الثلاثاء 25 يونيو 2024

صورة العربي في ظل غياب غده

22-6-2017 | 16:07

فاروق يوسف - كاتب عراقي

  عام 1978 عُلقت عضوية مصر في الجامعة العربية. حدث ذلك في بغداد. عام 1990 وافق العرب على المضي وراء المشروع الأمريكي الهادف إلى تدمير العراق بذريعة تحرير الكويت. في الحالين كان شبح نكسة يونيو حزيران 1967 حاضرا بقوة. في المرة الأولى أصيب العرب بصدمة زيارة السادات إلى القدس ومن ثم توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وفي الثانية أفقدهم صدام حسين القدرة على الالتفات إلى إسرائيل باعتبارها عدوا مشتركا. لم يكن حقيقيا ما قيل من أن القاهرة انتقمت من بغداد يومها. لقد عاد العرب بسبب الغزو العراقي للكويت إلى نقطة الصفر التي تخطوها يوم عبر الجيش المصري قناة السويس عام 1973.

  عرب اليوم يدفعون ثمن حدثين جللين لم يذهب بهما التاريخ إلى النسيان.

   استعادت مصر عام 1989 الجامعة العربية بعد أن تم نقلها إلى تونس غير أن ذلك لا يعني أن مصر عادت إلى مكانتها عربيا، وحين تم تدمير العراق فإنه لم يستعد موقعه عربيا. في الحالين وقف العرب وراء قرارات صنعت مصائر متقاطعة، لن يحل الربيع العربي ألغازها بعد تعليق عضوية ليبيا وسوريا في الجامعة العربية عام 2011.

   لم يقدر أحد من الزعماء العرب الذين اجتمعوا في بغداد عام 1978 حجم الخسارة العربية التي يمكن أن تقع بسبب استبعاد مصر من الجسد العربي وهي الجزء الأكثر حساسية فيه. أما تدمير العراق فقد خسف الأرض بهم حين وضعهم وجها لوجه أمام إيران، عدوهم الأبدي.

   صورة العرب اليوم تعيد إلى الذاكرة صورة مصر بعد نكسة حزيران.

   حين طردت مصر من الجامعة العربية خسر العرب ما لم يتمكنوا من تعويضه. مرتكز الميزان الذي يحفظ التوازن. لذلك فقد العرب توازنهم ولم يستعيدوه بعد أن أخفقوا في العثور على بلد عربي يقوم بالدور الطبيعي الذي كانت مصر تمارسه بتلقائية.

   أما حين دُمر العراق بدءا من عام 1991 وانتهاء بكارثة الاحتلال الأمريكي 2003 فإن أبواب العرب صارت مفتوحة أمام إيران، وهو ما وقفوا أمامه عاجزين، بعد أن صار واضحا أنهم لا يملكون مشروعا سياسيا يواجهون به المشروع الإيراني القائم على ضم مجتمعات عربية بأكملها إلى الإمبراطورية الفارسية المتخيلة.

   ما يحدث اليوم في اليمن هو رد فعل لا يعبر عن مبادرة تنطوي على مشروع سياسي معد سلفا. لذلك نجح علي عبد الله صالح متواطئا مع الحوثيين في التحشيد الشعبي بالرغم من أن دعوته لنقض الشرعية لا تقوم على أساس قانوني. لقد استغل الرئيس المخلوع غياب المشروع العربي في اليمن ليعلي من شأن مشروعه الشخصي الذي محا سنتين من الاحتجاجات السلمية التي أدت إلى طرده من السلطة.

   بالرغم من ثرواتهم فإن عرب اليوم يستغيثون بالغرب من أجل أن يحل مشكلاتهم. وهو ما جرى في ليبيا حين مولت قطر حرب الناتو، وما يجري الآن في سوريا حين بيعت الثورة السورية في مزاد عالمي لتتحول المسألة كلها إلى حرب ضد الإرهاب.

   يحصد العرب اليوم ما زرعوه في العقود الثلاثة الأخيرة. وهي عقود شهد العالم فيها تسارعا لافتا في الإنجاز التقني فيما كان العالم العربي يبطئ من خطواته مثقلا بأعباء مشكلاته التي كان السبب الرئيس فيها نظام سياسي منتهي الصلاحية، غارق في الفساد، غير معني بمستقبل الأجيال القادمة التي لن ترث منه إلا العنف.

   أن لا يأتي الغد هي فكرة العرب عن حياة تقيم في خيمة.