السينما الإيرانية تقدم نموذجا لقيود تضعها الدولة، إلا أنها أسفرت عن فن يمس القلوب ويقتنص الجوائز العالمية، فهى منذ الثورة الإيرانية عام 79، وهى تعتبر السينما عدوا لها حتى لو سمحت فى السنوات الأخيرة بهامش من الحرية فإن النظرة المتزمتة لها سطوتها، حيث تستخدم السلطات الإيرانية القمع من أجل إسكات المخرجين عن تقديم الواقع الإيراني من خلال أفلامهم التي تشارك في العديد من المهرجانات الدولية ليشاهد العالم ما يحدث في الداخل الإيراني، حيث حكمت السلطات علي المخرج محمد علي راسولوف بالسجن أملا في أن يتوقف عن العمل أو علي الأقل تخفيف حدة أفلامه التي تكشف أوجه الظلم القانوني والسياسي في الجمهورية الإسلامية، ولكن دون فائدة، وكان راسولوف قد تم اعتقاله مع المخرج جعفر بناهي في عام 2010 لصنعه أفلاما تظهر مشاكل المجتمع الإيراني من خلال الرمزية بدلا من السرد القصصي المباشر.
ولذلك يعتبر راسولوف أحد المخرجين المغضوب عليهم فى إيران وأفلامه، وآخرها الفيلم الفائز بجائزة نظرة ما في مهرجان كان الـ«70 » A man of integrity أو رجل النزاهة، حيث لا تعرض فى إيران بحجة أنها تسىء للدولة بنشر الفساد خارج الحدود، وكان قد صدر بحقه أحكام بالسجن وأخرى تبعده أيضا عن ممارسة المهنة، ولكن سقطت أخيراً الأحكام وفيلمه "رجل النزاهة"حصل على موافقة الرقابة بالتصوير، وإن كانت قد اشترطت عليه ألا يقدم فيلما قاتما على حد وصفها، إلا أنه حرص فى فيلمه على فضح الفساد من خلال عائلة مؤلّفة من زوجين وهما رزا "رزا أخلجيراد" وزوجته هاديس "سودابيه بايزاي" وابنهما الوحيد، حيث يواجهان تحدّيات شتّى، تدفع الزوج إلى ارتكاب أمور، يفترض به ألاّ يرتكبها، كي يحافظ على كيان عائلته متماسكاً، وعلى موقعه الاجتماعي كرجل لا يهاب الصعاب، وعلى أرضه وبيته المهددين بالخراب.
حيث يروي الفيلم في إطار درامي سيرة هذه العائلة في مواجهة خصم غير مرئي إلا عبر رجل يبطش ويحرق ويعتدي ويقسو، يريد انتزاع أرضهما، بهذا، فتتحوّل الحكاية لصراع حقيقي بين طرفين أساسيين وهما شركة عملاقة يديرها رجل أعمال فاسد، ورب عائلة نزيه وشريف ومتواضع، وهو صراع يعكس وقائع كثيرة، تحصل في بلدان كثيرة، فتنكشف ـ في سردها ـ بعض خفايا النظام المتحكّم بالاجتماع والاقتصاد المحليين، نظام مبني على توافق بين المال والأعمال "صاحب الشركة" والسياسة "المحافظ" والأمن "مسئول الشرطة"، إلى درجة أن التداخل بين "وظائف" هؤلاء يلغي ـ أحياناً ـ أى حدود بينهم.
والصراع يتناول العديد من الهموم التي يعاني المجتمع الإيراني منها ويتركها في أسئلة معلّقة منها النظام التربوي المدرسيّ، الصادرمن سلوك عقائدي ديني يسيرغالباً أمورالسياسة والعيش اليومي، فالأقليات غير المسلمة لن تتمكن من حماية حقوقها الإنسانية العادية منها انتحار تلميذة، بعد تبلّغ أهلها قرار طردها من المدرسة، لأنها "غير مسلمة"، ثم يُمنع والداها من دفنها في مقابر المسلمين، كما ألقي راسولوف الضوء علي الفساد ايضا في صلابة النظام المتحكّم بأحوال البلدة واجتماعها وناسها. وغيرها من النزاعات الأخرى التي يقدمها بلغة سينمائية درامية وجمالية متماسكة ومؤثّرة.
وحظي A man of integrity بإشادة مجلة فارايتي التي وصفته بأنه "دراما مثيرة للتوتر والغضب حيال الفساد والظلم … ونقد لاذع للمجتمع الإيراني المعاصر … وهو ما من شأنه أن يكون له صدى على كلا المستويين المحدود والعالمي"، إلى جانب الإشادة الكبيرة التي حصل عليها إيرانيون أمثال بناهي وأصغر فرهادي، الذي فاز هذا العام بثاني جائزة أوسكار له، حصل المخرجون الذين ينتجون أفلاما في إيران في مواجهة الرقابة والاعتقال والسجن على الدعم أيضا.
وقال راسولوف لوكالة رويترز في مقابلة أجراها "عندما وقعت هذه المواجهة بيني والأجهزة الأمنية كنت أفكر قائلا: حاولت دائما ألا أسمح بحدوث ذلك لكنه يحدث الآن وأنا أريد أن أصنع أفلامي .. أريد أن أظل صادقا مع نفسي".
لذا كان رد فعله تجاه اعتقاله هو عمل فيلمه Manuscripts Don't Burn والذي عرض في عام 2013مسقطا جميع الاستعارات والرمزيات لتصوير قصة اثنين من الحمقى تم توظيفهما لتعذيب وقتل المعارضين السياسيين، وتم تصوير الفيلم في إطار من السرية بفريق عمل يتألف من ستة أشخاص ودون أي ترخيص، ولم يعرض الفيلم في دور السينما الإيرانية مثل كل أفلامه الأخرى.
وتعتبر أفلام راسولوف مثل جعفر بناهى وأصغر فرهادى تحصل على جوائز ولكنها غير مسموح بعرضها فى البلاد لأن الرقابة تمنع تداولها، ولكن كل عشاق السينما فى إيران، وهم كثر، شاهدوا تلك الأفلام التى يتم تداولها عبر "السى دى" ولا تملك الدولة القدرة على ملاحقة الملايين، ولكنها فقط تمنع بما تملك من قوة القانون العرض الجماهيرى.
وقال راسولوف "الدعم الدولي ساعد حقيقة جميع صناع السينما وخصوصا أنا من خلال وقف الضغط الذي يمارسونه علينا"، وعلى الرغم من حكم السجن عليه لمدة عام والذي أوقف تنفيذه بعد دفع كفالة، لا يزال راسولوف يواجه خطر التدخل القضائي في عمله .. لكنه متفائل بشكل يدعو للدهشة، قائلا إنه يأمل في أن تعرض أفلامه يوما ما بإيران.
وكان السبب في سجن المخرج "جعفر بناهي" ورفيقه "محمد راسولوف" لمدة ست سنوات والحكم الجائر بحرمانهما من العمل بالسينما لمدة عشرين عاما بعد قضائهما هذه العقوبة إذا لم يغتالا داخل محبسهما قبل قضاء مدة العقوبة الظالمة، وذلك بسبب علم الحكومة بمجرد نية "بناهي" و "راسولوف" بعمل فيلم سينمائي وثائقي يتناول بالتحليل عملية الانتخابات الرئاسية في "إيران" عام 2009م، وكان الفيلم يتبني الكشف عن عمليات التزوير في هذه الانتخابات، كما زعمت محكمة النظام، وبتشجيع ومباركة الملالي، أن الفيلم مدعوم من جهات معادية لإيران (أمريكا وبريطانيا وإسرائيل) ونظام الحكم فيها.