الخميس 26 سبتمبر 2024

من روائع الإنشاد .. الشيخ نصر الدين طوبار (30-2)

الشيخ نصر الدين طوبار

ثقافة3-4-2022 | 17:49

عبدالله مسعد

الإنشاد الديني  فن يربطه بالإسلام علاقة وثيقة وروحانية، فهو لون من ألوان الغناء باستخدام الآلات البسيطة التي صنعها الإنسان، وهو من الفنون الهادفة التي تسمو بالروح الإنسانية إلى أعلى مراتب السكينة والاطمئنان، عبر أصوات خاشعة وحناجر تصدح بكلمات طيبة تتسرب إلى روحك كلمات تحمل معاني التضرع والذكر لله سبحانه وتعالى.

وتقدم دار الهلال خلال شهر رمضان الكريم كل يوم ابتهالا لأحد المبتهلين المصريين الذين تناولوا في إنشادهم موضوعات عدة كلها ذات طابع ديني منها العشق الإلهي وأو مدح الرسول ووصف أخلاقه وتعالميه وسيرته الطاهرة.


ولد الشيخ نصر الدين طوبار في 7 يونيو 1920 في المنزلة بالدقهلية، ودرس فيها وحفظ القرآن الكريم، وذاع صيته في المحافظة، حيث درس اللغة العربية، ودرس علم القراءات والحديث، حتى نصحه أصدقاؤه بأن يتجه إلى القاهرة للالتحاق بالإذاعة المصرية، وبالفعل استجاب لهم وتوجه لاختبارات الإذاعة لكنه رسب فيها نحو 6 مرات.

وكاد طوبار أن يضجر لكن إصرار من حوله لاقتناعهم بصوته، دفعه إلى دخول اختبارات أصوات قراءة القرآن والإنشاد الديني حتى نجح في المرة السابعة، وقدم الشيخ نصر الدين طوبار ما يقرب من مائتي ابتهال؛ منها "يا مالك الملك"، و"مجيب السائلين"، و"جل المنادي"، وجمعيها لا تزال خالدة في وجدان المصريين.


وكان الشيخ نصر الدين أول من ابتهل لجنودنا وأبطالنا خلال حرب أكتوبر 1973، وكان ابتهال «سبح بحمدك الصائمون» يوم 9 أكتوبر، من بعده ابتهال «انصر بفضلك يا ميهمن جيشنا» يوم 14 أكتوبر.

اختير طوبار مشرفًا وقائدًا لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون بمصر في عام 1980 شارك في احتفالية مصر بعيد الفن والثقافة كما أنشد في قاعة ألبرت هول بلندن وذلك في حفل المؤتمر الإسلامي العالمي.

وسافر إلى العديد من الدول العربية والأجنبية وكتبت عنه الصحافة الألمانية: (صوت الشيخ نصر الدين طوبار يضرب على أوتار القلوب)، وفيما بعد تم تعيينه قارئا للقرآن الكريم ومنشدًا للتواشيح بمسجد الخازنداره بشبرا.

ورحل طوبار بعد مسيرة من الإنشاد والابتهالات عن عمر يناهز 66 عاما، في 16 نوفمبر 1986.


وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الأذان، وكان الصحابي بلال بن رباح -رضي الله عنه- يجود في أذانه كل يوم 5 مرات، ويرتله ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في الإنشاد بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وأصبح له قوالب متعددة وطرق شتى. 

وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على أيدي مجموعة من الصحابة، ثم مجموعة من التابعين. وكانت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، هي أساس المنشدين. ثم أنشدوا قصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوّعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، والتمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض، غيرها.


وفي عهد الأمويين أصبح الإنشاد فنًّا له أصوله وضوابطه وقوالبه وإيقاعاته، واشتهر كثير من المنشدين، وكان أكثر المشتغلين بفن الإنشاد الديني وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدي وأخته عَليَّة، وأبو عيسى صالح، وعبد الله بن موسى الهادي، والمعتز وابنه عبد الله، وعبد الله بن محمد الأمين، وأبو عيسى بن المتوكل، وغيرهم. وكان عبد الملك بن مروان في دمشق يشجع الموسيقيين وأهل هذا الفن ويدعمهم.

وفي عهد الفاطميين تطور فن الإنشاد، فأصبحوا أول من احتفل برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوي، وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وغرة رمضان وعيد الفطر وغيرها من المناسبات. وفي بدايات القرن العشرين أصبح للإنشاد الديني أهمية كبرى، حيث تصدى لهذا اللون من الفنون كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يحيون الليالي الرمضانية، والمناسبات الدينية. وتطوّرت قوالب الفن فأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة تمجِّد الدين الحنيف، وتدعو لوحدة المسلمين، وتشجب الرذيلة، وتدعو إلى الفضيلة، كما ظهرت قنوات متخصصة للإنشاد.