الخميس 2 مايو 2024

حياة نجيب محفوظ

مقالات14-12-2021 | 19:38

تحِّل علينا هذه الأيام ذكري ميلاد الأديب المصري والعربي الأشهر نجيب محفوظ، وُلد في 11 ديسمبر عام 1911 وتوفي في 30 أغسطس عام 2006، نجيب محفوظ من المعمرين في الدنيا، إذ عاش قرابة قرن من الزمان، وظل يكتب الأدب بانتظام منذ عام 1938 حتي عام 2004، وهو ما مكنه من أن يكون صاحب أطول تجربة روائية وقصصية في تاريخ الأدب المصري والعربي، بل وعساه في العالم أيضًا.

وهو ما لمسناه في رواياته وقصصه التي رصدت أحداث الوطن في أكثر قرون التاريخ أهمية - القرن العشرون - بتفاصيل إنسانية دقيقة، فلم يلجأ نجيب محفوظ في أدبه إلي التقرير التاريخي أو الخطابة السياسية أو النمط التقليدي في عرض الفكرة، وذلك نجده حتي في رواياته الثلاث الأولي التي عبرت عن التاريخ الفرعوني (عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة) لم يأخذ العرض التاريخي الحرفي لأبطال رواياته، بل كان أكثرهم شخصيات من وحي خياله وافتراضية في التاريخ وظفهم لاستنطاق الفكرة الفلسفية في قالبها الأدبي.

لم ينتم نجيب محفوظ -مثل غالب الأدباء- في حياته الأدبية إلي حقبة زمنية معينة أو ظرف تاريخ محدد، إنما عايش أحداث قرن من الزمان بوعي حقيقي ومدركات كاملة؛ عايش نجيب محفوظ أحداث ثورة 1919 وصار شابًا في فترة ما بين الحربين (1914- 1945) ونستطيع أن نقول بأن نجيب محفوظ في تلك الفترة -وما بعدها- اشتبك مع الواقع عمليًا بدءًا من المرحلة الواقعية في أدبه (ما بين رواية القاهرة الجديدة والثلاثية) وصولًا لثورة 1952 التي كان قد اعتكف بعدها بعيدًا عن محراب الرواية ليكتب للسينما "السيناريو".

بدأ في مطلع الستينيات حقبة أخرى من النمط الروائي غلب عليه الطابع الفكري والفلسفي جاءت ذروته في الرواية الأكثر جدلًا في الأدب العربي (أولاد حارتنا) ثم تبلور في سياق أدبي يحمل نقد سياسي لاذع مغلّف بالرمزية، تجلّي في روايات مكثفة فنيًا وصغيرة نسبيًا، تختلف في بنيتها السردية عن الروايات السابقة له، وتحولت جميعها إلى السينما مثل (اللص والكلاب، السمان والخريف، الطريق، الشحاذ، ثرثرة فوق النيل، الكرنك، ميرامار).

يمكن اعتبار أن سنوات السبعينيات هي قمة النضج الفني والإنساني لمحفوظ، ظهرت فلسفته في الحياة بشكل واضح بعدما خاض معترك الرواية والقصة واستخرج من أعماقه كافة تساؤلاته الوجودية والثورية الذاتية، ليقدم لنا في - السبعينيات - خلاصة تجربته الإنسانية في فترة الشباب في رواية "المرايا"، وسخطه علي مفردات العصر وانقلاب الهرم الاجتماعي واختلال منظومة القيم الاجتماعية إذ نجد روايتي "قلب الليل" "وحضرة المحترم" وقصة "أهل القمة".

وفي سياق تمرده الدائم علي الواقع يحلق بعيدًا عن الواقعية متجنبًا تفاصيل الحياة وملامحها المعتادة وكأنه زهدها أو تشبّع بها ليقدم لنا عملا فريدًا لا نستطيع التركيز في تفاصيل الشخوص والأحداث دون اقتحام الفكرة "ملحمة الحرافيش" التي عبرت عن جدلية أصيلة في حياة البشر ودافع ومحرك لها وهي جدلية "القوة والعدل" ، لتتوالى بعدها سلسلة من روايات الأجيال علي غرار "الثلاثية" بمساحات سردية مكثفة مثل روايتي (عصر الحب، قشتمر) وكأنه من خلالها يلقي بسلامه الأخير علي الراحلين ويترك رسالة من تجربة حياته وخلاصتها للأجيال القادمة، كما ظهرت بشكل أكثر وضوحا في المجموعات القصصية التي كتبها في فترة ما بعد فوزه بجائزة نوبل حتي توقفه عن الكتابة.

حياة نجيب محفوظ طويلة عمريًا وفكريًا ما انعكس وأثّر بشكل كبير علي إبداعه المتنوع المتخطي لحواجز الزمن .

Dr.Randa
Dr.Radwa