الإثنين 20 يناير 2025

المرأة فى حياة عمر بن الخطاب

  • 5-2-2017 | 13:57

طباعة


 

كان عمر بن الخطاب يقدر هذه المهمة الجليلة، ويؤمن بدور المرأة فى الحياة، وكان يعجب من النظرة الاجتماعية المتدنية للمرأة قبل الإسلام، ومما أثر عنه فى هذا الصدد: "كنا فى الجاهلية لا نعد المرأة شيئا، وكان الرجل إذا أراد من المرأة شيئا سفعها (أى شدها وجذبها من ساقها وقضى حاجته ثم تركها) حتى جاء الإسلام فأنصفها".

 

وما من شك فى أن هذه العبارة تدل على أن المرأة قبل الإسلام كانت تعيش حياة مهنية ليس منها احترام لآدميتها، ولا لكرامتها، بل ولا لمشاعرها الخاصة كأنثى، وكانت العلاقة الخاصة بينها وبين الرجل أدنى احتراما من علاقته بالفرس الذى يركبه، أو الشاة التى رعاها، وقد ظلت هذه النظرة قائمة حتى جاء الإسلام فأنصفها وكرمها، وقرر لها حقوقا متساوية مع الرجل فى كافة الجوانب الحياتية والدينية إلا ما يتعلق بطبيعتها كأنثى اختصها الله بما لم يختص به الرجل من الأمومة والحنان اللازمين لتكوين أجيال سليمة، ومتكاملة البناء من الجانبين النفسى والبدنى.

 

وفى هذا يقول النبى - صلى الله عليه وسلم  -: "النساء شقائق الرجال"، ويقول الله تعالى: "ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة"، فسوى بين المرأة والرجل، وجعل عبء الإنفاق المادى والرعاية المالية اللازمة للزوجة على زوجها، ولهذا جعل للرجل عليها درجة فى الواجبات وليس فى الحقوق، وهى درجة التزام ومسئولية تعوض المرأة ما تتحمله من عناء الحمل وألم الوضع، ومشقة التربية والقيام على واجبات الصغير، ومن ثم تقوم الحياة بينهما على أساس من التكافؤ والتساوى الذى لا يجعل لأى منهما تميزا على الآخر.

 

وقد بلغ من اهتمام عمر بن الخطاب بالمرأة وحرصه على إنصافها، أنه وهو خليفة وأمير للمؤمنين قد جعل من اختصاص وظيفته كأمير للمؤمنين أن يفصل بين الزوجين فى الخلافات التى تنشأ بينهما، وكانت الثقافات هى المضادة لحقوق المرأة الزوجة إذا صدر من زوجها ما يضر بها هددته بأنها ستشكوه إلى أمير المؤمنين عمر، وكان بيته مفتوحا لقبول تلك الشكايات من الأزواج ومن الزوجات، حيث كان الزوج إذا تعالت عليه زوجته أو صدر منها ما يؤلمه ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشكوها له، وقد حدث ذات مرة أن زوجة آلمت زوجها فقرر أن يشكوها لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ولما وصل إلى باب داره، وهم بطرق الباب سمع تلاسنا من زوجة عمر بن الخطاب رفعت فيه صوتها عليه وراحت تعيره بأنها منذ أن تزوجته لم تر معه يوما راحة، ومما قالته له: يا غليظ الطبع، يا خشن الثوب يا فظ الكلام، يا شحيح العيش، وأمثال ذلك من الألفاظ التى تقولها كل زوجة لزوجها عادة عندما تتشاجر معه، فلما سمع الرجل ذلك خجل من نفسه، واستدار منصرفا قبل أن يطرق الباب وعاد أدراجه من حيث أتى، فلمحه أمير المؤمنين وهو يهم بالانصراف، فنادى عليه أن أقبل، فأقبل الرجل عليه، وسأله أمير المؤمنين:  ما شأنك، وماذا كنت تريد؟ وقال له يا أمير المؤمنين، إننى جئت أشكو لك مما تستحق أنت أن تشكو منه، فقد سمعت من زوجتك ما هو أقسى مما سمعته من زوجتى، فقال له عمر بن الخطاب:  ومع ما قالته وأكثر أتدرى لماذا أحبها وأتمسك بها، إنها تضيء بيتى، وترعى ولدى، وترقع ثوبى، وتصنع طعامى، وتملأ على حياتى، وبدونها ما استطعت أن أقوم على مصالح المسلمين، لأنها تكفينى من شئون حياتى ما لو شغلت به لعجزت عن القيام بواجب الإمارة على المسلمين، ثم قال له: ولا تنسى أن الله تعالى يقول: "فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"، وأن النبى - صلى الله عليه وسلم – يقول: "لا يفرك مؤمن مؤمنة" أى لا يبغض زوج زوجته، إن كره منها خلقا فقد رضى منها آخر، فانظر إلى الجانب المضيء فى زوجتك، ولا يغلبنك ما يطرأ منها من إساءة قد تعذر فيها فتدمر حياتك، وتظلم أهلم وأولادك وأسرتك وتحمل الناس منهم مالا يطيقون.

ولما وجد أن زوجات الجند يتألمن من غيابهم فى الميدان بعيدا عنهن سأل حفصة، قائلا: كم تصبر الزوجة على بعد زوجها، فخجلت كأنثى من هذا السؤال، وقالت له فى خجل: يا أمير المؤمنين لا تنس أنى امرأة، ثم أشارت له بيدها وهى ترفع ثلاثة أصابع مرة، وأربعة مرة أخرى، ففهم من إشارتها أن أقصى مدة تقدر الزوجة فيها على تحمل غياب زوجها ما بين ثلاثة أو أربعة أشهر، فأصدر مرسوما بأن لا يغيب الجندى عن زوجته أكثر من أربعة أشهر، ولا يخفى موقفه من المرأة التى كان أولادها يبكون الجوع وهى تضللهم بطبخ الحصى فلما سمعها تفوض أمرها لله فى أمير المؤمنين حين لم يرهم، ويدبر حالهم، فما أن سمع قولها حتى عاد إليها بالدقيق والزيت والطعام وجلس يجهزه معها، وهى لا تعلم أنه هو رضى الله عن عمر بن الخطاب.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة