ أن نَكُونَ ممن يَصِلُونَ أرحامهم ونعوذُ به أنْ نكون ممن يقطعونها، إنه على ما يشاءُ قدير وبالإجابة جدير.

كذلك من الأمور المحببّة التي ينبغي على الصائم أن يدركها خلال صومه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وبين هذين الوقتين يؤدون الصلوات كعادتهم في غير رمضان في أوقات محددة.

وهناك وقتٌ محددٌ لصلاة الفجر، وآخر للظهر وآخر للعصر والمغرب والعشاء، وفي شهر رمضان يمسك الناس في لحظة واحدة، وهي عند طلوع الفجر الصادق ويفطرون في لحظة واحدة عند أذان المغرب، وهذا يشير إلى أهمية الوقت في الإسلام، والذي تبرز أهميته بشكل أكثر وأكثر في رمضان والوقت فيه محددٌ، وكثيرٌ من الناس بل معظم الناس لا يفتأون ولا يكلون من النظر في ساعاتهم استعجالا لوقت إفطارهم وتحرزا من وقت إمساكهم.

والجميع يعرف قيمة الوقت ينظرون هل دخل وقت الفجر أم مازلنا في فسحة من أمرنا نأكل ونشرب؟ ثم إذا قارب النهار على آخره يستعجلون نهايته وينظرون هل أُذِّنَ للمغرب حتى يفطروا؟ فإذا كان الوقت كذلك، وإذا كان لازمة من لوازم رمضان، وإذ كان رمضان نفسه مرتبطًا بالوقت بين شهور السنة، فعلينا أن ندرك أهمية الوقت، وأن ندرك أن الوقت هو جزءُ من أعمالِنا.

فالإنسان ما هو إلا أوقاتٌ، فإذا مضى بعضها مضى بعضه فهو مجموعة من السنين والأيام والساعات والدقائق والثواني، كلما مر شيء من ذلك مضى بعضه حتى ينتهي أجله فيكون بين يدى الله عز وجل.

وإذا كان الوقت بهذه الأهمية وبهذه المكانة، وإذا كنا نعرف قيمته في رمضان فنعرفه عدد ساعات الصيام ودقائقه ونعرف أوقات الأذان لجميع الصلوات بكل دقة وبكل تحديد، وإذا كنا نعرف كم يوما مضى من أيام رمضان وكم من الأيام بقي لننتهي من رمضان، وكل هذه أوقات، فعلينا أن نعلم أن الوقت في رمضان هو الوقت في غير رمضان، وأن كل وقت نضيعه في غير طاعة الله عز وجل، التي لا تقتصر على الصلاة ولا على الصيام ولا على الحج، وإننا في كل عمل يتقرب به المرء من الله عز وجل فلنحافظ على الوقت ولنعرف قيمته طوال العام.

إذا خرجنا بهذا من شهر رمضان فهذا يكفينا؛ لأننا تعلمنا شيئا مهما وللأسف الشديد الكثير من الدول التي ليست على الإسلام تعرف قيمة الوقت أكثر منا بكثير وهذا عيب في أمة الإسلام، وليس في الإسلام الذي جاء بالوقت بدقائقه وجعله مقرونا بمعظم الأعمال والطاعات التي يتقرب بها المرء إلى الله عز وجل.

وإذا كنا نبحث عن طاعة الله في شهر الصيام، ونبحث عن الأمور التي يجب تركها حتى لا نبتعد عن طريق الله عز وجل، وإذا كان الصدق والتقوى وصلة الأرحام من الأمور المطلوبة في شهر رمضان فإن أبغض ما يُبغض في شهر رمضان أمور قد تؤثر على الصائم، فربما تذهب بصومه كليةً، وعلى رأس هذه الأمور - بعد إفساد الصوم بالطعام والشراب عمدًا بلا عذر - أن يخوض الإنسان في عرض الآخرين غيبة ونميمة فإنه من الأمور الذميمة.

وهذا الأمر الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس، ويحبب إليهم بفعل وسوسة الشيطان، فيحلو لهم أن يتحدثوا عن الآخرين بما فيهم من أمور ليست مستحبة، وهذا من الغيبة التي حرمها رب العالمين أو يتحدث عنهم راميًا إياهم بأمور ليست فيهم، وهذا من البهتان والافتراء عليهم، كما بيَّن النبي (صلي الله عليه وسلم) على المرء وهو يتذكر الله كثيرًا في شهر رمضان ويلازم كتاب الله عز وجل أن يستعيض عن هذا الذي حببه الشيطان إليه، وهو بغيض بكتاب الله عز وجل، وأن يستبدل بهذه الألفاظ في شرعنا ألفاظًا أخرى محببة، كذكر الله عز وجل، أو كذكر محاسن الناس، وليس متحدثًا عن مساوئهم وما فيهم من عيوب أو قصور أو راميا إياهم بما ليس فيهم.

فقد رُوي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) اشتكى إليه من حال امرأة كادت تموت في صومها في رمضان فأتي بها إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فجلست إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فعلم حالها ثم جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) بإناء وأمر المرأة أن تتقيأ فيه فقاءت، ثم أمر أخرى كانت تتحدث إليها أن تفعل مثلها فقاءت حتي امتلأ الإناء بما يشبه الدم المختلط باللحم، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) إن هاتين المرأتين صامتا عما أحل الله عز وجل وأفطرتا على ما حرم الله عز وجل، جلست إحداهما إلي الأخرى تغتاب الناس.

هذا الأمر جِدُّ خطير، وإنه ينبغي أن تكون موعظة للنفس ومخلصًا لها إذا ما طرأ لها أن تتحدث عن الآخرين بأمور لا يرضون عنها، فهو مذكور في كتاب الله عز وجل مذمومً، وغيره من الصدق والتحدث عن محاسن الناس مذكور وممدوح في كتاب الله عز وجل، فلنكن حيث أأراد الله عز وجل ولنبتعد عما لم يرد الله عز وجل. والله عز وجل قال لنا (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) ونعوذ بالله أن نكون من هؤلاء.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة