الإثنين 25 نوفمبر 2024

ثقافة

من روائع الإنشاد.. طه الفشني (30-7)

  • 8-4-2022 | 17:24

طه الفشني

طباعة
  • عبدالله مسعد

الإنشاد الديني هو فن يربطه بالإسلام علاقة وثيقة وروحانية، فهو لون من ألوان الغناء باستخدام الآلات البسيطة التي صنعها الإنسان، وهو من الفنون الهادفة التي تسمو بالروح الإنسانية إلى أعلى مراتب السكينة والاطمئنان، عبر أصوات خاشعة وحناجر تصدح بكلمات طيبة تتسرب إلى روحك كلمات تحمل معاني التضرع والذكر لله سبحانه وتعالى.

وتقدم "دار الهلال" خلال شهر رمضان الكريم كل يوم ابتهالًا لأحد المبتهلين المصريين الذين تناولوا في إنشادهم موضوعات عدة كلها ذات طابع ديني منها العشق الإلهي وأو مدح الرسول ووصف أخلاقه وتعالميه وسيرته الطاهرة.

ولد الشيخ طه الفشني في عام 1900، في مدينة الفشن بمحافظة بني سويف، حيث تعلم القراءات، وتدرج الشيخ طه في دراسته الدينية والعامة وحصل على كفاءة المعلمين من مدرسة المعلمين سنة 1919

وبعد إتمام حفظه للقرآن الكريم، حضر الشيخ طه إلى القاهرة، والتحق ببطانة الشيخ علي محمود، ثم ذاع صيته بأنه قارئ ومنشد حسن الصوت، حيث كانت الأحداث السياسية التي عاشتها مصر في أوقات ثورة 1919، عائقا أمام التحاقه بمدرسة دار العلوم، فتوجه إلي الأزهر الشريف، واشتهر بقدرته على أداء التواشيح الدينية في مختلف المناسبات.

بدأ الشيخ طه الفشني حياته العملية مطربًا، لكن تربيته والنزعة الدينية داخله ودراسته في الأزهر الشريف، جعلته يرفض الاستمرار في هذا المجال، واستمر عمله في الإنشاد الديني وقراءة القرآن الكريم، حيث كان سكنه في حي الحسين أثر كبير في تردده علي حلقات الإنشاد الديني.

وفيما بعد أصبح المؤذن الأول لمسجد الإمام الحسين، كما كان يرتل القرآن الكريم في مسجد السيدة سكينة، واشتهر بقراءته لسورة الكهف يوم الجمعة وكذا إجادته تلاوة وتجويد قصار السور، وقد ظل قارئا في جامع السيدة سكينة سنة 1940 حتى وفاته.

بدأت مسيرة الشيخ الفشني في الإذاعة، بعد صدفة جمعته مع سعيد لطفي مدير الإذاعة المصرية في ذلك الوقت، عام 1937م، وذلك أثناء إحياء الفشني لإحدى الليالي الرمضانية في مسجد الحسين، وبعدما استمع إليه رئيس الإذاعة المصرية عرض عليه العمل فيها، وبالفعل اجتاز الفشني كل الاختبارات حتى أصبح مقرئا للإذاعة ومنشدا للتواشيح الدينية لأكثر من 30 عاما.

وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الأذان، وكان الصحابي بلال بن رباح - رضي الله عنه - يجود في أذانه كل يوم 5 مرات، ويرتله ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في الإنشاد بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وأصبح له قوالب متعددة وطرق شتى.

وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على أيدي مجموعة من الصحابة، ثم مجموعة من التابعين. وكانت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، هي أساس المنشدين. ثم أنشدوا قصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوّعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، والتمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض، غيرها.

وفي عهد الأمويين أصبح الإنشاد فنًّا له أصوله وضوابطه وقوالبه وإيقاعاته، واشتهر كثير من المنشدين، وكان أكثر المشتغلين بفن الإنشاد الديني وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدي وأخته عَليَّة، وأبو عيسى صالح، وعبد الله بن موسى الهادي، والمعتز وابنه عبد الله، وعبد الله بن محمد الأمين، وأبو عيسى بن المتوكل، وغيرهم. وكان عبد الملك بن مروان في دمشق يشجع الموسيقيين وأهل هذا الفن ويدعمهم.

وفي عهد الفاطميين تطور فن الإنشاد، فأصبحوا أول من احتفل برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوي، وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وغرة رمضان وعيد الفطر وغيرها من المناسبات. وفي بدايات القرن العشرين أصبح للإنشاد الديني أهمية كبرى، حيث تصدى لهذا اللون من الفنون كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يحيون الليالي الرمضانية، والمناسبات الدينية. وتطوّرت قوالب الفن فأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة تمجِّد الدين الحنيف، وتدعو لوحدة المسلمين، وتشجب الرذيلة، وتدعو إلى الفضيلة، كما ظهرت قنوات متخصصة للإنشاد.

الاكثر قراءة