الأربعاء 27 نوفمبر 2024

شخصية فى اية .. الصابرة المساندة لزوجها «رحمة » زوجة سيدنا أيوب

  • 10-6-2017 | 16:41

طباعة

كتب : محمد الشريف

اختارها نبى الله أيوب لحسبها ونسبها فهى حفيدة يوسف بن يعقوب النبى، أحبها لجمالها وعلمها، أعطاها الله من المقومات ما أهلها لتحمل الابتلاء فى الزوج والمال والولد فكانت نعم الزوجة الصابرة التى أخلصت لزوجها ووقفت إلى جواره فى محنته حين نزل به البلاء واشتد به المرض لسنوات طوال دون أن تظهر تأففا أو ضجرا بل كانت متماسكة طائعة، إنها الصابرة المحتسبة «رحمة أو ليا » زوجة نبى الله أيوب.

لا تكاد تذكر سيرة نبي الله أيوب إلا ويقترن بها اسم السيدة رحمة فقد ارتبطا بمصير واحد طوال فترة حياتهما التى استمرت لأكثر من تسعين عاما تقاسما فيها حياة الترف والثروة والصحة والهناء ثم كابدا مرارة الابتلاء الذى ربما لا يستطيع أحد تحملها أو حتى تخيلها، خلد القرآن الكريم سيرتها دون أن يذكر اسمها فضرب بها المثل فى الصبر الجميل وقوة الإرادة واللجوء إلى الله والارتكان إلى جنابه فقال فى سورة «ص »: ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولى الألباب، كما قال فى سورة الأنبياء «وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين .»

كان أيوب عليه السلام من الأنبياء الذين عاشوا فى رغد من العيش، بعثه الله على قوم «أدوم » وأنعم عليه بنعم كثيرة، بسط عليه الدنيا فامتلك أراضى واسعة بالشام وكان له من أصناف من المال لم تكن لرجل أفضل منه في العدد والكثرة، أنعم الله عليه بالمال والولد وأسبغ عليه من الصحة والعافية، رُزق من زوجته «رحمة أو ليا » على اختلاف أقوال المفسرين سبعة فتيان وثلاث فتيات انهار عليهم منزل شقيقهم الأكبر فهلكوا جميعا لتكون تلك الحادثة بداية ابتلاء الله ليس لأيوب وحده بل لزوجته التى فقدت كل أولادها مرة واحدة، والأم حين يمرض ولد لها تكون أقرب إلى الجنون، لكنهما صبرا على قضاء الله إلى أن أتت صاعقة قضت على الأخضر واليابس مما يملكانه من أرض وزرع وماشية.

وتساءلت الزوجة الصابرة عن سبب هذه المصائب المتتابعة فأجابها أيوب عليه السلام: ما من نبى إلا ويمتحنه الله، وقد حان وقت الامتحان، وتضرع أيوب إلى الله يومها طالبا الصبر وكأنه يعلم أن الفرج بعد البلاء لابد أن يسبقه الكثير من الصبر، وزادت عليه المحن وابتاه الرحمن بالمرض فهزل جسده وشحب لونه ونزت جروحه وقروحه، فصبر وصبرت معه زوجته رحمة مؤمنة راضية بكل ما يأتي من الله وانفض الناس من حوله إلا «رحمة » التي بقيت إلى جانبه تسانده، ولما ضاقت بهما أسباب الرزق صارت تخدم عند الناس لتقدم لقمة العيش لزوجها العليل، وذات يوم قالت له : «ادع الله أن يرفع عنك الضر ويمن عليك بالشفاء »، فقال لها أيوب: «والله إني لأستحي من ربي أن أطلب منه ذلك، وهو العليم الخبير بحالي وبشئون عباده، ولو شاء لرفع المرض عني، لقد عشت فى نعيم الله خمسين سنة وأخجل أن أطلب منه شيئا بعد مدة قصيرة من بلائه .»

وسوسة الشيطان

وفي أحد الأيام الشاقة وبعد أن أنهت «رحمة » عملها في أحد البيوت واشترت الطعام وبينما هى في طريقها إلى زوجها المريض تعرض لها شخص ما بدا وكأنه طبيب فقال لها إنني مستعد أن أشفي زوجك على أن يقول إنني شفيته ولا أحد سواي فجاءت السيدة رحمة إلى أيوب وأخبرته بما حدث لها، فعرف أنه الشيطان جاء متخفيا في صورة طبيب يريد أن ينسب فضل الشفاء لنفسه ولا شفاء إلا من عند الله، فما كان منه إلا أن تفل عليه فلم يعد، ونفس الأمر فعلته زوجته سليلة الأنبياء التى تفلت عندما حاول الشيطان تشكيكها فى زوجها.

اشتد المرض على أيوب وسرت شائعة أن مرضه معديا لذلك اتفق أهل «أدوم » أن يخرجوه من بلدتهم ويضعوه في مكان مهين بجوار سلة المهمات، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إن نبي الله أيوب لبث به ب اؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من اخوته كانا من أخص إخوانه له كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال صاحبه وما ذاك قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به »، وكان الشيطان يوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له ووصل بهم الأمر إلا أنهم حدثوه بذلك فجزع سيدنا أيوب كثيرا واشتد همه ومرضه.

تبيع ضفيرتيها

بعد أن خرج أيوب عليه الس ام من بيته صحبته زوجته الصابرة الوفية وعاشت معه فى عريش فى الصحراء، وكانت تخرج يوميا تعمل عند من لا يعرفونها فمن يعرفونها كانوا يرفضون عملها خوفا من إصابتهم بالعدوى من زوجها إلى أن جاء يوم لم تجد فيه عملا وقرصها الجوع فخرجت وباعت ضفيرتى شعرها وكانت مشهورة بجمالها وحسنها، وعادت إلى زوجها واضعة الخمار على رأسها وقدمت له الطعام فاستحلفها أن تقول له من أين جاءت به، فرفعت عن شعرها الغطاء وهنا غضب أيوب –عليه السلام- غضبا شديدا وأقسم أن يضربها مائة جلدة عندما يشفى ورفض الطعام، إلا أن ما حدث هزه من الداخل فدعا ربه أن يرفع عنه البلاء طالبا من ربه الرحمة قال تعالى: «وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين » فانشق المكان بنور وامتلأ برائحة طيبة ورأى ملاكا يهبط عليه من السماء ويقول له «نعم العبد أنت، الله يقرؤك السلام وسوف يعطيك أجر الصابرين » وطلب منه الملاك أن يضرب الأرض برجليه ففعل وخرج منها ينبوع ماء، وطلب منه أن يغتسل فيه وعادت إليه عافيته وشبابه لدرجة أن زوجته لم تتعرف عليه، بل سألته عنه مرددة: «إنه يشبهه إلى حد كبير »، قال تعالى «اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب .»

الشفاء ورفع البلاء

قص أيوب على زوجته ما حدث وطلب منها أن تغتسل من الينبوع، ففعلت، فعاد إليها شبابها ونضارتها، وبقى أمر واحد يؤرق نبينا أيوب وهو الوفاء بيمينه بضرب زوجته مائة جلدة عندما يتعافى لقصها شعرها، كيف يضربها وهى الزوجة الصابرة المحتسبة، ورحمة ب «رحمة » أمره الله تعالى أن يأخذ فئة من حشيش البهائم أو القش ويضمها فى باقة ويضربها بها ضربة خفيفة وفاء لنذره قال تعالى «َوخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب »، وهكذا جزاهما الله تعالى على صبرهما في محنتهما وأحسن إليهما ورد عليهما المال ورزق نبيه عليه السلام من البنين مثل ما كان لديه وذلك مصداق لقوله تعالى: «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى لأولى الألباب .»

رحم الله «رحمة » التى حملت الكثير من اسمها، وورثت عن أجدادها أخلاق الأنبياء والصالحين.

المصادر:

« زوجات الأنبياء » د.مصطفى مراد.

« قصص الأنبياء » لابن كثير.

« نساء الأنبياء » أحمد جمعة.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة