الأحد 30 يونيو 2024

عام الضباب ولحظة الحسم 3

20-6-2017 | 20:03

بقلم : إقبال بركة

بعد «ثورة التصحيح » التى تغلب فيها الرئيس السادات على من أسماهم «مراكز القوى » أعلن أن عام 1971 سيكون عام الحسم قائا بالنص: «لن أسمح أن تمر سنة 1971 دون أن تُسم هذه المعركة »، وقال فى خطبة أخرى «إن هذه السنة سنة 1971 سوف تكون حاسمة فى أزمة الشرق الأوسط.. وإن هذه السنة يجب أن تشهد - بعون الله - تحركنا العملى نحو إزالة آثار العدوان، أقول وأكرر إن سنة 1971 حاسمة، وإذا اقتضت المعركة أن يكون هناك مليون من الضحايا فنحن على استعداد لذلك.. !»

وسعد زوجى بهذه التصريحات وتهيأ نفسيا للحظة الحاسمة، لحظة الانتقام لزملائه الذين استشهدوا عام 1967 ، ولكن.. مر عام 1971 وبدأ العام الذى تاه والسادات يردد نفس الوعود, وأطلق الشباب على تلك المرحلة «الا حرب والا سلم »، وانتشرت بينهم عشرات النكت التى تسخر من وعود السادات بالحرب، وفى خطاب ألقاه في يناير 1972 تذرع باندلاع الحرب بين باكستان والهند كسبب لتأجيل الحرب، وما كاد ينتهى من خطابه حتى اندلعت فى الجامعة ثورة عارمة من الغضب عبر عنها الطاب بالاعتصامات والمؤتمرات الطلابية والهتافات والبيانات، لم يقتنع شباب الجامعات بحجة «الضباب » الذى ساد العالم نتيجة للصراع بن أمريكا والاتحاد السوفيتى فى باكستان.

كنت فى مجلة «صباح الخير » التى بدأت أنشر فيها بعض القصص القصيرة والتحقيقات الصحفية، ودخلت الصحفية الراحلة نجاح عمر وعلى وجهها  إمارات الفزع وأعلنت «سمعتوا اللى حصل؟ الجامعة فيها زلزال ». سألها صبرى موسى عما تعنيه ؟ فأجابت «الطاب عاملن مظاهرات فى كل الكليات فى عن شمس والقاهرة .»

ثار الشباب على السادات فأمر باعتقالهم فى سجون القلعة وطرة وأبو زعبل، وكانت تصلنا منهم قصائد الشيخ إمام ورفيقه الشاعر فؤاد نجم اللذين مآ الدنيا أشعارا وألحانا كان يتغنى بها المعتقلون والشباب فى كل مكان: أنا رحت القلعة وشفت ياسن - حواليه العسكر والزنازين.. والشوم والبوم وكلاب الروم - يا خسارة يا أزهار البساتين.. عيطي يا بهية على القوانن. وتذكرت زوجى العزيز وهو يتألم فى صمت كلما سمع أغانى الثنائى نجم والشيخ إمام التى انتشرت بين الشباب تسخر من الجنود المصرين العائدين من المعركة بعد هزيمة حرب يونيو « 1967 الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا - يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار »، و «وقعت من الجوع ومن الراحة - البقرة السمرا النطاحة .»

بعد عبور الجيش إلى الضفة الشرقية والهزيمة المنكرة التى اعترف بها العدو الإسرائيلى اختفت هذه النغمة الساخرة الانهزامية وحلت مكانها نغمة أخرى مليئة بالصحوة والاعتزاز وبدأ الشباب يردد أغنية نجم وإمام «مصر يا امة يا بهية - يا أم طرحة وجلابية .»

جلست بجوار التليفون أنتظر ببالغ القلق مكالمة من زوجى الذى لم أتلق منه أية اتصالات هاتفية منذ أن غادر البيت فجأة قبل اندلاع الحرب بثلاثة أسابيع، وكان السؤال الذى يطن فى رأسى ليل نهار هو: هل استُشهد أم ما زال حيا يستكمل مهمته التى ظل يحلم بها منذ أن التحق مهندسا بالجيش المصرى؟ لا أخبار من الجبهة سوى عن القتال وبسالة الجنود المصرين وحالة الارتباك الشديدة التى أصابت العدو الإسرائيلى.

فى بحثى الدؤوب عن أخبار الحرب قادتنى قدماى إلى مبنى التليفزيون ووجدتنى أدخل «المركز الصحفى للمراسلين الأجانب .»

ونستكمل الحكاية الأسبوع المقبل بإذن الله..