الخميس 2 مايو 2024

الاستعداد الروحى والنفسى لشهر رمضان المبارك

مقالات24-3-2022 | 22:25

 

أيام معدودة هى المتبقية فى شهر شعبان هذا العام، ونستقبل بإذن الله تعالى الشهر الفضيل، موسم العبادة والتقوى، وحنين الأرواح إلى التجلى والتحلى بالإيمان، وشفاء الصدور بالسجود والذكر والخشوع.

 

إنه شهر رمضان المبارك، الذى سمته العرب بهذا الاسم فى عهد الجد الأكبر للرسول صلى الله عليه وسلم كلاب بن مرة، ورمضان نسبة إلى الرمضاء - فترة تشتد فيها حرارة الجو - لأنه تزامنت تسمية الشهر مع فصل الصيف فى مكة المكرمة .

 

ولما جاء الإسلام ربط العبادات بالأشهر القمرية- التى ترتبط بدورة القمر - فالصيام يرتبط بشهر رمضان، والحج يرتبط بشهر ذى الحجة، والزكاة ترتبط بالحول .

قال تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».. البقرة: 189.

 

الصيام والصوم كلمتان تعنيان الامتناع عن شيء معين سواء كان فعلاً أو قولاً، ومصدرهما الفعل "صام".

 قال تعالى فى سياق الحديث عن مريم عليها السلام: «فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا».. سورة مريم : 26.

وصيام شهر رمضان هو ركن من أركان الإسلام الخمسة وفق الحديث النبوى الشريف: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً».

 

وصوم شهر رمضان يعنى الإمساك عن المفطرات (المأكل والمشرب والمنكح) من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية..  يعنى لابد أن ينوى المسلم أن هذا الامتناع هو صيام لرب العالمين.

وقد شرع الله تعالى فرضية الصيام على المسلمين فى السنة الثانية للهجرة عندما أنزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنََـٰتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَ ٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.. سورة البقرة: 185.

فصام النبى صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة وظل المسلمون يصومون هذا الشهر إلى يومنا هذا.. وقد ربط النبى صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بفعل الخيرات والمسارعة والتنافس فيه ، فكان يبشر بالخير ويصنع جو الإيمان والتسامح والمحبة بين الناس وقت دخول شهر رمضان، ويقول عند رؤية الهلال: ( اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ).

وكان يقول أيضاً: (أتاكم رمضانُ شهرٌ مباركٌ، فرض الله - عز وجل - عليكم صيامَه، تُفتح فيه أبوابُ السماء، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغلُّ فيه مرَدة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِم خيرَها فقد حُرِم).

فضلاً عن ارتباط رمضان بقراءة القرآن وإخراج زكاة الفطر، والجود والكرم، وإخراج الصدقات، والحث على إفطار الصائمين وصلة الرحم وصلاة التراويح.. إلخ

وسُئل الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود: «كيف كنتم تسقبلون شهر رمضان؟ قال: ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال - هلال رمضان - وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم».

وكما كان سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يستعد لرمضان بإنارة المساجد بالقناديل، فكان أول من أدخل إنارة المساجد، وجمع الناس على صلاة التراويح، فكان أول من جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان، فأنارها بالأنوار وبتلاوة القرآن، وعن أبى إسحاق الهمداني، قال: خرج على بن أبى طالب في أول ليلة من رمضان والقناديل تزهر وكتاب الله يتلى في المساجد، فقال: «نور الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد الله »

ويمكن لك أخى المسلم المعاصر الاستعداد للشهر الكريم بالآتي:

1-  كن صالحاً ومصلحاً فى كل موقف من مواقفك لوجه الله  تعالى لأن إصلاح النفس هو أحد مقاصد الصيام.. قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».. سورة النساء: 97.

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» سورة البقرة: 183.

2- أنصت جيداً لصوت ضميرك فى داخلك، فهو يحمل إلهام الله لك، فالصيام عبادة بين العبد وربه، وهو أيضاً تدريب المسلم على مراقبة الله تعالى ويقظة الضمير.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري ومسلم.

ويقظة الضمير جزء من قوة المؤمن أمام تحديات تلك الحياة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان).. رواه مسلم.

 

3- تقرب إلى الله بالصدقة ومساعدة الفقراء، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود ما يكون فى شهر رمضان، بل كان أجود من الريح المرسلة.. قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)» سورة الليل.

 

4- لا تترك الدعاء والمناجاة لخالقك، فالله تعالى واسع العطاء ويجيب دعوة المضطر ويرزق من يشاء بغير حساب.. قال تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» سورة البقرة: 186.

5- درب نفسك على تقوية إرادتك واصبر على ما أصابك فهو خير لك، وخالف هواك إذا حرضك على الشر.. قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ۝» النازعات:40-41.

 

6- اقتصد فى إنفاقك للمال واستغن عن المزيد من الترفيهيات لتوفير الاحتياجات، ولا تظنن أن السعادة بكثرة الرفاهية، فكثرة الرفاهية تجلب المتعة ولا تجلب السعادة، وليس كل مستمتع سعيد، لكن المؤكد أن كل سعيد مستمتع.

 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).. رواه البخارى

 

7- احرص على غذاء روحك وعواطفك واستجلاب صفاء نفسك بالصلاة والذكر والتفكر والتأمل.. إلخ، قال تعالى: «واسجد واقترب» العلق 19.

وقال تعالى: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ(97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)» سورة الحجر.

 

8- مسئوليتك الأولى هى تغيير نفسك أنت ومن تعول إلى الأفضل، فإذا تغيرت للأفضل تأكد أن أخلاقك وأعمالك هى التى ستغير فى الآخرين دون كلام أو حديث .

 

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.

 

9- لا تهدر طاقتك فيما لا يفيد، ولا تضيع وقتك مع من لا يستحقه.. عَنِ ابنِ عباسٍ - رضي اللهُ عنهما - قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: « نِعمَتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصَّحَّةُ والفَّراغُ» رواه البخاري.

 

10- ازرع الخير فى كل مكان قدر ما تستطيع بهدوء ودون ضجيج، وستأتيك ثماره وتعلن عنك فى الوقت المناسب.. قال تعالى: «وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»..  سورة البقرة: 110.

 

إن الاستعداد الجيد على مستوى النفس وعلى مستوى الأخلاق لهو خير مقدمة لاستقبال الشهر الكريم ومعايشة نفحاته الربانية الشاملة، حتى نبدأ صفحة إيمانية جديدة مع الله، ومع النفس، ومع الناس.

«رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » سورة الحشر 10.

اللهم بلغنا رمضان وأنت راضٍ عنا واجعلنا فيه من المتقين.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa