من جديد، يثبت حزب القائمة الموحدة الإسرائيلي، أنه حزب إخواني بخلفية صهيونية، لا تهمه الثوابت الفلسطينية بأي شكل من الأشكال، رغم كل ما يروجه ويقنع به غير العارفين، ولن يكون الإثبات الوحيد قانون الكهرباء، الذي أقره البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" منذ أيام، حيث يروجون عنه إنه يخدم السكان من فلسطينى ٤٨، الذي يعانون من غياب مرفق الكهرباء عن منازلهم بحجة أن بيوتهم غير مرخصة، لأن قراهم غير معترف بها من الإدارة الإسرائيلية، لكنه في الحقيقة لم يحقق أى مكاسب واقعية لهم، في مقابل مكاسب كبيرة حققها القانون للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، لدرجة إنه يمس السيادة الفلسطينية أساسا على هذه الأراضي، بخلاف المساس الحقوقى لخصوصيات السكان من فلسطينى ٤٨.
قانون "الكهرباء" الذي قدّمه عضو الكنيست من القائمة العربية الموحدة وليد طه، صادق عليه الكنيست بعد جولات الاعتراضات السمينة من خارج وداخل الحكومة رغم المكتسبات التى حققها الأمن الإسرائيلي منه، وجاء وسط احتجاج أحزاب المعارضة الإسرائيلية اليمينية، وشهدت النقاشات مشادات كلامية صاخبة، وقاطعت المعارضة الإسرائيلية التصويت بزعم أن الائتلاف الحكومي استخدم بندا استثنائيا في قانون الكنيست يقيد استمرار المداولات.
الهيئة العامة للكنيست صادقت على القانون المثير للجدل، بتأييد 61 عضو كنيست من أصل 120 عضو، طبعا من بينهم نواب "القائمة الموحّدة"، برئاسة منصور عباس، الموجود في الحكومة، والحزبين الأخريين بالقائمة المشتركة غير الموجودة في الحكومة، "العربية للتغيير" برئاسة أحمد الطيبي، و"التجمّع" برئاسة سامي أبو شحادة، في اختلاف واضح في وجهات النظر بين أحزاب القائمة المشتركة، ورغم ذلك لم تتضح معارضة باقي القائمة النشتركة..مع امتناع ثلاثة نواب عن التصويت.
موقف نواب القائمة العربية الموحدة، المتضارب يوضح مدى القلق من قانون الكهرباء، فيما يرى بعضهم أنه يفيد عشرات آلاف المواطنين العرب في القرى غير المعترف بها من قبل إسرائيل، وأن المرحلة القادمة ستشهد تسريع عميلة التخطيط للبلدات التي لم يتم بناؤها حتى الآن.
فيما كان لنواب "الجبهة الديمقراطية" برئاسة أيمن عودة الممتنعين عن التصويت على القانون، موقف مخالف بقولهم أن القانون سيء وفيه شروط تعجيزية، وأن فئة قليلة من العرب يسري عليها هذا القانون، وأن قلة قليلة من هذه الفئة سيكونون قادرين على تلبية شروطه التعجيزية، وأن هذا القانون خضع لإملاءات اليمين الاستيطاني بتواطؤ من القائمة الموحدة، والتي قايضته بقوانين استيطانية وعسكرية خطيرة وفق قولهم.
ولنقترب من المشهد بشكل دقيق، علينا أن نعرف التفاصيل الكاملة للأزمة المعيشية التى تحولت لملف من أهم الملفات الانتخابية بين الأحزاب العربية، وسبق "الموحدة" "المشتركة" في تقديمه، لكنه كان من الصعب أن تحصل أحزاب المشتركة على أى دعم لها، لكونها خارج الائتلاف الحاكم، وأيضا لأن أغلب أحزاب المشتركة لن يوافقوا على تمرير الشروط التعجيزية من الائتلاف الحاكم، كما فعلت الموحدة.
الأزمة تتلخص في أنه يعيش حوالي 100 ألف مواطن من فلسطينى ٤٨ بإسرائيل في بيوت غير موصولة بشكل قانوني وآمن بشبكة الكهرباء، رغم أنهم يسكنون في بلدات "معترف بها"، لأنهم يسكنون بيوتاً "غير مرخّصة"، فهناك حوالي 14 ألف مبنى سكني غير مرخص في 70 بلدة عربية -لا يشمل النّقب بقُراه غير المعترف بها أصلاً- ومعظم هذه المباني (64% منه) موجودة في 10 بلدات عربية ما بين وادي عارة والمثلث الشمالي والجنوبي وصولا إلى الكرمل وقرية "يركا" التي تقع على السفوح الغربية لجبال الجليل الأعلى شمالاً.
ويدفع المواطنون الفلسطينيون الثمن بتعريض حياتهم للخطر، وبالتعرّض للعقوبات القاسية والمجحفة مثل الهدم والغرامات الطائلة وانعدام الخدمات الأساسيّة والحيوية كالكهرباء؛ نتيجة لسياسات التّمييز العنصري وتعمّد الإهمال الحكومي تجاه البلدات العربيّة في مجال التخطيط والتطوير منذ عشرات السنين، حيث يقع ما نسبته 72% من البيوت غير المرخصة في مناطق دون خرائط تفصيلية، مع العلم أن معظمها بني ضمن حدود الخارطة الهيكلية، وفق مصادر عدة فلسطينية فى داخل وخارج الخط الأخضر.
والمتابعون يعلمون أن الكنيست الإسرائيلي كان قد شرع قانوناً عام 1996 وعمل به حتى عام 2007، بعد أن أرسلت السلطات المحلية العربية إلى الجهات المختصة في الحكومة الإسرائيلية قوائم بالمباني التي قد تستوفي معايير الأمر المؤقت، الذي يجيز وصل بيوت بالكهرباء رغم أنها لم تستوف إجراءات الترخيص بعد، والذي بموجبه تم منح صلاحيات لوزير المالية لربط نحو عشرة آلاف منزل غير مرخص بشبكة الكهرباء.
ومن هذا المنطلق سارعت القائمة المشتركة سن قانون الكهرباء دون الحاجة للحصول على نموذج رقم (4) للحصول على خدمة الكهرباء كما هو متبع وفق القانون السابق، تقدّم به رئيس الكتلة النائب أحمد طيبي إلى الكنيست، لكنّ التصويت عليه تأجّل بسبب معارضة القائمة العربية الموحدة المشاركة في الائتلاف الحكومي، رغم أن القانون يأتي في صالح دعم الاحتياجات المدنية للمواطنين العرب؛ لاعتبارات تتعلق برفض الائتلاف -وفق قول الموحّدة- مقترحات قوانين تقدمها المعارضة ومنها القائمة المشتركة التي تقدّمت بمشروع القانون ابتداءً، والحقيقة أن الموحدة كانت تريد اقتناص القانون من المشتركة، ورغم ذلك دعم الطيبي، وحزبه قانون الموحدة لتحقيق صالح مواطني فلسطيني ٤٨ دون النظر للمصالح الحزبية الضيقة، التى ركزت عليها الموحدة جدا.
وبهذه الحجة، قررت القائمة الموحدة بصفتها أحد مكوّنات الائتلاف الحكومي الإسرائيلي تبنّي هذا القانون وأخذه على عاتقها ومسؤوليتها، وبالفعل صادق الائتلاف على دعم هذا القانون بعد تقديمه من قبل الموحدة، إذ أن الاتفاقية بين الموحّدة والائتلاف نصّت في عدد من بنودها على تحسين الخطط الحكومية المتعلقة بالتخطيط والسكن، وتذليل العقبات التخطيطية لتراخيص البناء في المجتمع العربي، والتوجه إلى المستشار القانوني للحكومة للنظر في إلغاء المخالفات التي أعطيت للعرب فيما يتعلق بالبناء غير المرخص.
وبحسب القانون المثير للجدل، يحق لوزير الداخلية إصدار أمر يتيح ربط مبنى سكني يقع في منطقة معينة محددة بالكهرباء أو الماء أو الهاتف، حتى دون الحاجة للحصول على نموذج رقم (4) والذي يؤكد على إنجاز عمليات البناء بشكل قانوني ومرخّص، وسيسمح لشركة الكهرباء الإسرائيلية باستبدال شبكات الطاقة المؤقتة غير القانونية والخطيرة المنتشرة في بعض المناطق بوصلات قانونية منظمة، حيث وضع القانون السلطة الأكبر لجهاز الأمن الإسرائيلي بالتدخل في حياة فلسطينى ٤٨ أكثر من المعتاد، رغم أن الموحدة تعلم أن 95% من البيوت التي بنيت من دون ترخيص، بنيت اضطراراً على أراضي أصحابها، الذين صرفوا مئات الآلاف من جيوبهم كي يحققوا الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية، لكن الموحدة الآن تزيد تدخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أكثر وأكثر بحجة إنها الطريقة الوحيدة لدعم فلسطيني ٤٨.
وتفيد الأرقام أن قلة قليلة فقط من ذوي الإمكانيات المادية المرتفعة، سيكون بمقدورهم الارتباط بالتيار الكهربائي، حيثُ أن القانون يفرض على كل من يريد الارتباط بتيار الكهرباء، إن كان من خلال رسوم مباشرة، وكفالات بنكية دفع ما بين 100 ألف إلى 200 ألف شيكل بحسب ما أكدت وزيرة الداخلية شاكيد، والتي أعطاها القانون صلاحيات كاملة للمصادقة على كل طلب على حدة، فما هو المفيد بالنسبة لفلسطينى ٤٨ في ذلك؟
ثمة شروط تعجيزية حددها القانون لإصدار أمر بتوصيل الكهرباء للبيوت في البلدات العربية بشكل قانوني، أولها أن أمر التوصيل يجب أن يصدر عن وزيرة الداخلية شاكيد المشهورة بعنصريتها ضد الفلسطينيين، ثم تقديم خارطة مفصلة من قبل أحد الأطراف المدرجة في نص القانون، وأن يكون المبنى أو المسكن قد أقيم قبل الأول من يناير 2018، ولم تتم إضافة أي أعمال بناء عليه بعد ذلك التاريخ، ما يعني أن شاكيد، ستقف حاجزاً أمام الكثير من الطلبات المقدمة من قبل الفلسطينيين.
والأخطر في ذلك أن "الموحّدة" قايضت الائتلاف الحكومي ووزيرة الداخلية بهذا القانون وبشروطه التعجيزية، مقابل تأييد قوانين استيطانية وعسكرية، مثل قانون توسيع وتطوير مستوطنة حريش الموجودة على أراضي منطقة المثلث الشمالي- وادي عارة، وقانون فرض التجنيد الإلزامي على شبان اليهود الحريديم في الجيش الإسرائيلي، عدا القوانين التي سبق وصادقت عليها الموحدة التي أيدت تمديد سريان قانون تجنيد جنود الجيش لقمع الأسرى في السجون، وتمديد سريان تجنيد جنود الجيش لمساعدة الشرطة في قمع مظاهرات الجماهير العربية.
وكانت القائمة العربية الموحدة قد أيدت بالقراءة الأولى قانون تفتيش البيوت من دون قرار محكمة في ديسمبر من العام المنصرم، ما يتيح للقوات الأمنية اقتحام البيوت وتفتيشها ومصادرة كاميرات التصوير، من دون حاجة لأمر قضائي من المحكمة، لتكون البيوت العربية مُستباحة ومنتهكة وفق ما يرى رجال الشرطة والجيش، فضلاً عن تأييد مشروع قانون زيادة ميزانية تخليد ذكرى دافيد بن جوريون قائد مجازر النكبة، وواضع كل أسس السياسات العنصرية، وكذلك تأييد قانون الحرمان من لم الشمل، وبالتالى فإن حزب القائمة الموحدة الإسرائيلي لا يفيد بالمرة الثوابت الفلسطينية ومكتسبات فلسطيني ٤٨ ، بل بالعكس يضرهم على المطلق.
ومن هنا نؤكد أن قانون الكهرباء المثير للجدل، لن يفيد بشكل من الأشكال فلسطينى ٤٨، ويكشف بصورة واضحة أن الحزب الإخوانى، لا يخدم سوى رؤيته والتى تتسق مع الرؤية الصهيونية، وبالطبع الأدلة كثيرة من خلال مواقفه وما صوت عليه من قوانين ضد فلسطينى ٤٨ والثوابت الفلسطينية بشكل مباشر وغير مباشر.