قام بعض مؤلفي الموسيقا المصريين باستخدام آلات الموسيقى العربية (القانون – العود- الناى – الكمان) فى مؤلفاتهم للأوركسترا، لإضفاء ألوانا صوتية متميزة على أعمالهم، وكان أول من فعل ذلك هو إبراهيم حجاج (1916 – 1987 )عندما استخدم آلة القانون مع الأوركسترا فى موسيقى فيلم (زينب) الذى قٌدم عام 1952 من إخراج محمد كريم، وذلك بعد أن تناقش فى هذا الأمر مع صديقه عازف القانون البارع عبد الفتاح منسى (1924-1990)، والذى بجانب براعته فى عزف آلة القانون، كان يجيد قراءة التدوين الموسيقى وهو أمر ضرورى لمن يشارك بالعزف فى الأوركسترا.
وهكذا فقد لفّتَ إبراهيم حجاج أنظار بعض زملائه من مؤلفى الموسيقى المصريين إلى أهمية استخدام آلات الموسيقا العربية فى مؤلفاتهم الأوركسترالية المصرية، والجدير بالذكر أن هؤلاء المؤلفين الموسيقيين المصريين قد درسوا أولا الموسيقى العربية وعلومها وتخصصوا فى عزف بعض آلاتها، ولما ألفوا مقطوعات موسيقية عربية لاقت نجاحا كبيرا، فاكتشفوا أنهم موهوبون فى هذا المجال، ويمكنهم ممارسة التأليف الموسيقي ولكن بعد أن يتعمقوا فى دراسة العلوم الموسيقية العالمية، من هارمونى وكونترابونط، وصيغ موسيقية، وكتابة للأوركسترا بآلاته المختلفة الألوان الصوتية، وشجعهم على ذلك وجود عدد كبير من كبار الموسيقيين الأوروبيين الذين استوطنوا فى مصر، بعد أن دمرت بلادهم فى الحرب العالمية الثانية، وعملوا عازفين فى دار أوبرا القاهرة (القديمة)، أو افتتحوا معاهد خاصة لتعليم الموسيقى للمصريين والأجانب.
وهكذا وجد الموسيقيون المصريون فى بلادهم من يعلمهم علوم الموسيقى العالمية، بدلا من السفر إلى الخارج للتعلم، فكان كل منهم يخصص جزءًا من دخله من عمله فى مجال الموسيقى ليدرس مع بعض هؤلاء الموسيقيين الأوروبيين الكبار، الذين أفادوا منهم كثيرًا.
والجدير بالذكر أن حركة التأليف الموسيقى فى مصر قد بدأت على يد جيل الرواد الذى تكون من كل من: يوسف جريس (1899 -1961) وحسن رشيد (1896-1969) وأبو بكر خيرت (1910-1963)، ثم جاء بعدهم الجيل الثانى من مؤلفى الموسيقى المصريين، وهم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وقد بدأوا بدراسة الموسيقى العربية، ثم عزفوها على آلاتها فى الفرق الموسيقية المختلفة، وبعدها درسوا علوم الموسيقى العالمية، ونتيجة لذلك فقد ألفوا مؤلفات موسيقية مصرية متطورة، استخدموا فيها صيغا موسيقية أوروبية مثل (السيمفونية- الكونشيرتو المنفرد- المتتالية – الافتتاحية التصريرية.. وغيرها من المؤلفات)، ولكنهم حرصوا على أن يكون المضمون الموسيقى فى تلك المؤلفات مصريًا واضحًا ومعبرا عن الهوية الموسيقية المصرية.
ولما ظهرت فكرة استخدام آلات الموسيقى العربية فى المؤلفات الأوركسترالية المصرية، وجدت تلك الفكرة ترحيبا من بعض مؤلفى الموسيقى المصريين، فقدموا المؤلفات التالية:
مؤلفات لآلة القانون مع الأوركسترا
أولا: فانتازيا للقانون والأوركسترا لمؤلف الموسيقى المصرى فؤاد الظاهرى (1916 -1988)، وفى هذا العمل الذى ألفه عام 1950، حاول المؤلف إيجاد نوع من التعايش بين آلة القانون العربية والأوركسترا السيمفونى بآلاته المختلفة، ولم يكن هدفه – كما ذكر لكاتب المقال فى لقاء معه عام 1984- على إظهار البراعة المتميزة للعازف المنفرد، كما يحدث فى مؤلفات الكونشيرتو المنفرد.
والفانتازيا عزيزى القارئ هى مؤلف موسيقى حر الصياغة، شاع تأليفه فى العصر الرومانتيكى، ويعتمد على خيال المؤلف وإلهامه.
وقد ألَّفَ فؤاد الظاهرى هذا العمل أولا من حركتين وعزفهما مع الأوركسترا عازف القانون البارع عبدالفتاح منسى، وفى عام 1964 أضاف المؤلف لهذه الفانتازيا حركة ثالثة، وعزف العمل فى صورته الجديدة عازف القانون البارع سيد رجب.
وتبدأ الفانتازيا باستهلال من الأوركسترا وآلة القانون، ثم تسمع آلة القانون بمفردها حيث يستعرض المؤلف إمكانياتها التكنيكية ولونها الصوتى المميز، وبعد ذلك تتبادل آلة القانون حوارا موسيقيا مع آلات الأوركسترا المختلفة، تارة مع الآلات الوترية، وتارة أخرى مع آلات النفخ الخشبية والنحاسية، ثم تسمع آلة القانون تصاحبها باقى آلات الأوركسترا، وأحيانا تعزف الألحان بعض آلات الأوركسترا وتصاحبها آلة القانون، وقرب النهاية يقدم عازف القانون المنفرد (الكادنسا)، وهى فقرة موسيقية حرة، يستعرض فيها العازف المنفرد مهاراته التكنيكية والتعبيرية، وتختتم الفانتازيا فى قوة وحيوية من آلة القانون والأوركسترا.
ثانيا: مؤلف للقانون والأوركسترا بعنوان (نور من الشرق):
ألف ألحان هذا العمل عازف القانون البارع عبد الفتاح منسى، وقام بالتوزيع الموسيقى له صديقه مؤلف الموسيقى المصرى عطية شرارة (1923 -2014 )، وفى هذا العمل تلعب آلة القانون دورا أكبر مما حدث فى العمل السابق، نظرا لأن مؤلف ألحانه عازف بارع على آلة القانون، حتى أن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب (1897 -1991) قد أطلق عليه لقب (الأسطول) تقديرا لقدراته الفنية المتميزة فى العزف، وكذلك نلاحظ تأثر عبدالفتاح منسى بأسلوب عزف آلة البيانو التى درسها دراسة جادة لمدة خمس سنوات -بعد إتقانه عزف آلة القانون- مع أحد الأساتذة الروس، وبعد ذلك حاول الاستفادة من الأساليب التكنيكية المستخدمة فى عزف البيانو، لكى يطور أسلوب عزفه على آلة القانون العربية، ومن ذلك عزفه للمسافات الهارمونية، والتآلفات المفككة (الأربيجات) وغيرها من الأفكار غير المستخدمة فى عزف آلة القانون.
تسمع آلة القانون منفردة ثم تتبادل الحوار الموسيقى مع آلات الأوركسترا المختلفة، أو تعزف آلة القانون وتصاحبها آلات الأوكسترا، ومن الملاحظ هنا أن استخدام آلة القانون مع الأوركسترا، جاء من منطق فنى مقبول، وغير مفتعل، وفى نفس الوقت حافظ عبدالفتاح منسى على الطابع العربى للعمل، وساعد على إظهار ذلك الكتابة الأوركسترالية الموفقة التى كتبها مؤلف الموسيقى المصرى عطية شرارة لهذا العمل.
ثالثا: مقطوعة بعنوان (أغنية وقانون) من المتتالية الشعبية للأوركسترا لـ أبوبكر خيرت
ألف أبوبكر خيرت المتتالية الشعبية للأوركسترا عام 1958، وفاز عنها بجائزة الدولة التشجيعية فى التأليف الموسيقى عام 1959، وكان المؤلف هنا حذرًا فى استخدامه لآلة القانون مع الأوركسترا، حيث أنه كان مؤلف موسيقى وعازف بارع على آلة البيانو ومهندسا معماريا، ولكنه لم يكن منغمسا فى الحياة الموسيقية المصريةعن قرب.
وتبدأ مقطوعة (أغنية وقانون) وهى المقطوعة الثانية فى المتتالية، بعزف من آلات النفخ الخشبية ثم تسمع الآلات الوترية التى تمهد لسماع عازف القانون المنفرد، وهو يصول ويجول، ويقدم ارتجالاته التى تظهر براعته فى عزف آلة القانون مع محافظته على الطابع العربى لتلك الارتجالات، وعندما يبدأ عازف القانون تتوقف كل آلات الأوركسترا عن العزف، لتتيح الفرصة لعازف القانون المنفرد ليصول ويجول مستعرضا براعته فى عزف آلة القانون مستغلا مساحتها الصوتية الواسعة، وعندما ينتهى عازف القانون من أداء دوره تعود الآلات الوترية للعزف، وتنضم إليها بعض آلات النفخ الخشبية حتى تنتهى المقطوعة فى هدوء.
وقد عزف آلة القانون فى هذه المقطوعة عبدالفتاح منسى، فى الأسطوانة التى سجلت عليها هذه المتتالية.
رابعا: كونشيرتو القانون والأوركسترا لـ رفعت جرانة (1924-2017)
أتم المؤلف هذا الكونشيرتو فى الخامس عشر من أكتوبر1966، ووفقا لرواية جرانة- التى ذكرها لكاتب هذا المقال فى حديث مسجل – أنه استعان بصديقه عازف القانون البارع عبدالفتاح منسى، للتعرف بشكل عملى على إمكانيات آلة القانون ومساحتها الصوتية الواسعة، وما يمكن أن تؤديه فى مواجهة الأوركسترا، حتى يتحقق التوازن الفنى بين دور كل منهما، وفى هذا العمل يستخدم عازف القانون
المنفرد أربعة أصابع فى عزف أوتار آلة القانون بدلا من إصبعين فقط كما هو المعتاد.
وجاء الكونشيرتو كالمعتاد فى ثلاث حركات، وقد بناه المؤلف على ألحان دينية إسلامية، نظرا لأنه عندما التقى مع صديقه عبدالفتاح منسى كان ذلك فى منتصف شهر رمضان فى ذلك العام، وبعد جلسته مع صديقه عبدالفتاح منسى ظل المؤلف يبحث عن نقطة البداية لكى ينطلق فى تأليفه لهذا العمل، ومع نهاية شهر رمضان سمع المؤلف صباح يوم عيد الفطر المبارك تكبيرات صلاة العيد من مسجد قريب من منزله، فقام على الفور إلى آلة البيانو، وعزف لحن كلمات (الله أكبر كبيرا.. والحمد لله كثيرا.. وسبحان الله وتعالى بكرة وأصيلا) وبدأ يعزفها حتى لا تهرب منه الفكرة، وبنى الحركة الأولى من الكونشيرتو على تكبيرات صلاة العيد، وبعدها بنى الحركة الثانية على لحن كلمات (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع) وهى الكلمات التى استقبل بها أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة.
ثم بنى الحركة الثالثة من الكونشيرتو على لحن (أذان الصلاة) الإسلامية، وهكذا خرج هذا الكونشيرتو إلى النور، وهو يمثل عملا له قيمة تاريخية وفنية هامة فى هذا المجال.
وقد جاءت حركات الكونشيرتو الثلاث على النحو التالى :
الحركة الأولى: متوسطة السرعة
وتعتمد ألحانها على التكبيرات والتهليلات التى يطلقها المصلون المسلمون فى صلاتى عيدي الفطر والأضحى فى كل أنحاء العالم الإسلامى، ويقدم اللحن أولا من الأوركسترا كاملافى قوة، ثم يعيد عازف القانون المنفرد تقديمه فى صور متنوعة، ويُلَاحْظ هنا استخدام المؤلف للإيقاعات العربية المتميزة.
الحركة الثانية: بطيئة وذات طابع غنائى
تبدأ موسيقاها فى نعومة، وبعد ذلك يقدم العازف المنفرد تمهيدا يتميز بالصفاء الذى يناسب طبيعة لحن الحركة الذى تمهد له وهو لحن كلمات (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع) وهى الكلمات التى استقبل بها أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة، وتقدم اللحن أولا آلات النفخ النحاسية، ثم تستعرضه الآلات الوترية فى قوة وترد عليها آلات النفخ الخشبية التى تناسب طبيعة صوت الآلات الوترية فى تسلسل يتميز باليسر والسهولة، مع عرض كامل لإمكانيات آلة القانون التكنيكية والتعبيرية.
الحركة الثالثة: سريعة دون إسراف
بنى المؤلف هذه الحركة على لحن (أذان الصلاة) الإسلامية، الذى يسمع فى كل أنحاء العالم الإسلامى خمس مرات فى اليوم، ويبدأ العازف المنفرد بتقديم اللحن الأساسى للحركة، ثم يتبعه الأوركسترا كاملا بعرض سريع للحن، وبعد فقرة انتقالية نستمع إلى الألحان الأساسية للحركتين الأولى والثانية فى أشكال مختلفة متداخلة فى أسلوب بوليفونى غير مألوف فى الموسيقى العربية، وتختتم الحركة والكونشيرتو فى قوة وحيوية.
وقد سجل هذا الكونشيرتو عازف القانون البارع سيد رجب، بمصاحبة الأوركسترا السيمفونى العربى بقيادة شعبان أبوالسعد.
خامسا: كونشيرتو القانون والأوركسترا لعبدالحليم نويرة (1916 -1985)
جاء هذا العمل امتدادا لمؤلفات التحميلة المعروفة فى الموسيقى العربية، وإن اشتمل على المقومات الأساسية لمؤلفات الكونشيرتو المنفرد، من حيث احتوائه على ثلاثة أجزاء، وإظهاره لمهارات العازف المنفرد، وتبادل الحوار الموسيقى مع الأوركسترا.
سادسا: خواطر عربية للقانون والأوركسترا لحسين جنيد (1918 – 1990)
وهو عمل قصير بالنسبة للمؤلفات السابقة، وتبدأ الموسيقى بعزف من آلات الأوركسترا، ثم تسمع آلة القانون تصاحبها الآلات الوترية، وبعدها تسمع آلات الأوركسترا، ثم تسمع آلة القانون تعزف المصاحبة، وبعد ذلك تسمع منفردة، ويستمر الحوار الموسيقى بين آلة القانون وبين آلات الأوركسترا المختلفة، حتى يختتم العمل من آلة القانون والأوركسترا فى هدوء.
وبعد أن استعرضنا عزيزى القارئ المؤلفات الموسيقية المصرية التى شاركت فيها آلة القانون مع الأوركسترا،
نلاحظ أن المشاركة الفعالة لآلة القانون تتفاوت من عمل لآخر، برغم أن الذين ألفوا الأعمال السابقة كان لهم اختلاطهم المباشر بالحياة الموسيقية المصرية، سواء كعازفين أو قادة أوركسترا، باستثناء أبوبكر خيرت ،الذى كان اختلاطه بالحياة الموسيقية المصرية محدودًا، بحكم عمله الأساسى كمهندس معمارى، مع قيامه بالتأليف الموسيقى، كما أنه كان عازفا بارعا على آلة البيانو، ولهذا فإننا نجد أنه الوحيد الذى كان حذرا فى استخدامه لآلة القانون مع الأوركسترا، بل إنه كما أظن قد ترك الجزء الخاص بالعازف المنفرد ليرتجله العازف، الذى سجله على أسطوانة، وهو عازف القانون المصرى البارع عبدالفتاح منسى، الذى جاء أداؤه متميزا.
مؤلفات لآلة العود العربية مع الأوركسترا:
سابعا: كونشيرتو العود والأوركسترا فى مقام الحجاز كاركرد لـ عطية شرارة(1923 -2014)
يقول الناقد الموسيقى الكبير أحمد المصرى (1920 -2000) فى تعليقه على حفل أوركسترا القاهرة السيمفونى الذى قدم فيه الكونشيرتو يوم (18 /1/1985 ) ما يلى: "فى هذا العمل يقدم المؤلف محاولة جادة لاستغلال إمكانيات الموسيقى الأوروبية وتطويعها لخدمة الموسيقى العربية، فهو يستغل نموذج الكونشيرتو المنفرد الأوروبى أحسن استغلال، ويقدم من خلاله الألحان العربية السلسة التى تبرز طبيعة صوت آلة العود العربية المتميزة، وبراعة العازف المنفرد، وقد جاء الكونشيرتو كالمعتاد فى ثلاث حركات،على النحو التالى :
الحركة الأولى: سريعة بمقدمة فخمة من الأوركسترا يشارك فيها عازف العود المنفرد، مظهرا بعض إمكانيات هذه الآلة العتيدة، ثم يتتابع الأداء المتبادل بين العازف المنفرد والأوركسترا، وتتكرر الجملة الاستهلالية بشكل مختصر، وتتميز هذه الحركة باللغة الهارمونية الرصينة والكتابة الأوركسترالية الفعالة.
الحركة الثانية: بطيئة وغنائية الطابع ومبنية على اللحن المعروف (أيوب المصرى)، وتفيض ألحانها باستخدام الإيقاعات العربية، ولقد استطاع عطية شرارة أن يستغل أسلوب الأداء التقليدى للموسيقى العربية أحسن استغلال، وبعدها يقدم عازف العود المنفرد "كادنسا" فى صورة تقاسيم ذات طابع شجى، وتختتم الحركة من آلة العود بمصاحبة الآلات الوترية الغليظة الصوت تعزف الأوتار نبرا بالأصابع فى إيقاع عربى رصين.
الحركة الثالثة: سريعة وتستهل فى فخامة من الأوركسترا وعازف العود المنفرد، ويمكن القول بأن هذه الحركة تعتمد على إيقاع عربى راقص ومتوثب، ويقدم عطية شرارة سلسلة من الألحان ذات الجمل اللحنية السلسة والتى تشبه إلى حد كبير فى طبيعتها الألحان الشائعة، وتقدم هذه الألحان فى بعض الأحيان مجزأة من العازف المنفرد والأوركسترا ويختتم الكونشيرتو فى جو شرقى بهيج.
ثامنا: فانتازيا للعود والأوركسترا للدكتور سيد عوض (1926 -2000 )
قدمت فى حفل أوركسترا القاهرة السيفونى بقيادة المؤلف، يوم (28 /6 /1985) على مسرح الجمهورية بالقاهرة.
وقد كتب الناقد الموسيقى الكبير أحمد المصرى تعليقات على برنامج الحفل فقال: "ترجع الفانتازيا للعود والأوركسترا للدكتور سيد عوض إلى عام 1984، وهى وإن كانت فى حركة واحدة متصلة إلا أنه يظهر إمكان تقسيمها إلى عدة أقسام، ويستهل القسم الأول منها وهو بمثابة المقدمة أو التمهيد للعمل كله، يلى ذلك القسم الثانى وخلاله يعبر المؤلف عن الإنسان المتحضر عندما يتعرض لمصاعب الحياة، وما فيها من مآسٍ، ثم تنتقل إلى القسم الثالث، ويعبر المؤلف خلاله عن التفكير المتأمل فى محاولة للتجاوز عن المواقف الصعبة فى الحياة والتى تمر فى حياة الإنسان بالشكل الذى أراده الله، وتتميز موسيقى الفانتازيا بالتوازن الكامل بين الأجزاء الانفرادية لآلة العود، والأجزاء الخاصة بآلات الأوركسترا، ويبرز ذلك خلال التدفق اللحنى، والحوار بين آلة العود وآلات النفخ الخشبية فى حوار أخاذ بمشاركة من الوتريات فى أسلوب ينم عن مقدرة المؤلف على الكتابة لآلات الأوركسترا فى تفهم كامل.
وفى النهاية، يُسْمع القسم الختامى وهو يعبر عن الأمل وضرورة استمرار الحياة.
وقام بعزف الأجزاء الإنفرادية لآلة العود فى ذلك الحفل عازف العود المصرى المعروف جورج ميشيل.
مؤلف لآلة الناي
تاسعا: كونشيرتو الناى فى مقام الراست لـ عطية شرارة
كتبه المؤلف عام 1980، وجاءت حركته الثالثة مبنية على لحن (أذان الصلاة) الإسلامية، وعزف الناى المنفرد العازف القدير محمود عفت وقد جاء الكونشيرتو فى ثلاث حركات على النحو التالى:
الحركة الأولى: سريعة، تسمع فيها آلة الناى المنفردة منذ اللحظة الأولى بلونها الصوتى المتميز، مؤدية ألحانا مسترسلة، تتبادل فيها الحوار الموسيقى مع الآلات المصاحبة له حتى تختتم الحركة.
الحركة الثانية: بطيئة، ويغلب عليها طابع الهدوء والتأمل
الحركة الثالثة: يسمع خلالها لحن (أذان الصلاة) الإسلامية ويؤديه عازف الناى المنفرد، ثم يتبادل الحوار الموسيقى مع باقى الآلات المصاحبة، وبعدها يقدم فقرة تشبه الكادنزا، يستعرض فيها عازف الناى براعته فى الأداء، وخاصة فى الجانب التكنيكى، ثم ينضم لباقى الآلات حتى تختتم الحركة فى سرعة وقوة.
مؤلفات مصرية للكمان (الفيولينة) والأوركسترا :
الجدير بالذكر أن آلة الكمان هى آلة مشتركة بين فرق الموسيقى العربية، وبين الأوركسترا السيمفونى، وعندما يشارك عازفوها فى فرق الموسيقى العربية فإن طابع الموسيقى المؤداة يكون محافظا على الطبع العربى للموسيقى، أما فى الأوركسترا فإن مجموعتى آلات الكمان الأولى والثانية تؤديان مؤلفات عالمية، ولكن مؤلفو الموسيقا المصريون كتبوا مؤلفات للكونشيرتو المنفرد لآلة الكمان والأوركسترا، فاستخدموا مؤلف الكونشيرتو المنفرد، ولكن جاءت ألحانه عربية الطابع بوضوح، وهكذا استطاع المؤلف الموسيقى المصرى أن يستفيد من دراساتهم لعلوم الموسيقى العالمية، ويخضعها للاستفادة منها فى مؤلفات الموسيقى المصرية المتطورة، وخاصة إذا كان المؤلف نفسه عازفا بارعا على آلة الكمان.
وفيما يلى نقدم اثنين من مؤلفات الكمان والأوركسترا:
عاشرا: الكونشيرتو المصرى الأول للكمان والأوكسترا، فى سلم سى بيمول الكبير لـ عطية شرارة:
قال الناقد الموسيقى الكبير أحمد المصرى فى تعليقه على حفل أوركسترا القاهرة السيمفونى الذى قدم فيه هذا الكونشيرتو يوم(12 /4/1985 ) ما يلى :
"كتبه المؤلف عام 1977، وبنى حركته الثالثة على اللحن الشعبى (يانخلتين فى العلالى)، وفى هذا العمل يعتمد المؤلف على بعض الجمل والألحان السلسة، ويستغلها أحسن استغلال بلغة هارمونية رصينة تساعد على إظهار طبيعة الألحان المصرية، التى لا تشكل أية صعوبة بالنسبة للمستمع الذى تعود على الاستماع إلى الموسيقى العربية التقليدية.
ونلاحظ هنا أن المؤلف قد استخدم مقاما موسيقيًا مشتركا بين الموسيقى العربية والموسيقى العالمية، وهو سلم سى بيمول الكبير، والذى يقابله فى الموسيقى العربية مقام العجم، وتفنن فى إظهار إمكانيات آلة الكمان فى أداء الألحان المصرية ذات الطابع السلس، ويمكن القول بأن هذا الكونشيرتو يجمع بين أسس الصياغة الأوربية وسلاسة الألحان العربية المستخدمة.
حادى عشر: الكونشيرتو المصرى الثانى فى سلم دو الصغير لـ عطية شرارة
وقد فاز المؤلف عنه بجائزة الدولة التشجيعية فى التأليف الموسيقى عام 1983، ويقول الناقد الموسيقى الكبير أحمد المصرى فى تعليقه على الحفل الذى قدم فيه هذا الكونشيرتو ما يلى :
جاء الكونشيرتو فى ثلاث حركات على النحو التالى :
الحركة الأولى:
بناها المؤلف على لحنى (يا حسن يا خولى الجنينة) و(إن كنت مسافر خدنى معاك)، وتبدأ الحركة بعزف من الأوركسترا، ثم يسمع عازف الكمان المنفرد يقدم اللحن أولا محورا، ثم يؤديه فى صورته الأصلية، ويعزفه بمصاحبة آلة الرق، وبعدها يقدم العازف المنفرد فقرات تكينيكية لإظهار براعته فى العزف، ثم ما يلبث أن يعود اللحن فى صورته الأصلية من جديد، بعدها يتبادل العازف المنفرد أداء اللحن تارة مع الآلات الوترية، وتارة أخرى مع آلات النفخ حتى تختتم الحركة فى قوة ووضوح.
الحركة الثانية: بطيئة وذات طابع غنائى
يقدم فيها المؤلف اللحن السابق محورا وبصور مختلفة، وقرب نهاية الحركة يؤدى العازف المنفرد فقرات تكنيكية تظهر براعته فى الأداء.
الحركة الثالثة: سريعة ونشطة
وهى مبنية كذلك على نفس اللحن الشعبى (يا حسن يا خولى الجنينة)، وتبدأ بعزف من الأوركسترا ثم يسمع العازف المنفرد، وبعدها تؤدى الألحان بالتبادل مع بعض آلات الأوركسترا أحيانا، ومع الأوركسترا كاملا فى أحيان أخرى، حتى ينتهى الكونشيرتو فى قوة ونشاط.
وهكذا عزيزى القارئ نجد أن مؤلفى الموسيقى المصريين قد أثروا المؤلفات الأوركسترالية المصرية بإشراك آلات الموسيقى العربية فى مؤلفاتهم، وحققوا نجاحا كبيرا فى هذا المجال، ورغم أنهم استخدموا مؤلفات موسيقية عالمية، إلا أنهم حافظوا على الهوية الموسيقية المصرية فى تلك المؤلفات ، وأضافوا إليها مذاقا موسيقيا خاصا ميزها عما عداها من المؤلفات.
** أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون