الخميس 16 مايو 2024

حديث النفس.. هذا ليس أنا؟!

مقالات9-12-2021 | 22:35

تنكرا وخوفا.. اغترابا وإنكارا.. عشقا للزيف ورغبة فى الاحتماء والتستر.. ضعفا وخوفا وانفصاما.. غربة بعدما أثقلت الأخطاء نفوسنا.. هى لعبة الإنكار الطفولية التى تمزقنا وتريحنا فنهرب غير مسئولين.. صحوة أو تصحيح مسار لنكتب عن ذاتنا ونتحدث عنها بعدما تطهرنا وإعترافنا بذنوب إقترفناها!!، فنقول هذا ليس أنا!! ومتى أكون أنا؟!.. فلتعد لى أنا حتى ولو كان كلهم «..» سأكون إلا أنا.

 

فى رحلة الحياة دائما ما نجهل معرفة ذاتنا الحقيقية، بل دائما ما ننكرها لتقليد ذوات غيرنا دون التأمل لحاجاتنا النفسية فى رحلة الإشباع التى يمر بها الإنسان وإن كان هذا السلوك نتيجة للتربية منذ الصغر، حيث يعمد الآباء عقد المقارنات بين أبنائهم وغيرهم من الأصدقاء أو الأقارب أو حتى بين الإخوة بعضهم وبعض مما يفقدهم ذواتهم فيدخلون فى دوامة إثبات أنهم أفضل من غيرهم مستجدين نظرات الإعجاب والاستحسان ممن حولهم حتى يكبر الإنسان.. فينسى أن يسأل نفسه عما يسعده أو يحزنه لأنه باختصار أصبح رهينة هذه المشاعر المستقبلة من عند الآخرين.. وفى الغالب نحن نمر بهذه الأمور على مواقع التواصل الاجتماعى، فأصبحنا رهن اللايكات والإشادات لبعضنا البعض حتى نشعر بأننا على الطريق الصحيح.. بل أصبحت مؤشرا لنجاحنا أو فشلنا فى أمورنا، والتى لا يخفى على أحد أن فى معظمها مجاملات ورد الجميل بين أصدقاء الصفحات الإلكترونية، وهذا لا يمنع وجود أعمال ونماذج جيدة.. لكن ردود الأفعال ليست المؤشر الوحيد.. ولا خلاف أن هذا السلوك الذى زرعناه فى أنفس أبنائنا جعلهم تائهين عن معرفة الحجم الحقيقى لأعمالهم ولذواتهم.

 

فأصبحنا نبحث عن صورة أن كلنا رائعون ومبهرون، مما أصابنا بالشقاء فغابت عن أنفسنا حقيقة ما يسعدها أو يؤلمها.. لأننا اندمجنا فى سلوك القطيع.. فتملكتنا رغبة التقليد والحصول على ما فى أيدى غيرنا فنسينا أن نسألها عما تريد فقد يكون أبسط مما فرضناه على أنفسنا من رحلة التعقيدات، التى نسير فيها لتحقيق المعجزات التى يصعب منالها فى ربط الإنسان نفسه بفلك الآخرين فى محاولات عديدة من الصور المزيفة مثل تلك التى تعمد إرضاء الآخرين فلا يعلم متى يقول نعم ومتى يقول لا.. فأصبح يخشى أن يغرد خارج السرب.. فيرى أن المميز والمختلف دائما يحظى بالعداوة والانتقاد أما الذى يفعل ما يرضى الجميع فهو المفضل والمحبب وبدون أن يشعر يربط احتياجاته بالآخرين فيصبح لعبة فى أيديهم.. يمنحون ويمنعون عنه.. وكلما حقق قفزات فى حياته اختصر بها خطوات عديدة لتحقيق هدفه اشتد خوفه من فقدهم.. فيسجن نفسه فى تلك الخانة الضيقة التى جعلته عبدا للناس فلا يشبع.. وكلما حقق نجاحا فى هذا الدرب ازداد تنازلا عن نفسه وابتعد وابتعد عنها.. ويعود ويشكو من مكوثه فى هذه الحالة وينسى أنه من حكم على نفسه بها وأنه كان عليه إذا استعان فليستعن بالله.

 

وتشتد درجات الزيف اتجاه أنفسنا إذا ما حاصرناها بالكتمان والتستر على نمر بها من انهزامات وانكسارات فنتعمد أن نخفيها عن الآخرين.. لأن فى تصورنا أن الكشف عنها سيعيب ويشوه صورنا المزيفة أمام الآخرين فدائما ما يحلو لنا أن نصدر صور النجاح المستديم الخارق حتى نتولى الأدوار المزيفة التى تدعم وجودنا الدائم.. على الرغم أننا ليس لدينا جانبا واحدا فى شخصياتنا، بل نمتلك عدة جوانب من النجاح والفشل والفرح والحزن والانهزام والانكسار داخل كل واحد منا.. فليس كلنا سعداء أو تعساء طوال الوقت.

 

 وقد نهرب من مسئوليتنا أو تحمل أخطائنا فنلقى بها على الظروف أو الآخرين أو المجتمع أو الحظ بدواعى طفولية خوفا من العقاب الذى يستمر مع الإنسان فى الكبر.. غير أن الحياة السعيدة تكمن فى تحمل الإنسان لمسؤولية تصرفاته وأفعاله.

وقد نحرم أنفسنا من التقدم بعمليات اللوم التى نلقى بها على أنفسنا أو نلقى بها على غيرنا فنصاب بالإحباط.. ظانين أن داخل كل إنسان شخص سيئ أو فاشل أو ناجح.. والحقيقة أنه داخل كل واحد منا مقومات النجاح والفشل التى تعتمد عل أسلوب إدراكه للوضع الحالى وكيفية البحث عن إيجابياته حتى ينتقل للأفضل.. والتى لابد أن تعتمد عليه وحده.. فلن يشجعك سوى نفسك وعليك أن تتوقف عن استمداد طاقتك ممن حولك.. فطاقتك تكمن داخلك.. فأنت القادر على إسعادها.. فكلنا لا نسعد سوى بمن يشبهنا بل بمن يقل عنا حتى نشعر بالتفوق والرضا عن أنفسنا فتمتد هذه المشاعر لتشمل رغبتنا فى تفوق أبنائنا دون غيرهم.. هى طبيعة بشرية موجودة لدينا جميعا حتى ولو تظاهرنا بالعكس حتى تصل عند البعض لحالة مرضية بنسب متفاوتة.

 

والسؤال هل يمكن للإنسان أن يعرف ذاته؟ ويتحدث عنها بوضوح؟ أو يكتب عنها؟.. أقول لك إن صاحب الذات الواضحة مع نفسها التى لا تعبأ بمن حولها هى الوحيدة القادرة على مثل هذه الأمور.. فتلك الذات تعلم ما يسعدها وما يشقيها حتى وإن حققت نجاحات زائفة وحصدت إشادات من الآخرين فإنها تعلم حجمها الحقيقى وتعلم مدى استحقاقها من عدمه!! وهى القادرة على تصحيح مسارها باستمرار وتتخلص من الزيف وتتحرك دائما لتربح نفسها.. فهى ذات انتقائية تتمتع بالطاقة الإيجابية التى تستمدها من قوة روحها معتمدة على اليقين فى إيمانها الثابت.

 

ويواجه الإنسان فى رحلة الحياة صعاب وعقبات يحتاج معها للصبر والإرادة التى تمنحها له روحه وقلبه وإيمانه بقدرته على تخطى هذه الصعاب على الرغم أنه قد يرى أنه غير مستحق لها، فالصبر دائما مر المذاق لا يكون إلا على أمور كرهناها طالما فعل الإنسان ما عليه وقد يكون لأمد طويل.. فيتجلى فى مسئولية الإنسان لتحقيق أهدافه فهو أمر الله فأصبر حتى يأتيك اليقين.. وهو ما يعنى أن نعمل ما علينا وننتظر المكافأة من الله.. فالكون لا يتصالح سوى مع النفس السوية وكثير منا من يسير فى الطريق غير الصحيح لتحقيق هدفه ويظل يعافر فى نفس الطريق أو بنفس الطريقة فيصاب بالفشل.. وإذا ما عاد لنفسه وتأمل واختار طريقا أو طريقة أخرى فإنه سيحقق النجاح الذى يبتغيه فما خلق الله إنسانا ناجحا أو فاشلا فقط عليه أن يراجع نفسه ويكون من الوضوح حتى ينجح.

 

 وفى معركة إرضاء الآخرين قد نصاب بالإحباط فنعود لأنفسنا لنرضيها.. فكل شخص خلق على إرضاء ذاته ولم يخلق لإرضاء الآخرين.. فيولد بهذا الشعور حتى ولو اتهم بالأنانية.. وإلا فالذين يطالبونه بإرضائهم ماذا يكونون؟! أليست هى الأنانية بعينها؟!. فالإنسان حينما يرضى نفسه يصبح أكثر إشراقا ونفعا لنفسه وللآخرين أيضًا.

 

وكثير ما نخلو لأنفسنا نحاسبها فنقف على أمور لا نرضى عنها اضطررنا للقيام بها، ولكننا افتقدنا الشجاعة لرفضها أو تحلينا بالصمت إرضاء للآخرين.. ولكن هذا الصمت شوه أنفسنا وجعلها عاجزة عن الشعور بالسعادة أو خونا أنفسنا فقدمنا مصالح الآخرين على مصالحنا، ولم نحصل على العائد الذى فى الغالب يكون معنويًا.. فشعرنا أننا أضعنا أعمارنا فى سراب وأمور غير مستحقة.. لكن هذه المحطات التى نعود لأنفسنا فيها لابد أن يسبقها مراحل من الإحباط والفشل فى دوامة الحياة التى تستنفد طاقتنا فتجعلنا لا نفكر قبل أن نخطو فى روتين يومى وحياتى طالما لم يحدث ما يعاكسه وكأننا آلات لا تشعر ولا تحس ظانين أن لدينا شعور بالرضا.. أنه ليس شعور بالرضا أو الطمأنينة.. قد تكون سعادة زائفة احتمينا وتسترنا وراءها بسبب عدم حدوث الجديد الذى يعكر صفوها فاعتقدنا أنها جيدة، ولكن فى كثير من الأحيان ما تحدث مفاجأت على غير توقع فنتوقف للمراجعة والمحاسبة التى نقول فيها «أين أنا؟!» أو «لم أكن أنا» الذى يتمتع بالفطرة السليمة والروح النقية التى تبعث الراحة.. هربنا منها كثيرا بحجج وعلات عديدة نعلم أنها واهية لكن وجدنا راحتنا فى الكسل الذى يجعلنا نستمر فيها أو ربما للكسل فى سهولة الوصول للأهداف التى قد نصل إليها بقفزات ضد قانون التدرج.. سَرَقَنا غيرنا.. أو سَرَقْنا غيرنا.. لكن حتما ستعود الأمور لنصابها.. بعدما سيرنا فى رحلات من الاغتراب عن أنفسنا.. قد تكون رحلات من الضلال لنفيق بعدها لنقول هذا ليس أنا!! فلتعد لى أنا حتى ولو كان كلهم «..» فأسكون أنا.