الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

إبراهيم حجاج.. أول من استخدم آلة القانون مع الأوركسترا

  • 23-12-2021 | 23:40
طباعة

احتل مؤلف الموسيقى المصرى إبراهيم حجاج (1916 -1987 ) مكانة متميزة فى الحياة الموسيقية المصرية والعربية، بما قدمه من مؤلفات موسيقية فى مجالات متنوعة ،سواء فى الموسيقى التى ألفها للأفلام الروائية المصرية أو للعروض المسرحية أو للأعمال التليفزيونية والإذاعية ،كما أن له الكثير من المؤلفات الموسيقية البحتة، بالإضافة إلى قيامه بالتوزيع الموسيقى لألحان غيره من الملحنين المصريين.

ولد إبراهيم حجاج فى حى بولاق بالقاهرة فى الرابع عشر من أبريل عام 1916، أحب الموسيقى منذ الصغر، وكان فى طفولته يجمع الزجاجات ويضعها بجوار بعضها ثم ينقر عليها بالملعقة، وكان يشعر بسعادة كبيرة عند سماعه الأصوات الصادرة عنها، كما كانت تمر بالقرب من بيته فرقة الكشافة النوبية فتبهره بعزفها ،وكثيرا ماكان يضيع فى الشوارع، عندما كان يسير وراء تلك الفرق من فرط إعجابه بما كانت تعزفه، وقد كان أهله يلاقون الأمرين عدة مرات فى العثور عليه فى أحد أقسام الشرطة، أو فى بيت أحد الغرباء، عن طريق (المنادى) الذى كان تستأجر لهذا الغرض.

فى عام 1930، التحق إبراهيم حجاج بمعهد فؤاد الأول للموسيقا العربية، وكان عمره آنذاك أربعة عشر عاما حيث درس فى قسم الموسيقى العربية بالمعهد، فتعلم عزف آلة الكمان على الأستاذ الأرمينى (أرميناك)، كما درس علوم الموسيقى على الأستاذ اليونانى (كوستاكى)، وبالإضافة إلى ذلك فقد تلقى إبراهيم حجاج دروسا خاصة فى الكتابة للأوركسترا على الأستاذ الإيطالى (كانتونى) الذى كان فى ذلك

الوقت مديرا لدار أوبرا القاهرة (القديمة)، وكذلك فقد تلقى دروسا فى علوم الموسيقى العربية على الأستاذ (صفر على)، ودرس الموشحات على الأستاذ (درويش الحريرى) الذى كان حجة فى هذا المجال، ويرجع لهؤلاء الخمسة الفضل فى تكوين شخصية إبراهيم حجاج الموسيقية.

وفى معهد فؤاد الأول للموسيقا العربية – حيث كان حجاج يدرس – تكونت فرقة موسيقية ضمت آلات الموسيقى العربية والغربية معًا، تحت قيادة الأستاذ (كانتونى)، حيث كانت الفرقة تضم آلات الناى والقانون والعود إلى جانب آلات الفلوت والأوبوا والكلارينيت والساكسفون والوتريات، وكانت تلك الفرقة تقدم فى حفلات المعهد مقطوعات لبعض الموسيقيين الأحياء فى ذلك الوقت، وكان الأستاذ (كانتونى) يقوم بتوزيعها موسيقيا، وكان يتنبأ لإبراهيم حجاج بمستقبل باهر فى عالم الموسيقى، وتقديرا له فقد أهداه المدونات الموسيقية للمقطوعات التى قام بتوزيعها مكتوبة بخط يده.

وأثناء إنعقاد المؤتمر الدولى للموسيقى العربية عام 1932، أتيح لإبراهيم حجاج أن يستمع إلى العديد من الفرق الموسيقية الزائرة ، كما أنه استمع إلى (أم كلثوم) لأول مرة فى حفلات ذلك المؤتمر، ثم تعرف عليها فيما بعد عندما قامت ببطولة فيلم (عايدة) الذى قام هو بتأليف موسيقاه وبالتوزيع الموسيقى لألحان أغانيها.

وفى عام 1935 تخرج إبراهيم حجاج فى المعهد، وعين مدرسا فى وزارة المعارف، وبعد عام ونصف استقال من عمله، وقام بالتدريس فى معهد الاتحاد الموسيقى الخاص بحى عابدين فى القاهرة، وفى عام 1946 قام بالتدريس فى معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، الذى تخرج فيه قبل أحد عشر عاما. وكان حجاج منذ تخرجه حريصا على تثقيف نفسه، بالإطلاع على كل ما يصل إلى يده من كتب فى مجال الموسيقى، أو فى غيرها من المجالات، وكذلك فقد كان حريصا على شراء أسطوانات الموسيقى العالمية، وشراء المدونات الموسيقية لبعض المؤلفات التى كان يحصل على تسجيلاتها، ومن خلال النصوص الموسيقية كان حجاج يدرس تفاصيل البناء الموسيقى للعمل من كل جوانبه، وقد أفاد من تلك التجربة فائدة كبيرة فى حياته العملية فيما بعد.

كون إبراهيم حجاج فرقة موسيقية عربية كانت تقدم الموسيقى العربية التقليدية فى الإذاعة المصرية، ولكن المشرف على الموسيقى بالإذاعة فى ذلك الوقت كان رجلا شديد التعصب للتراث الموسيقى القديم، ولم يكن لديه أى استعداد لتقبل أى تجديد يتناسب مع العصرفى ذلك الوقت، ولما ضاق إبراهيم حجاج بهذا اللون من الموسيقى، قام بحل فرقته الموسيقية، وكون أوركسترا صغيرًا ضم الآلات الوترية وآلات النفخ الخشبية والنحاسية وآلات الإيقاع، واستعان بعازفين مصريين وأجانب، ثم قدم برنامجا من الموسيقى العالمية بجانب مؤلفاته هو، فما كان من ذلك المسئول فى الإذاعة إلا أن قام بإلغاء عقد إبراهيم حجاج مع الإذاعة ومنع التعامل معه فى الإذاعة المصرية طوال مدة وجوده فى ذلك المنصب ، باعتبارأن ما قام حجاج - من وجهة نظره- إفساد للموسيقى العربية، وبعد عن التراث الذى يجب أن يلتزم به ولايخرج عنه ويقوم بما قام به.

وهكذا كانت طريقة التفكير المتحجرة هذه تقف فى وجه كل محاولة للتجديد والتقدم، من حيث استخدام آلات أوركسترالية بدلا من الاقتصار فقط على آلات الموسيقى العربية.

والجدير بالذكر أن الآلات الموسيقية سواء كانت عربية أم أوكسترالية فإن عازفوها يؤدون النغمات المدونة أمامهم فى المدونة الموسيقية سواء كان ذلك فى الأوركسترا أو فى فرق الموسيقى العربية، ولكن الاستخدام الواعى للأوركسترا السيمفونى فى الموسيقى العربية يتيح إمكانيات أكبر بكثير للتعبير والتصوير، لا يمكن لفرق الموسيقى العربية أن تفى بها، من حيث أن الأمر فى النهاية يتوقف على قدرات المؤلف الموسيقى ومدى موهبته ومدى استفادته من علوم الموسيقى العربية والعالمية وكيف يستطيع أن يسيطر على آلات الأوركسترا، ويحصل منها على كل ما يريد مع المحافظة على الهوية العربية فى الموسيقى التى يؤلفها.

 فالجميع يدرسون علوم الموسيقى العربية والموسيقى العالمية ويؤدون النماذج العملية التى تعمق فهمهم لفن الموسيقى سواء من حيث إستخدام الصيغ الموسيقية أو اللغة الهارمونية أو الأساليب الكونترابونطية، وكيفية الكتابة لآلات الأوركسترا المختلفة وكيف يختار لكل منها النغمات التى تناسب لونها الصوتى ومساحتها الصوتية، حتى يحقق هدفه الذى يسعى إليه، وبالأسلوب الذى يميزه عن غيره من المؤلفين الموسيقيين.

وأمام هذا الموقف المتعنت الذى واجهه إبراهيم حجاج من المسئول عن الموسيقى فى الإذاعة المصرية ، فقد إتجه إلى تأليف الموسيقى للأفلام الروائية المصرية، وفى عام 1951 كونت الإذاعة المصرية أوركسترا سيمفونى، وفرقة للموسيقى العربية أطلقت عليها (فرقة موسيقى الإذاعة المصرية) وتولى قيادة الفرقة الأخيرة كل من (عزيز صادق – عبدالحليم نويرة – على فراج – عطية شرارة- إبراهيم حجاج.. وغيرهم) وقد ضمت هاتين الفرقتين موسيقيين موهوبين، اشتهروا فيما بعد فى الحياة الموسيقية المصرية والعربية، نذكرمنهم (محمدعبده صالح وعبدالفتاح منسى) قانون، (جورج ميشيل وعبدالفتاح صبرى)عود، و(أنور منسى واحمد الحفناوى)كمان، و(إبراهيم عفيفى)رق.. وغيرهم.

وقد قدمت تلك الفرقة إنتاجا موسيقيًا جديدًا للموسيقيين الأحياء فى ذلك الوقت،فحل محل مؤلفات البشارف والسماعيات التقليدية، أما أوركسترا الإذاعة المصرية فقد تولى قيادته كل من (محمد حسن الشجاعى – عبدالحليم على – محمود عبدالرحمن )، وقدم الأوركسترا مؤلفات موسيقية عالمية، ومؤلفات مصرية متطورة، كما شارك ذلك الأوركسترا فى عزف موسيقى الأفلام الروائية المصرية، والتمثيليات والباليهات، وبعد قيام ثورة 23 يوليو1952 شارك الأوركسترا فى عزف موسيقى الأغانى والأناشيد الوطنية التى عبرت عن تطور المجتمع المصرى والأحداث التى مربها فى ذلك الوقت وما تلاه.. وبعد ذلك تولى إبراهيم حجاج تكوين وقيادة أوركسترا الفرقة القومية للفنون الشعبية، وألف الموسيقى لعرضها الأول، وكان يتكون من إحدى عشرة رقصة مختلفة، وكان يشرف على تلك الفرقة ثلاثة من الخبراء الروس ،أحدهم لتدريب الراقصين والراقصات، والثانى لتأليف الموسيقى والثالث لتصميم الملابس، ولما فشل مؤلف الموسيقى، حل إبراهيم حجاج محله ،وألف موسيقى الرقصات، وظلت الفرقة تجرى تدريباتها لمدة ثلاث سنوات، حتى قدمت عرضها الأول عام 1961، على مسرح البالون بالقاهرة، وحضر الإفتتاح الزعيم جمال عبدالناصر، ثم سافرت الفرقة للإشتراك فى مهرجان الفنون الشعبية فى تونس، بعد ظهورها بشهر ونصف،ومع ذلك فقد فازت بالمركز الثالث فى المهرجان.

والجدير بالذكر أن إبراهيم حجاج قد ساهم بنصيب وافر فى الإنتاج الموسيقى المصرى على مدى حوالى نصف قرن من الزمان سواء بتأليف موسيقى الأفلام الروائية المصرية أو العروض المسرحية أو البرامج التليفزيونية والإذاعية أو التوزيع الموسيقى لألحان أغانى غيره من الموسيقيين، وكذلك تلحينه للكثير من الأعمال الغنائية، بالإضافة إلى تأليفه لعدد كبيرمن المقطوعات الموسيقية البحتة. 

والجدير بالذكر أن إبراهيم حجاج أثناء تأليفه لموسيقى فيلم (زينب) إخراج محمد كريم، عام 1952 قام بتجربة رائدة عندما استخدم آلة القانون العربية مع الأوركسترا لأول مرة، وذلك بعد أن تشاور مع صديقه عازف القانون البارع عبدالفتاح منسى الذى عزف مع الأوركسترا موسيقا الفيلم.

وقد أوحت هذه التجربة لعدد من مؤلفى الموسيقى المصريين الآخرين باستخدام آلات الموسيقى العربية المختلفة مع الأوركسترا فى مؤلفاتهم، فوجدنا بعد ذلك مؤلفات مثل: (فانتازيا للقانون والأوركسترا) لفؤاد الظاهرى، و(المتتالية الشعبية) لأبوبكر خيرت (1959) الحركة الثانية منها بعنوان (أغنية وقانون) وعزف القانون عبدالفتاح منسى مع الأوركسترا فى تسجيل هذه المتتالية، وألف عبدالفتاح منسى عملا بعنوان (نور من الشرق) ووزع موسيقاه مؤلف الموسيقى المصرى المعروف عطية شرارة، وألف حسين جنيد عملا بعنوان (خواطر عربية للقانون والأوركسترا)، وألف رفعت جرانة عمله الكبير، كونشيرتو القانون والأوركسترا عام 1966 ، وألف عطية شرارة كونشيرتوللناى عام (1980 )،وكونشيرتو للعود والأوركستراعام (1983-1984 ).

وهكذا لفت إبراهيم حجاج بتجربته الرائدة واستخدامه لآلة القانون العربية مع الأوركسترا فى موسيقا فيلم (زينب) أنظار زملاءه من المؤلفين الموسيقيين المصريين إلى إسناد ادوار منفردة لآلات الموسيقى العربية مع الأوركسترا فى مؤلفاتهم.

وفيما يلى نذكر نماذج من مؤلفات إبراهيم حجاج الموسيقية:

أولا: الموسيقى التى ألفها للأفلام الروائية المصرية:

نذكر منها أفلام (البوسطجى – النداهة – زائر الفجر- بنت الشيخ – بيت الأشباح – ابن النيل – سيدة القطار –البيت الكبير – أسير الظلام – قطارالليل – سلوا قلبى – ملائكة فى جهنم – عفريت سمارة – العملاق – وداعا أيها الليل – الجبل – زينب – سفير جهنم – بنت الشاطئ – حب وموسيقا وجاسوسية – عيون لاتنام – زوجتى والكلب – غراميات إمرأة – قرية العشاق ).

 

ثانيًا: موسيقى أفلام التليفزيون:

(السور –الزيارة – سالومى – رجل إسمه عباس – مسلسل السوار القاتل)

ثالثا: موسيقى العروض المسرحية :

(عشرة ملوكى – ياليل يا عين – الحرافيش – عروس النيل – الحرب والسلام – دنيا البيانولا)

رابعا: موسيقى البرامج الإذاعية :

(الأيام – العباسة – فارس بنى حمدان – البحث عن الذات – المصير – رابعة العدوية.. غناء أم كلثوم)

 

خامسا: التوزيع الموسيقى لأعمال غيره من الموسيقيين:

نشيد (القسم) تلحين وغناء محمد عبد الوهاب.

نشيد (الوادى) تلحين وغناء محمد عبد الوهاب

مونولوج (الصبروالإيمان) تلحين وغناء محمد عبدالوهاب.

طقطوقة (بالومى) تلحين وغناء محمود الشريف.

أغانى فيلم (مصنع الزوجات)إخراج نيازى مصطفى.

 11 أغنية، لأحد عشر ملحنًا منهم (رياض السنباطى – زكريا أحمد – محمود الشريف – محمد الكحلاوى – عزت الجاهلى – إبراهيم حسين).

أغانى فيلم (عايدة) بطولة وغناء أم كلثوم ،تلحين كل من محمد القصبجى ورياض السنباطى.

نشيد (الشباب) تلحسن رياض السنباطى.

نشيد (مصر فوق الجميع) تلحين وغناء محمد فوزى والمجموعة.

أغنية (زيزى يا زيزى) تلحين أحمد صبرى ،من فيلم إخراج حسن الإمام.

أغنية (معانا ما معاناش) تلحين وغناء عبدالعزيز محمود.

أغنية (الحب جنة ونار) تلحين وغناء عبدالعزيز محمود.

سادسا: التلحين

أوبريت (الربيع) للإذاعة شعر عبدالرحمن الخميسى، وغناء أحلام والمجموعة.

أغنية (الصحراء) فى فيلم (بنت الشيخ) غناء زينب عبده.

البرنامج الإذاعى (موكب النور) للإذاعة المصرية.

أغنية (يا سماء الخلود) للإذاعة المصرية.

أغنية (يادنيا) من فيلم (سيدة القطار)غناء ليلى مراد.

سابعا: المقطوعات الموسيقية البحتة المسجلة فى الإذاعة المصرية:

نذكر منها: (نزهة – رقصة شرقية- فكرة- فانتازى- أعياد الشباب – أزهار- إشبيلية – غرناطة – الشباب والمرح- الصحراء- متتابعة أطياف المساء – متتابعة وادى الأحلام – طيور الصحراء – النيل الخالد – جمال الريف – غرام فنان – رومانس –شروق – فى حديقة الحيوانات – أشجارعالية- رقصة الجوارى – أطلال).

 وقد كانت آخر مؤلفات إبراهيم حجاج الموسيقى التى ألفها لمسلسل (ابن تيمية)إخراج جلال غنيم، لاستوديو عجمان، وفى العاشر من نوفمبر عام 1987 توفى إبراهيم حجاج فى مدينة القاهرة إثر أزمة قلبية فاجأته وهو يؤلف الموسيقى لأحد أفلام التليفزيون المصرى

وهكذا أسدل الستار على حياة أحد عظماء مؤلفى الموسيقى المصريين،الذى ينتمى إلى الجيل الثانى من مؤلفى الموسيقى المصريين، رحمه الله رحمة واسعة. 

 

** أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة