يوما ما كنا نغنى لقطننا ولجماله.. وغنى لنا الفنان عمر الجيزاوى قائلا: "يا أبيض وناعم ومنور ..يا قطن سبحان من صور .. زرعة إيدينا يا قطن مصر".. معبرًا عن مدى روعة القطن المصرى وجودته عالميا.
هذا ما كان عليه القطن المصرى أمس ونفتقده اليوم، فمع مرور الوقت تحول المحلج الذى كان بمثابة كنز أنشأه لنا محمد على لما كان ينتجه سنويا من حوالى 200 ألف قنطار من القطن فضلا عن تميزه بالطراز المعمارى الفريد الذى يعرف بالماروطى وهو ما يميز معظم كبارى ومبانى القناطر الخيرية القديمة من تحفة معمارية وفنية متحولا اليوم إلى خرابة يتخللها وتقطنها الخفافيش والأفاعى والجيران يصرخون مما يزحف على منازلهم ويسبب فى رعبهم ليل نهار بعد توقف دام حوالى 27 سنة وحتى الآن لم يجد من يلبى استغاثته.
وفي جولة ميدانية لـ" الهلال اليوم " بأرض المحلج لم نجد سوى غفير يخشى التحدث مع أحد حول ما يشكو منه المحلج.. لكننا وجدنا الجدران والأركان تصرخ من شدة الإهمال فإذا نظرت أمامك تجد عنبرا كبيرا مليئًا بالزجاج المهشم حيث ينبعث من قلبه ظلام دامس وإذا نظرت إلى يمينك تجد فروع أشجار يتخللها مجموعة خفافيش.. فمن لا يعرف شكلها قد يظنها أنها طيور ولكن مع التدقيق فى طبيعه هيكلها يؤكد لك أنها خفافيش، ومن داخل العنبر تجد الخفافيش هنا وهناك مما يجعلك تشعر وكأنك فى فيلم رعب طبيعى.
وبالفعل بدأنا جولتنا من "عنبر الحلج" ووجدنا
ماكينات للحلج أحدها مطبوع عليها تاريخ 1902 حيث أشار "أحمد مطاوع مدير تطوير المواقع الأثرية بوزارة الأثار" إلى أنها سويسرية الصنع وتعمل بالبخار وتتكون مجموعة من الأجزاء أهمها المكبس وأجزاء تشغيل ميكانيكية وعجلة السير العملاقة التي تقوم بتشغيل جميع تروس دواليب الحلج وهذه الماكينة ترجع إلى عصر الإنشاء وتعتبر نموذجا فريدا وكانت تدير أكثر من مائة دولاب حلج وقد عرضت الشركة السويسرية المنتجة لماكينات المحلج شراءها.
إلا أن المجلس الأعلى للآثار رفض بيعها باعتبارها من المقتنيات الأثرية وكانت هذه الماكينة تدير المحلج.. كما أنك تجد العنبر يلحق به صالة كبيرة جدا بها ما يقرب من 6 قوائم حجرية مختلفة الاشكال والأحجام حيث كانوا يطلقون عليها بصالة البذرة.
وأضاف أحمد مطاوع مدير تطوير المواقع الآثرية قائلا: آخر ما وصلنا إليه هو قرار صدر لتسجيل المحلج ضمن عداد الآثار الإسلامية برقم (576) لسنة 2003 م حيث قرر رئيس المجلس الأعلى للآثار الموافقة على تسجيل مبنى محلج القطن بالقناطر الخيرية بمحافظة القليوبية في عداد الآثار الإسلامية والقبطية.
ويوضح مطاوع أن المحلج يقع على مساحة 28 ألف متر مربع وكان يضم 3 استراحات بجانب مبنى المحلج نفسه الذي كان سيتم تحويله إلى متحف، والاستراحات إلى فندق تراثى عالمى على النيل واستغلال الموقع الفريد للمكان على غرار فندق "البيت" الأثرى بالإمارات.. أما كوبري القناطر كان مخططا لأن يكون ممشى للفنانين على غرار كوبرى الفنانين بفرنسا وكان ذلك إجمالى ما كان يهدف إليه مشروع التطوير ذاته وكان تقريبا يتكلف تنفيذه حوالى 30 مليون خصصتها المحافظة واخدنا أول 3 ملايين منها لبدء العمل وتطوير الكوبرى حيث بدأ من 2014 لتطوير كوبرى المشاة نفسه 2015 و2016 كنا نعمل على تطوير برجي الكوبرى إلى أن توقف المشروع نهائيا تقريبا 2016م لأن المحافظة لم تمولنا بباقى ال30 مليون التى سبق وأن حددتها.. أما عن وزارة الأثار بالفعل سجلنا المحلج كأثر والهدف من تسجيله أثرًا هو الحفاظ عليه لكن لم يكن لدينا كوزارة ميزانية لتولية أمر تطويره وبالأخص أن الآثار تمويلها ذاتى.
ومن جانبها أشارت داليا الصرافى المتحدث الإعلامى بالمحافظة إلى أنه حتى الآن لم يصدر أى جديد بخصوص المحلج.
ومن جانبه أكد حاتم عبد الحميد النائب عن دائرة القناطر الخيرية أن المحافظة لم تصل لقرار صارم تجاه المحلج بل ترك متهالكا واشترته المحافظة، لكن عليه جزء من الآثار وحتى وقتنا الحالى لم نجد أى رد فعل إيجابى لا من المحافظة ولا من الآثار.
مضيفا: تقدمت بطلب لمجلس السياحة والآثار من أجل تطوير القناطر ككل حيث إنها منطقة سياحية مهمة، فهى مثلث كبيرة تغافل عنه الكثير .. قائلا: "منذ زمن حتى يومنا هذا ولا جنيه اتصرف عليكى يا قناطر لا كوبرى ولا غيره ولم يبن على القناطر أى كوبرى جديد من سنة 1939م ..فالقناطر من الآخر محدش بصلها نهائي" .
وفى متابعة لجولتنا وجدنا هناك مجموعة من الأبراج السكنية تقع خلف المحلج وبسؤالنا عن طبيعة الأرض التى تبنى عليها تلك الأبراج أشار محمد محمود صاحب السوبر ماركت بشارع المحلج إلى أن المحلج كان يمتد إلى ما بعد تلك الأبراج وأغلق منذ ما يقرب من 13 سنة تقريبا.
مرفت محمود ربة منزل تقطن بأحد المنازل المجاورة للمحلج وبسؤالنا لها عن طبيعة أجواء المحلج وهل هناك مخاطر يتعرضون لها من تهجير المحلج أكدت لنا أنها قامت بعمل سلك حاجز بينها وبين المحلج نتيجة لما تعرضت له شقتها من ظهور ثعبان صغير زاحف على بيتها بأعلى شرفة منزلها التى تلتسق بجدار المحلج ..قائلة اشتكنا كتير لكن مفيش جديد أخرتها عملنا سلك كحاجز .
ورصدت عدسة "الهلال اليوم" أحد الأبراج السكنية الجديدة لالتقاط صور للمحلج لكشف كمية التهالك والدمار الذى لحق به كما يتضح بالصور المرفقة.
وبلقائنا مع المهندس محمد السعدنى مدير عام شركة القاهرة للزيوت والصابون والمشرف على توزيع شقق مدينة المهندسين التى تقع خلف المحلج أوضح لنا أن الأرض التى تم بناء الأبراج عليها كانت منذ زمن فى الأصل معصرة لإنتاج الزيت والسمن وكانت تابعة للشركة الزيت والصابون وليست أرض المحلج ومع الزمن تم توقف عمل المعصرة و بدأت الشركة تخطط الأرض وتم تشهيرها للبناء عليها وبيعها من بعد الثورة تقريبا .. والمبانى ليست مخالفة والمحلج لا يسأل عليه أحد وليس أكثر من خرابة.