السبت 18 مايو 2024

رسالة شخصية للناقد الأدبي الراحل عبد الرحمن أبو عوف تطرح عدة أسئلة

الناقد الأدبي عبد الرحمن أبو عوف

ثقافة12-4-2022 | 21:54

أحمد فوزي حميده

- أين دور المؤسسات الثقافية لإنقاذ مكتبات الأدباء ؟

- مصير الرسائل الشخصية ولماذا أختفي فن الرسائل الأدبية ؟

- الرسالة تحكي عن واقع اجتماعي واقتصادي وثقافي في القرن الماضي 

- الرسالة تدافع عن فكر لويس عوض وتحمل عتابا واتهاما للناقد الأدبي 

كنا في الماضي حينما نلمح ساعي البريد يمر في الشارع، نسأله عن أي خطابات أرسلت لنا، فيفتش دون ملل أو اعتراض بين أظرف الخطابات الكثيرة التي في حقيبته، فأحيانا لا يجد، وأحيانا يجد، وكنا نتلقاها بفرح شديد، وتتجمع الأسرة لسماع فحوى الرسالة، ذلك لان الجميع كان يتشوق لرسالة من عزيز لديه حالت بينهم المسافات، للاطمئنان على أحواله، ومعرفة التغيرات التي طرأت على حياته، ومناقشته في أمور كثيرة، هكذا كانت الحياة قبل عشرين سنة مضت، لكن مع بداية الألفية الثانية تغيرت الحياة بشكل سريع جدًا، في ظل التطور التكنولوجي الهائل، خاصة مع انتشار استخدام وسائل الاتصال الالكترونية، والتي معها اختفت وسائل الاتصال التقليدية، التي كانت معروفة حتى نهاية فترة التسعينيات من القرن الماضي، والتي أبرزها وأهمها على الإطلاق رسائل البريد الورقية، التي كانت وسيلة التواصل بين الفرد وعائلته أو أصدقائه، والانفتاح على الآخر اجتماعيا وثقافياً، وكانت رسائل البريد على اختلاف أغراضها تحمل الكثير من ملامح الفترة، وتكشف عن مظاهر الحياة والفكر في زمانها.


صدفة
تذكرت زمن الرسائل الورقية وساعي البريد، وأنا أقرا رسالة عثرت عليها بالصدفة، هذه الرسالة أرسلت للناقد الأدبي الراحل عبد الرحمن أبو عوف منذ ثلاثين عاما، والرسالة تدل على أن صاحبها مثقف كبير، خاصة مع ما تحويه من عبارات أدبية راقية، ومناقشة فكر المثقف الموسوعي دكتور لويس عوض، كما أن الرسالة كشفت عن كثير من مظاهر الحياة في زمانها، وحكت عن طبيعة الفترة اجتماعيًا واقتصاديًا وأخلاقيا وثقافيا، والرسالة في حد ذاتها تفجر عددًا من القضايا أبرزها مصير مكتبات الأدباء، أيضا مصير الرسائل الشخصية لهؤلاء الأدباء، وضرورة الاهتمام بها من الكليات والمراكز البحثية المتخصصة.

شقيق أبو عوف


الرسالة مرسلة حسب المظروف، من الدكتور إبراهيم أبو عوف الذي يعيش في محافظة المنيا، إلى الناقد الأدبي عبد الرحمن أبو عوف الذي يسكن منطقة السيدة زينب بالقاهرة، وكان أول ما لفت انتباهي في الرسالة أنها مكتوبة بخط جميل، وجاءت في أربع صفحات من صفحات الكشاكيل المدرسية، بدأها صاحبها بكلمة الأخ العزيز الأستاذ عبد الرحمن، وحين بحثت عن شخصية الدكتور إبراهيم أبو عوف ومدى وجه القرابة بينه وبين الناقد الأدبي عبد الرحمن أبو عوف، لم أقف إطلاقا على تعريف له، أو أي معلومات خاصة وأن المعلومات الشخصية والأسرية عن عبد الرحمن أبو عوف نفسه ضئيلة جدًا، وخلال البحث على الانترنت قرأت تغطية لحفل تأبين الناقد الأدبي، والتي عقدتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في شهر يناير 2012، وشارك فيها مجموعة من الأدباء والنقاد، وكان من ضمن الحضور نجل شقيقته هشام داود، الذي قال: كنت أعيش مع خالي عبد الرحمن أبو عوف في شقة واحدة، وعملت بنفس الشركة التي عمل بها، ولكني لم أرث عنه النقد الأدبي، وكان أخوه إبراهيم أبو عوف طبيب أسنان، هو الذي علمه الكتابة وكانت بداية حياته الأدبية، وكان مبتعدًا عن الحياة الاجتماعية وقضى حياته في عزلة، وأفنى حياته في الأدب والنقد، فكلام ابن شقيقته يكشف لنا أن الدكتور إبراهيم هو الشقيق الأكبر للناقد الأدبي عبد الرحمن أبو عوف وهو من علمه الكتابة وحببه في القراءة والثقافة. 

راهب الأدب
من المعروف أن الناقد الأدبي عبد الرحمن عبد الرحمن أبو عوف، وافته المنية مساء يوم الثلاثاء 28 ديسمبر 2011 عن عمر 77 عاما، بعد صراع مع المرض انتهى بدخوله في غيبوبة استمرت أسابيع، وظل أبو عوف الذي لم يتزوج مخلصا للنقد الأدبي، وكان أول من أصدر كتابا أشاد فيه بإنجازات جيل الستينيات الأدبي في مصر، تحت عنوان (البحث عن طريق جديد للقصة القصيرة المصرية) عام 1971، وللناقد الراحل كتب منها (الرؤى المتغيرة في روايات نجيب محفوظ) و(يوسف إدريس وعالمه في القصة القصيرة) و(فصول في النقد والأدب) و(مقدمة في القصة المصرية القصيرة) و(مراجعات في الأدب المصري المعاصر ) ومنها أيضا (القمع في الخطاب الروائي العربي) وكان أبو عوف رئيسا لتحرير مجلة ( الرواية ... قضايا وآفاق ) التي كانت تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب [توقف إصدارها منذ ثلاث سنوات ]، وقد وصفه الأدباء والكتاب المقربون منه، براهب الأدب، حيث لم يتزوج حتى وفاته، مكرسا حياته ووقته وقلبه وعقله للثقافة والنقد الأدبي، وقد شق أبو عوف طريقه بتحسب حتى أصبحت له مكانته، واهتم بأدب المرأة، وله كتابات غزيرة وعميقة جدا، وقد كانت الحياة بالنسبة له هي الكتابة، وقيل عنه أنه كان ناقدا لا يعرف المجاملة، وكان عندما يقرأ شيئا ويعجبه يهتز من شدة انفعاله وتقديره للعمل الأدبي، وكان طيب القلب جدا، ولكن كان سريع الغضب، وكان يشعر بالظلم لأنه كناقد لم يأخذ حقه إطلاقا، حيث أخلص للوطن والأدب، ولم ينال ما يستحقه من تكريم.

 

أخلاقيات زمان


بداية الرسالة حملت لنا أخلاقيات الناس زمان، وكيف كان يخاطب الأخ أخاه حتى لو شقيقه الأصغر منه سنا، فنجد أن الراسل يبدأ خطابه بعبارة (الأخ العزيز الأستاذ عبد الرحمن)، وفي مواضع أخرى قوله (ثم واغفر لي ما سوف أقول)، (وليس المقصود من كلامي هذا، الإحباط ولكني أبصرك وأفكر معك وأحذرك)، ( المهم نحن نتبادل التفكير، وان شاء الله تتحقق الآمال وتتحسن الأحوال)، ذكرني هذا الأسلوب في التخاطب بما كان يفعله والدي معنا، حيث كان يفرض علينا مناداة كل منا لشقيقه مسبوقا اسمه بلقب أستاذ، ويوبخ من ينساها في الخطاب قائلا، إن ذلك يجعلك تطمح لشأن أعلى، وتفرض احترام الآخرين لك.

حكاية الرسالة
الرسالة غير مؤرخة، لكن الحديث عن تقديم العزاء في وفاة المفكر الكبير دكتور لويس عوض الذي توفى يوم التاسع من شهر سبتمبر عام 1990، يكشف لنا عن تاريخ إرسالها، كما يكشف عن أجواء الحياة الثقافية حينها، أيضا تكشف الرسالة عبر كلمات الشقيق عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية للناقد الأدبي والمجتمع بشكل عام، أما كيف وصلتني الرسالة، فذلك مما يفجر قضية مهمة جدا ويجب الانتباه إليها، هي مصير مكتبات الأدباء، حيث وجدت الرسالة في مظروف مخبوء في قلب كتاب، ضمن مجموعة كتب اشتريتها من ركن سور الأزبكية الذي يقام في معرض الكتاب وذلك عام 2012، حين كان يقام بأرض المعارض في مدينة نصر ، المهم أن كل الكتب التي اشتريتها حينها، كانت إما مؤلفات لعبد الرحمن أبو عوف، أو مهداة إليه من أصحابها، مما يعني أن ما يباع من هذه الكتب هي محتويات مكتبته الشخصية، التي لم تجد من يعتني بها، فتم بيعها لتاجر الكتب، بعد وفاته مباشرة، حتى دون فحص وتدقيق وتفتيش لما تحتويه الكتب من أوراق شخصية، العجيب أن دكتور لويس عوض، والذي دار أكثر حديث الرسالة عنه ضاعت مكتبته هو أيضا ، بعد وفاته، وذلك بعد أن أتلفتها المياه الجوفية ، وبخصوص المكتبات وكيف كانت تمثل للمفكرين  والأدباء، حيث أن وجود مكتبة قيمة، تصبح كالطفل بالنسبة لهم، تبدأ صغيرة، ثم تنمو حتى تصبح في مكانة الابن المحبب ، كما تكون بمثابة العشق والسلوى والبهجة لصاحبها، يذكر أبو عوف الطبيب في رسالته لشقيقه أبو عوف الناقد الأدبي، عن ضياع مكتبة المفكر لويس عوض أكثر من مرة وحرص الأخير على تكوين مكتبة أخرى كل مرة، فيقول:-[ رفض معايشة المرارة ومضى يعمل ويبدأ العمل من جديد بعد كل ضربة ونكسة وغدر ... وأنت نفسك حكيت لي عن مكتبته وكيف فقدها لأكثر من 4 مرات فأعاد كل مرة إنشاء مكتبة جديدة غنية ثرية ... جميلة].

الناس قبل المحمول


أيضا الرسالة تذكرنا بأيام التليفون المنزلي، ومدى الفرحة العارمة التي كانت تسود أي بيت استطاع بعد مشقة وطول انتظار أن يدخل التليفون، فهو كان انجاز يحسد صاحبه عليه ، فقد كان التليفون المنزلي حتى فترة منتصف التسعينيات مطلب عزيز النوال ، وقليلة هي البيوت التي كان تمتلك تليفونات ، فيقول في رسالته لشقيقه:- [أظن أن إدخالك التليفون انجاز حقيقي فقد ألغى المسافة بيننا من حيث المكان والزمان بشكل ساحر فقط المدة التي يحسبها الجهاز للمكالمة قصيرة والثمن مرتفع في النهار وأقل قليلا في المساء بعد الساعة 6 أقول لك هذه المعلومات لاجل أن لا تفاجئ بفاتورة وحشية تضايقك ... ومع ذلك فهو انجاز كبير]، كما تحدث عن امتلاك سيارة خاصة، ومدى الأعباء المادية التي يتكبدها صاحبها ، قائلا:- [ أما السيارة فإنني أنصحك أن تفكر طويلا وعميقا وبحرص زائد ولا جدوى من شراء سيارة قبل تعلم القيادة وإتقانها ... ثم عليك أن تحسب الربح والخسارة من حيث الجراج أو حتى البيات في الشارع وثمن البنزين والمخالفات والضريبة السنوية والتأمين السنوي الإجباري – والصيانة الشهرية وخاصة الغسيل والتشحيم والإصلاحات وكل ذلك يحتاج إلى نهر من النقود فضلا عن رخصة القيادة واستخراجها ثم تجديدها وكلها أمور متعبة، يعني ( السيارة ) مشروع حلو لكنه يحتاج حساب دقيق وإلا انقلب إلى خسارة مؤذية ]، كما كشفت لنا الرسالة عن أزمة السكن، وأزمة البحث عن شقة للسكن، وارتفاع الإيجارات وظاهرة [خلو رجل]، وبداية فترة تمليك الشقق ، فيقول:- [أما موضوع الشقة فهو فكرة طيبة جدا جدا ولكنها متأخرة على الأقل 20سنة أو يعني تقريبا منذ وفاة المرحومة الوالدة ]، [ ولكن هل يرضيك شقة صغيرة... أظنها مسألة صعبة جدا فالإيجار الشهري –إن وجد – غالي جدا مع دفع خلو كبير – والموجود أكثره للتمليك وحراق جدًا جدًا، وغالبا في أطراف أطراف القاهرة وضواحيها البعيدة النائية].

فن الرسائل الأدبية


بقي أن نذكر، أن الرسالة وان كانت شخصية من شقيق الى شقيقه، لكنها تحمل جانبا أدبيا وثقافيا في الجزء الثاني منها، وذلك يذكرنا بفن أو أدب الرسائل، والتي كانت  من أجمل الظواهر الأدبية منذ عقود عدة مضت فهو فن قديم من فنون الأدب العربي، ازدهر في أوائل القرن الماضي ، جنساً أدبياً فنياً مستقلاً، وله رواده، حيث كانت الرسالة قطعة أدبية راقية، لأن الأديب يكتبها وهو في حالة صفاء ذهني ، ويستعرض خلالها ثقافته ولغته ورؤاه الفلسفية الفكرية ، هذا الجنس الأدبي كان بمثابة أوراق جديدة تلقي الضوء على جوانب ومراحل متنوعة من حياة الأديب، وذلك يجعلنا نطرح سؤالا مهما عن هذا الفن الأدبي، أين هو الآن؟، بل أين أدب الرسائل الشخصية للأدباء والمفكرين عموما ؟ ، فالراسل في الجزء الثاني من رسالته قدم تحليلا مكثفا وموضوعيا لشخصية وفكر دكتور لويس عوض، ودافع عنه بقوة ، معاتبا شقيقه في محاولته إنزال صفة المبدع فقط عليه ، وانتفاء صفة الناقد عنه ، متهما شقيقه أنه يفعل ذلك لمصلحة ناقد آخر، أو يفعل ذلك لمصلحته الشخصية ! قائلا:- [ والآن إلى الحديث الثقافي الجاد والمحترم .... خطابك الذي جائني ردا على خطابي ( عزاء لك في الدكتور لويس عوض ) خطاب جميل ... مثلك عندما تصفو وتروق وتبدع ، ولكني لي عليك ملاحظتين في هذا الخطاب أولا – لماذا تحاول أن تؤكد على أن لويس عوض كان مبدعا أكثر من كونه ناقدا ؟؟؟ نعم لماذا تغلب صفة الإبداع عليه أكثر من صفة النقد !؟! ... وما قيمة مسرحية الراهب عندك ؟ صراحة أنا غير مقتنع بهذا الرأي السريع المتعجل ... وأراك تحاول اخفاء لويس عوض الناقد تحت ستار المبدع ...لماذا ؟! ... أسألك نفسك ... فربما كانت هذه فكرة ملعونة ... تلغي بها الناقد ... لحساب ناقد آخر ].
 

نص الرسالة 
والآن مع نص الرسالة، مع ملاحظة أنني حذفت العبارات، التي تحمل الطابع الشخصي والعائلي والأسرار، والكلام الخاص بين الناقد وشقيقه... 
الأخ العزيز أستاذ عبد الرحمن .
تحياتي وأشواقي وكيف هي صحتك ومزاجك إن شاء الله تكون في أحسن الأحوال أظن أن إدخالك التليفون انجاز حقيقي فقد ألغى المسافة بيننا من حيث المكان والزمان بشكل ساحر فقط المدة التي يحسبها الجهاز للمكالمة قصيرة والثمن مرتفع في النهار وأقل قليلا في المساء بعد الساعة 6 أقول لك هذه المعلومات لاجل أن لا تفاجئ بفاتورة وحشية تضايقك ... ومع ذلك فهو انجاز كبير ، أما السيارة فإنني أنصحك أن تفكر طويلا وعميقا وبحرص زائد ولا جدوى من شراء سيارة قبل تعلم القيادة وإتقانها ... ثم عليك أن تحسب الربح والخسارة من حيث الجراج أو حتى البيات في الشارع وثمن البنزين والمخالفات والضريبة السنوية والتأمين السنوي الإجباري – والصيانة الشهرية وخاصة الغسيل والتشحيم والإصلاحات وكل ذلك يحتاج إلى نهر من النقود فضلا عن رخصة القيادة واستخراجها ثم تجديدها وكلها أمور متعبة ، يعني ( السيارة ) مشروع حلو لكنه يحتاج حساب دقيق وإلا انقلب إلى خسارة مؤذية. 


أما موضوع الشقة فهو فكرة طيبة جدا جدا ولكنها متأخرة على الأقل 20سنة أو يعني تقريبا منذ وفاة المرحومة الوالدة ولعل لا تكون نسيت اقتراحي عليك موضوع تأجير شقة دور أرضي في مصر الجديدة بحوالي 7 إلى 8 جنيهات شهريا عن طريق بعض أصدقائي وقد زرناهم ولكن لم نكمل المشوار.. ولكن هل يرضيك شقة صغيرة... أظنها مسألة صعبة جدا فالإيجار الشهري –إن وجد – غالي جدا مع دفع خلو كبير – والموجود أكثره للتمليك وحراق جدا جدا.. وغالبا في أطراف أطراف القاهرة وضواحيها البعيدة النائية ، ولكن العشم في الله موجود ... وما دام عندك أمل واستعداد فلعل وعسى.
المهم نحن نتبادل التفكير ... وان شاء الله تتحقق الآمال وتتحسن الاحوال.
وتفرج بإذن الله.
والآن إلى الحديث الثقافي الجاد والمحترم .... خطابك الذي جائني ردا على خطابي ( عزاء لك في د. لويس عوض ) خطاب جميل ... مثلك عندما تصفو وتروق وتبدع .
ولكني لي عليك ملاحظتين في هذا الخطاب أولا – لماذا تحاول أن تؤكد على أن لويس عوض كان مبدعا أكثر من كونه ناقدا ؟؟؟ نعم لماذا تغلب صفة الإبداع عليه أكثر من صفة النقد !؟! ... وما قيمة مسرحية الراهب عندك ؟ صراحة أنا غير مقتنع بهذا الرأي السريع المتعجل ... وأراك تحاول اخفاء لويس عوض الناقد تحت ستار المبدع ...لماذا ؟! ... أسألك نفسك ... فربما كانت هذه فكرة ملعونة ... تلغي بها الناقد ... لحساب ناقد آخر .
ثانيا :- تقول أنك تجاوزت د. لويس عوض ... وأسأل نفسي تجاوزته في ماذا ؟ هل في كلامه في مقدمة كتاب ( الأدب الانجليزي ) ؟ معك حق إذا كنت تقصد ذلك! 
أما إذا كنت تقصد ما قام به لويس بعد ذلك وحتى نهاية عمره، فأنا آسف لأن ذلك ليس صحيحا لا من ناحية ملاحظاته " النظرية " والتي وردت خلال كتاباته وترجماته ولا من ناحية شغله التطبيقي المنشور للناس جميعا وهو ثروة ، يندر فيها الخطأ أو التهور أو السطحية وان كان به وعنده نقط للخلاف ليست قليلة أنت نفسك من أكثر الناس دراية وخبرة بها ، ثم هل نسيت أنك تكاد تكون ركزت عملك حول نقد القصة القصيرة والرواية في حين كان هو ناقدا يكاد يكون – بحكم ظروف المرحلة – ناقدا شاملا أقصد ناقد شعر وناقد مسرح ... إلى جانب القصة القصيرة والرواية ... مع صرف النظر عن درجة الاجادة في كل نوع من أنواع النقد . ولكنك تتميز عنه بالاهتمام بالجيل الجديد والكتاب الجدد ... بينما هو نفسه آثر الابتعاد عنهم بل ربما ذهب الى حد عدم الاعتراف بهم ! ... ترى لماذا ؟؟؟ لماذا هذا الموقف الغريب منه ؟ أظنك أنت ربما أعرف الناس بالجواب عن هذا السؤال ... لأنك تعرفه هو أكثر ... من كثيرين ... بل وتعرف الكتاب الجدد أيضا ... وبشكل مكثف وعميق وشامل .
إن عليك أنت يا عبد الرحمن حل اللغز ... وهو مسؤليتك دون شك ... أمام التاريخ الأدبي الحديث والمعاصر ! 
الحق يا أخي العزيز إن لدينا حديث شائق حول د. لويس عوض هذا البروميثيوس ... المصري ... الذي أراه قد مات وهو لا يزال مصلوبا على أحجار الرجعية والتخلف والجحود ... مات وهو يرسف في الأغلال ... رغم ما كتب ونشر ... وهو حتى الآن لا زال في القيود .. لا لشيء إلا لأنه كان يحب شعبه ... ويريد ان يسرق لهم النور والسعادة دون غوغائية ودون إرهاب ... ودون تسلط . لقد كان تلميذا ليس فقط لطه حسين بل وأيضا لسلامه موسى ... وكان مستهاما بالوفد العتيق لقدرته على صهر المصريين جميعا في بوتقة الوحدة الوطنية ، فلما خرج عليها خرج منه ، فهو ابن سعد زغلول أيضا ... ولم يكن لديه إلا القليل جدا جدا من "العجول المقدسة " ... ومن هنا كان يمكنه من حين لآخر ان ينهض ويتمرد ويثور ويرفض إسباغ القداسة على ما ليس مقدس ... اللغة ... الجنس ... الجماعة ... الفرد ... السلطة ... ولكنه كان لا يهزء بالعلم أو يمسه بأدنى جرح ... وان كان شغف بالتاريخ وما فيه من أسرار وتعاريج وخفايا ومنحنيات ... لم يكن عبدا للنبوغ الانجليزي ... ولم تخدعه العبقرية الفرنسية ... رغم درسه الأوروبي وفهمه العالمي والإنساني ...ولم ينبهر بأمريكا ... ولم ينخدع في روسيا ... وحافظ لنفسه على مسافة من كل شيء ... ولكنه كان كاره عميق للبداوة... ومن هنا جاء أسلوبه في الكتابة ارقي واعلي قليلا من الكتابة الصحافية ولكنه لا يذكر أو يقبل أن يذكر كلمة واحدة من تلك الكلمات الصخرية والحجرية التي هجرها الأدب العربي من قديم فأخذت تموت ... وأضحكنا في المحاورات الجديدة على الأسماء العربية التي لا جاذبية فيها ... مثل الصمصام ... والشماخ ...الخ ... وعندما كان يكتب أحيانا في السياسة وخاصة السياسة الثقافية صان قلمه عن التذلل المبتذل والنفاق الرخيص ... والتبعية والامعية الدنيئة وكان يفضل ان يخسر مالا أو مركزا عن أن يخون نفسه أو يوقف نشاطه كمعلم حتى ولو كان المعلم العاشر ... ولكنه لقي من سوء الفهم والجحود والتنكر والعقوق قدر رهيب ... كان يكفي وحده ليجعل الحياة مرة في فمه لكنه رفض معايشة المرارة ومضى يعمل ويبدأ العمل من جديد بعد كل ضربة ونكسة وغدر ... وأنت نفسك حكيت لي عن مكتبته وكيف فقدها لأكثر من 4 مرات فأعاد كل مرة إنشاء مكتبة جديدة غنية ثرية ... جميلة 
والآن لك تحياتي وأشواقي وتمنياتي الطيبة – وطيه كارت السبوع لابنتي " آية " وهي في انتظار أن تراك يوما ما ، وهي الآن في شهرها السادس تشبه اللعبة الرقيقة اللطيفة ... تناغي ... وتبتسم وتضحك ... وأنا نفسي لا أستطيع مقاومة ابتسامتها ... وعندما نصورها ان شاء الله نرسل لك صورتها ونشوف رأيك فيها والى اللقاء وسوف أكلمك تليفونيا في الأسبوع الأول من الشهر القادم لنضحك سويًا.

 

 

الاكثر قراءة