الأربعاء 26 يونيو 2024

صوت مطرب «القدس» فى خطر

18-6-2017 | 10:01

بقلم : محمد المكاوى

منذ ثلاثين عاما أو يزيد قليلاً، أشارت إليه الفنانة الراحلة فايزة كمال وهي تقول حيث تجلس بين مقاعد المتفرجين: هذا هو بطل المسرحية .. كنت أجلس بجوارها في مسرح البالون وأتابع بروفات المسرحية وهو علي المسرح يؤدي أحد الألحان وبعدما انتهي منها نادته لتقوم بمهمة التعارف بيننا ومن وقتها أصبحنا أصدقاء، وبدأ يتردد علي دار الهلال ومجلة «الكواكب» تحديداً لدرجة أن العاملين في المجلة كانوا يستغربون لو مر يوم دون أن يأتي ويسألونني: صاحبك جاي النهاردة؟ فقد كانوا دائما ما يلتفون حوله ليغني لهم ما يطلبونه، فهو أحد اكتشافات «الكواكب»، وأول من كتبت عنه وعن صوته الشجي الجميل وتنبأت له بالنجاح، باعتباره واحداً ممن لديهم القدرة علي الإسهام في عودة الروح للمسرح الغنائي نظرا لصوته القوي والمعبر، حيث ينتمي إلي جيل ما بعد علي الحجار ومحمد ثروت وسوزان عطية وتوفيق فريد...

كانت أقدامنا تتحمل أجسامنا ونحن نسير بالساعات في شوارع وسط البلد وهو يغني وأنا أستمع.. «كفاية نورك عليه» ، «بحلم بيك»، «نار»، «جبار» وذلك قبل أن تصبح له أغنياته الخاصة في ألبوم غنائي يحمل اسمه.

وطوال عمر طارق منذ أن عرفته يؤمن تماما بأن للفن هدفاً ورسالة وهو حريص عليها، ولهذا 90% من عطائه الغنائي والموسيقي يعتز به إلي أبعد مدي ويسعده أنه قدمه أيام كان في قمة الحيوية والنشاط، ويكفيه مثلا أغنيات «لازم نخاف» هذه الأغنية الرائعة شديدة الإنسانية، و«كان نفسنا» بكلماتها البديعة ولحنها الذي يجمع بين التعبير والتطريب وملحمة القدس وقصص الأنبياء والعشرة المبشرون بالجنة وفى زمن الردة للشاعر الكبير فاروق جويدة وهي أروع ما غني ولحن.. هذه الأعمال وغيرها سوف تبقي لتضيء تاريخه واسمه ولأولاده - بعد عمر طويل- راندا التي تدرس في السنة النهائية بكلية الإعلام وتتمني أن تصبح قارئة لنشرة الأخبار بالانجليزية وعبدالله طالب المرحلة الثانوية.

وما دعاني إلي الحديث عن طارق فؤاد هذا الأسبوع هي أزمة خطرة أعرفها منذ أشهر طويلة تهدد عمله وحياته كلها.. وكان يرفض أن أكتب عنها ولكن أمام تدهور حالته لم استطع أن أقف مكتوف الأيدي .. هذه الأزمة التي أصبحت تتفاقم يوما بعد يوم ولا يجد حلا لها أثرت علي سلامة صوته وحنجرته وقدرته علي الكلام.. فماذا حدث للفنان الكبير؟ الحكاية بدأت منذ سنوات بعيدة وهو طفل صغير - ورث عن أمه - حساسية بالصدر وأصبح يتلقي له علاجا منتظما ولما وصل إلي سن العشرين بدأ في استعمال البخاخات وفي سن الثلاثين بدأ يعالج بالكورتيزون، وظل هو علاجه الوحيد طوال العشرين عاما الماضية، حتي فوجئ قبل بضع سنوات بأنه يؤثر علي أحباله الصوتية وتطورت الحالة فأصبح كل خمس دقائق من الكلام أو الغناء يفقد صوته فجأة ولا يستطيع النطق ويبدو أن كثرة الأدوية أصابته بارتجاع في المرئ - حسب تأكيدات الأطباء- وهذه المادة الحمضية تشبه المادة الكاوية فتزيد من التهاب الأحبال الصوتية وتزداد حالته سوءاً وطوال مراحل العلاج خضع للإشراف الطبي علي يد خمسة من كبار الاستشاريين هم د. محمد كمال استشاري أمراض الباطنة ود. طارق صفوت استشاري أمراض الصدر والجهاز التنفسي وهو من حذره من فقدان صوته وتغير نبراته ونصحه بضرورة التوقف عن تناول الكورتيزون ود. محمد الشيخ استشاري الأنف والأذن والحنجرة والأحبال الصوتية ود. حسام شوقي أستاذ طب التخاطب.

لكن للأسف جهود كل هؤلاء الأطباء ومحاولتهم لعلاج ما أصاب الأحبال الصوتية للمطرب والفنان الكبير لم تحقق النتائج المرجوة وأجمعوا في النهاية علي ضرورة استكمال علاجه بالخارج.

ولا يخفى علي أحد أن طارق كمطرب وفنان موارده محدودة ونفقات العلاج تتكلف الكثير، وهو لم يعد يملك شيئا يعينه علي مواصلة العلاج بعدما تم استنزاف كل ما لديه في السنوات الخمس الأخيرة وبذلت نقابة المهن الموسيقية برئاسة النقيب المطرب الكبير هاني شاكر وهو المثل الأعلي لطارق منذ أن كان طالبا في معهد الموسيقي العربية أقصي ما تستطيع ، فساهمت بمبلغ 500 جنيه شهريا من قيمة التكلفة الباهظة التي تتحملها نفقات علاجه.

وفي ظل مصاعب الحياة التي أصبحت تحيط بنا كلنا والارتفاع الجنوني في أسعار كل شيء وفي ظل أن طارق نفسه أصبح لا يعمل ولم يكن له مورد للدخل غير صوته وألحانه فزاد ذلك من ألمه النفسي والجسماني ولم تتوقف آلامه عند هذا الحد بل زادت وتضاعفت أمام جحود ونكران المطربين والمطربات الذين تغنوا بألحانه ذات يوم وأوجعتنا آهاتهم علي الحبيب الذي فارق أو المحبوب الذي غدر أو أثاروا فينا المشاعر الإنسانية عبر ظهورهم في الإعلانات لحث المشاهدين علي التبرع للمحتاجين من المرضي والفقراء.. بعض هؤلاء المطربين ياسادة تهربوا حتى من الرد علي تليفوناته، ولا حرج إذا ذكرت أسماء بعينها.. شيرين .. آمال ماهر.. أنغام .. ريهام عبدالحكيم.. مي فاروق.

وطارق لا يطلب منهم مساعدة أو إحساناً.. ولكن لديه ألحان وضعها قبل مرضه وفقدان صوته ويريد فقط أن يُسمعها لهم بعضها وضعها لنفسه وبعضها الآخر وضعها لغيره ولكن فوجئ بتهربهم منه بمجرد علمهم أنه يعاني المرض وتقلبات الزمن.. ياالله .. لماذا كل هذا الجحود ونكران الجميل.. لقد رأيت وسمعت كثيراً من أصحاب الأصوات الغنائية وهم يطاردونه من أجل الغناء معه أو الغناء من ألحانه واليوم يتهربون منه ومن اتصالاته!!

إننا نناشد السيد وزير الصحة الدكتور أحمد عماد بإصدار قرار عاجل لإنقاذ صوت المطرب طارق فؤاد واستكمال علاجه بالخارج ليعاود استئناف حياته ونشاطه.

طارق لم يبخل يوما علي بلده والتبرع بالغناء فيها في مناسبات عدة وهو من غني من ألحان الراحل بليغ حمدي «أنا من البلدي دي» وحق علي بلده الآن ألا تفرط في أبنائها وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.