تمر 48 عامًا على 24 أكتوبر ملحمة المقاومة الباسلة لأهالي السويس فى مواجهة قوات العدو الإسرائيلي التى تصورت أن المدينة خالية يسكنها الأشباح، حيث فوجئوا برجال يخرجون من كل مكان ويواجهون دبابات العدو ويحققون الانتصار.
فى هذه السطور القادمة تفاصيل مهمة فى ذكرى النصر.. حيث أطلق الإسرائيليون على فرقته "أدان" المتخصصة لاقتحام المدن التى حاولت اقتحام السويس فى 24 أكتوبر 73 فرقة "النحس" وذلك بسبب الخسائر التى لحقت بها.
الشهادة الإسرائيلية
وجاءت اعترافات جنود العدو بما شاهدوا خلال محاولاتهم اقتحام السويس فى عدة كتب إسرائيلية منها كتاب "التقصير" الذي ألفه سبعة جنود من المراسلين الحربيين، والكتاب الآخر بعنوان "سري للغاية" والكتابان يعتبران من أهم كتب الحرب الإسرائيلية.
ذكرت هذه الكتب اعترافات العدو بالخسائر حين كلفت محاولة احتلال السويس 77 ضابطًا و23 مظليًا و69 جنديًا قتلوا جميعا فى أيام حصار السويس بفعل المقاومة.
وهكذا باتت فرقة "أدان" فرقة النحس كما أطلقوا عليها، ففي كتاب سري للغاية يقولون إن فرقة "أدان" فقدت وحدها 50 دبابة وقتل 200 جندي وضابط غير 50 من الجرحى.
وتبدأ قصة الخسائر عندما أشارت عقارب الساعة الخامسة فى يوم 24 أكتوبر حين التقط اللواء "إبراهيم أدان" قائد الفرقة الإسرائيلية المدرعة التي كانت تحاصر السويس مكالمة عاجلة عبر جهاز اللاسلكي الخاص به وكان على الطرف الآخر اللواء "شموئيل جونين" قائد عمليات القطاع الجنوبي بالجيش الإسرائيلي، وسأل جونين مرءوسه "أدان" هل تستطيع احتلال السويس فى ساعتين ونصف الساعة؟ فأجاب "أدان" بقوله "هذا يتوقف على عدد المصريين بالمدينة وشكل مقاومتهم لكن يمكنني على أسوأ الفروض احتلال جزء من السويس".
وفي فجر الأربعاء 24 أكتوبر أمر اللواء "أدان" دباباته بالهجوم على مدينة السويس وتقدم ركب الدبابات إلى محور "الجناين" بقيادة الرائد "أوري أريل" فى التاسعة والنصف بعد أن اختبأ داخل دبابة طوال الليل فى منطقة جبلاية السيد هاشم، لكن قوبل بمقاومة شديدة عطلت له أول دبابة على الجسر فاضطر للعودة للخلف.
مدينة الأشباح
أما العقيد "جابي" فكان مكلفًا بالهجوم على محور منطقة الزيتية ووصلت تلك القوة مبنى الاتحاد الاشتراكي "مبنى الحزب الوطني السابق المجاور للمحافظة"، وجاءت فرقة الهجوم الخاصة بحي الأربعين بقيادة المقدم "يوسي" ومعه 8 دبابات و16 عربة مصفحة ودخلوا المدينة وأرسل اللواء "أدان" برسالة لقيادة عمليات الجنوب يقول فيها "السويس مدينة أشباح ونحن نتقدم دون مقاومة"، وفي هذه اللحظة كما هو مسجل فى مذكرات الجنود الإسرائيليين، كانت المفاجأة أمام قسم شرطة الأربعين، حين تم تدمير إحدى الدبابات الإسرائيلية من نوع سنتريون العملاقة لتسد الطريق أمام تقدم المدرعة الإسرائيلية ويفاجأ الجنرال "أدان" وجنوده بأن مدينة الأشباح كما قال عنها تتحول إلى المقاومة من آلاف البشر، ويأمر أدان جنوده، وفق شهادته، بترك المصفحات والدبابات والاحتماء بالمبنى المجاور "قسم شرطة حي الأربعين"، وداخل القسم تتم محاصرة أدان وجنوده، وانهالت رسائل القيادة الإسرائيلية لتسأل عن مصير ركاب العربة نصف المجنزرة التى ركبها ضباط المخابرات الإسرائيلية، ولكن "أدان" كان يجيب "لا أعلم"، حيث تحولت المنطقة إلى جحيم بسبب نيران المقاومة من كل مكان ومن نوافذ العمارات والأسطح ومن جميع الشوارع المحيطة بقسم الشرطة وكلها تتجه نحو الجنود الإسرائيليين.
الشهادات المصرية والوقائع
بعيدًا عن شهادات الأعداء، كان على الجانب الآخر الأبطال الحقيقيون حيث المقاوم البطل إبراهيم محمد سليمان الذي دمر أول دبابة إسرائيلية بواسطة قذيفة من مدفع والذي استشهد بعد ذلك على سور قسم شرطة الأربعين أثناء محاولة اقتحامه ومواجهة الجنود الإسرائيليين داخله أما البطل "أحمد أبو هاشم"، فقد استشهد عند كوبري البراجيلي بعدما دمر دبابة سنتريون، والبطل "فايز حافظ أمين" الذي استشهد فى معركة اقتحام قسم شرطة الأربعين بعد أن تمكن من اقتحام القسم واستشهد فوق السلم الداخلي بعد أن قتل عددًا من جنود العدو الذين كانوا يحتمون داخل القسم.
أما البطل أشرف عبدالدايم، فقد اشترك فى الهجوم على ما قبل قسم الأربعين واستشهد يوم 24 أكتوبر 73 ويبقى عشرات من الشهداء والأبطال الأحياء الذين قاموا بأعمال بطولية مشرفة من بينهم الأبطال أحمد عطيفي - محمود عواد - عبدالمنعم قناوي.. وهناك العشرات من القصص للبطولات بين المدنيين والعسكريين.
مذكرات الفريق عفيفي
كشفت مذكرات الفريق يوسف عفيفي الذي كان قائدا للفرقة الـ 19 بالجيش الثالث الميداني أثناء معركة أكتوبر فى كتابه "مقاتلون فوق العادة" أسرارًا جديدة عن معركة صمود السويس التى اعتبرها ملحمة بطولية.
يقول الفريق يوسف عفيفي، "أصيبت إسرائيل بخيبة أمل مرتين الأولى عندما فشلت فى دخول السويس والثانية عندما فوجئت بصمود الجيش الثالث الميداني أثناء حرب أكتوبر 1973 بعد أن حاولت احتلال السويس فى 24 أكتوبر عقب فشل تسلل العدو الإسرائيلي فى الثغرة العسكرية التى وصفها "إدجار أوبلاس" الخبير العسكري البريطاني بأنها "عملية تليفزيونية استعراضية" وذلك بدفع قوات صغيرة إلى منطقة كبيرة لإيهام القوى الأخرى بأن القوات قامت بالاستيلاء على منطقة واسعة وهي الطريقة أو الخطة المعروفة باسم "غزالة" وهي التى سرقتها إسرائيل من أدبيات العسكرية الألمانية".
ويضيف يوسف عفيفي، أن قوات المقاومة وشدتها فى الدفاع عن المدينة هي التى أجبرت "ديفيد أليعازر" رئيس الأركان الإسرائيلي بالاعتراف فى مذكراته قائلاً "خدع الهدوء الذي ساد مدينة السويس قوات الجنرال أدان المتخصص فى اقتحام المدن فاندفعت إلى داخلها لتنهال نيران المصريين وتشتعل الدبابات ويسقط القتلى والجرحى بالعشرات".
مذكرات الجمسي
ويؤكد المشير محمد عبدالغني الجمسي في مذكراته بالحرف "يصعب على المرء أن يصف القتال الذي دار بين الدبابات والمدرعات الإسرائيلية من جهة وشباب السويس من جهة أخرى وهو القتال الذي دار فى بعض الشوارع وداخل المباني وبجهود رجال السويس ورجال الشرطة والسلطة المدنية مع القوة العسكرية أمكن هزيمة قوات العدو التى تمكنت من دخول المدينة وكبدتها الكثير من الخسائر بين قتلى وجرحى وظلت الدبابات الإسرائيلية المدمرة فى الطريق الرئيسي المؤدي إلى داخل المدينة شاهدًا على فشل القوات الإسرائيلية فى اقتحام المدينة والاستيلاء عليها".
ويضيف الجمسي "واضطرت القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب من مدينة السويس".
وتبقى تحية لشهداء الوطن فى كل معاركهم الوطنية وضد الإرهاب والتطرف.
مراجعة. حسين محمد - إبراهيم .. الثلاثاء 15 – 2 - 2022