الأربعاء 5 يونيو 2024

رغم تجريم حرمانها من الميراث مجتمعات ترفع شعار "توريث المرأة عار"

4-7-2017 | 14:23

بين الخوف من قطيعة الرحم وبطش أهل الزوج تقف العديد من السيدات مكتوفات الأيادى أمام حرمانهن من حق كفلته لهن الشرائع السماوية والدساتير الوضعية، فبالرغم من إصدار قانون يجرم الامتناع عن إعطاء الميراث إلى مستحقيه إلا أن كثيرات من سيدات المجتمعات الريفية والصعيد تمتنع عن المطالبة بحقهن فى التركة بسبب أعراف وتقاليد مجتمعية ترفع شعار "توريث المرأة عار".
وحول امتناع المرأة عن المطالبة بحقها فى الميراث خوفا من قطع الأرحام "حواء" تستعرض آراء علماء الدين والاجتماع والقانون فى السطور التالية..
البداية مع دعاء محمود من محافظة القليوبية، التى حرمها شقيقاها من ميراثها، لكنها لا تستطيع اللجوء للمحاكم خوفا منهما، تقول دعاء "أنا مطلقة وليس لدى أولاد، أعيش مع شقيقتاى، نحن 3 بنات وولدان، لكل واحدة منا 3 قراريط، لكن شقيقاى يرفضان إعطاءها لى أو حتى ثمنها، ولا أستطيع إقامة دعوى قضائية خوفا منهما، وتضيف "يخافان أن أبيع ميراثى لغرباء، وقالا: انت عايشة معانا واكلة شاربة نايمة هتحتاجى لإيه، لكنى أريد حقى فى ميراثى من والدى"، وأشارت دعاء إلى أن العديدات من الفتيات يعانين من نفس المشكلة، لكنهن غير قادرات على المطالبة بحقهن فى الميراث، موضحة أن الكثيرات يكتفين بالرضوة وهو مبلغ ضئيل لتعويض البنت عن ميراثها.
ذهب الأم
وتقول سامية بيومى بنت محافظة القليوبية: نحن ثلاث بنات وولد، وكانت والدتى تعظم من شأن الذكور وترى أن البنات ليس لهن حق فى الإرث، المثير أنه لم يكن علينا الرضوخ لرغبة والدتنا فقط بل التنازل عن حقنا لشقيقنا بطيب خاطر وألا نطالبه بشىء، وتابعت: ترك والدنا عدة أفدنة من الأرض الزراعية ومنزلا كبيرا، وقد بنى أخى الدور الأول فيه من ماله فى حياة أبى، وبعد وفاة والدى تمسكت والدتى بالإرث ورفضت إطلاعنا على أى شيء يتعلق بالتركة, وقالت: "مالكوش ميراث وكفاية إن أخوكم يجوزكم"، واكتفت والدتى بوصية أخى بإعطائنا ذهبها بعد وفاتها.
تهديد بالقتل
تركت سمية قريتها بأسيوط وزوجها وأولادها هربا من ظلم شقيقها وكبار عائلتها بعد تهديدها بقتل أبنائها إذا طالبت بميراثها قضائيا، تحكى سمية قصتها قائلة: "توفي والدى منذ عشر سنوات تاركا ثلاثة أفدنة لم يكتب بها وصية ولم يقسمها بينى وشقيقى الأكبر لثقته فيه, وعندما كبر أولادى طلبت منه أن يعطينى نصيبى من الأرض ليزرعوها, لكنه رفض وطردنى من البيت, عندها أسرعت إلى كبار رجال العائلة لأشكو لهم ظلم أخى لكن الصدمة أنهم ساندوه, وقالوا لي: "معندناش حريم تطالب بحقوقها في الميراث"، بل هددونى أننى إذا لجأت إلى المحاكم سيقتلون أحد أبنائى، وتابعت: هربت أنا وزوجى بأبنائى من بطش أخى وأقاربى إلى القاهرة، وزوجى يعمل حاليا بوابا لإحدى العمارات، وأبنائى يعملون بالبناء.
500 شكوى
وحول ما يقدمه المجلس القومى للمرأة للنساء اللائى حرمن من ميراثهن كشفت د. منى خليل، مقرر الشكاوى بالمجلس أن مكتب الشكاوى يتلقى رسميا أكثر من 500 شكوى نسائية سنويا بشأن الحرمان من الميراث، أغلبها من الوجه القبلى، وجميعها شكاوى بحرمان الأرامل من ميراثهن وميراث أبنائهن من قبل الأخ أو أهل الزوج، مشيرة إلى أن هناك آلاف الشكاوى تخاف النساء من إيصالها للمجلس خشية انتقام الأسرة أو مغتصبى حقها، مؤكدة أن أى شكوى تصل للمكتب تحال إلى الشئون القانونية بالمجلس لتقديم خدمات للمحرومات من ميراثهن، حيث يجرى إقامة دعاوى قضائية لهن بشكل تطوعى ومجانى، لافتة إلى أن كثيرا منهن يحصلن على حقوقهن فى الميراث عقب تدخل المجلس.
حق شرعى
وتقول د. أماني عبد القادر، أستاذة الفقه بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: بينت الشريعة حق المرأة فى الميراث بألفاظ صريحة قاطعة الدلالة، كما نهت عن حرمانها من ميراثها، لكن ما زالت أعراف الجاهلية تسيطر على كثير من المسلمين وبخاصة فى المجتمعى الصعيدى والريفى، حيث تحرم المرأة من ميراثها أو تأخذ أقل من حقها بحجة أنها ستأخذ ميراث العائلة إلى عائلة أخرى، وهذا خطأ كبير لأن الميراث شرع حتى يحصل كل وارث على حقه دون غبن أو ظلم.
وعن حكم الشرع فى حرمان البنات من ميراثهن والاكتفاء بإعطائهن ذهب الأم تقول د. أمانى: جعل الله للأبناء أنصبة معلومة فى ميراث الوالدين على السواء، فللبنت حق فيما تركته أمها وكذا والدها، فإذا توفى أحدهما وجب إعطاؤها حقها الشرعى فيما ترك وإلا فهذا غبن حرمه الشرع، ويحرم على الأم إعطاء بناتها ذهبها مقابل ميراثهن لأنها بذلك تشترى حقهن من مالها الذى يجب أن يوزع على أبنائها بعد وفاتها وتعطيه للذكور، أما إذا توفت الأم وتركت ذهبا وأملاكا واتفق الأولاد على إعطاء البنات الذهب ووافقن على ذلك جاز بشرط أن يساوى قيمة حقهن فى الإرث، وإلا قسمت التركة بينهم جميعا ذهبا وغيره.
وتابعت د. أمانى: إذا طالبت المرأة بإرثها فامتنع أهلها عن إعطائها إياه أو ثمنه أو أعطوها مبلغا زهيدا لا يساوى قيمته وقعوا فى الإثم جميعا وحق عليهم قول الله "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا"، وتنهى أستاذة الفقه حديثها قائلة: قد تترك الفتاة إرثها مخافة قطيعة الرحم، وأقول لكل فتاة "طالبى بحقك فى الميراث وإذا قاطعك أهلك فلا إثم عليك بل هم من يتحملون عقابين الأول حرمانك من حق شرعه الله، والثانى قطع الرحم".
جهود كنسية
وفى المسيحية لا يختلف حق المرأة فى ميراثها الشرعى عن الإسلام سوى فى تقدير حصة المرأة من ميراثها، حيث يقول الأنبا مكاريوس: إن ميراث الأنثى فى المسيحية مثل الذكر بالتساوى، وإذا رفض أو طمع أى منهما فى حرمان الآخر من ميراثه يتم اللجوء للقضاء ليحتكما فى توزيع التركة للشريعة الإسلامية "للذكر مثل حظ الأنثيين"، ويضيف: هناك كثير من النساء تعرضن للحرمان من الميراث أثناء تقسيم الميراث ووقع نزاع، ولولا وساطة الكنيسة ما أخذت المرأة حقوقها، وكثيرات منهن كن يرفضن المطالبة بالميراث خوفا على علاقاتهن الأسرية، مشيرا إلى وجود قطيعة بين بعض الأقباط بسبب الميراث والطمع، لكن مع تدخل الكنيسة وبعض من حكماء المجتمعات الصعيدية والريفية يتم ترضية المرأة وتأخذ حقوقها وفقا للشرع، مطالبا الإعلام بحملات تنويرية لتوعية المرأة بحقوقها، وأن ميراثها حق لها وأولادها، لابد أن تطالب به وأنه لا إثم عليها إذا قاطعها أهلها.
فكر تنويرى
وعن رأى علماء الاجتماع فى كيفية القضاء على تلك الظاهرة ترى د. هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع بجامعة الزقازيق بضرورة نشر فكر تنويرى من خلال التعليم والإعلام، مع البعد عن برامج دعم الثقافة الذكورية لحصول المرأة على حقها فى الميراث، مشيرة إلى أن المرأة تجد صعوبة فى حصولها على حقها بسبب ضعفها وجهلها والموروث الثقافى الخاطئ، موضحة أن قدرتها على المطالبة بحقها مرتبطة بمستواها التعليمى وفهمها لحقوقها القانونية، مطالبة بنشر قانون المواريث وتفعيله ومحاكمة كل من يحرم المرأة من ميراثها لأن هذه تعد سرقة واغتصابا.