الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

ليلة القدر

  • 25-4-2022 | 22:22
طباعة

هي الليلة المَشْهُودَةُ التَّي سَجّلَها الوُجُودُ كُلُّه فِي فَرَحٍ وسُرُورٍ وابْتِهَال.


هي لَيْلَةُ اتَّصَال الأَرْضِ بالملأ الأَعْلَى.


هي الليلة التَّي ارْتَبَطَ فيها عَالَمُ الغَيْبِ بعَالَمِ الشَّهَادَة. 


هي لَيْلَةُ بِدَاية حُصُول التَّجَلَّي ونُزُول القُرآن الكريمِ على قلبِ سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم). 


هي الليلة التَّي اخْتِيرَت لِيفرقَ الله فيها كُلَّ أمرٍ حَكِيم.


هي الليلة التًّي تُمَثِّلُ حَدَثًا كوْنِيًّا لم تَشْهَدِ الأرْضُ مِثْلَه في عَظَمَتِه ودلالته ، وفي آثاره في حياة الإنسانية جميعًا.


هي ليلة الاسْتِثْمَار الأُخروي، فَحَقِّقُوا أَرْبَاحَهَا بِقِيامٍ ودُعَاءٍ وَذِكْرٍ وتِلَاوةٍ وصَلَاةٍ على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والأعْمَالِ الصَّالِحَة.


ليلة القدر هي بداية النور وانفتاحه، هي بداية حصول التجلي؛ إذ نزل القرآن الكريم فيها قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}. 


فليلة القدر هي ليلة النور، حيث نزل فيها النور من النور على النور بواسطة النور إلى النور، فالقرآن الكريم نور {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}، نزل من النور وهو الله {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، على النور وهو سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ }، بواسطة النور، وهو سيدنا جبريل، وجبريل من الملائكة، والملائكة قال في حقها سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنها خُلِقت من النور، إلى النور، أي: إلى أمة النبي (صلى الله عليه وسلم) {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا }.


ومن فضائل هذه الليلة: أن العبادةَ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ: قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ، وألفُ شَهرٍ تَعدِلُ: ثلاثًا وثمانينَ سَنَةً وأربعةَ أشهُرٍ.


ومن فضائلها: نزول الملائكة؛ حيث ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ (عليهم السلام) بالخَيرِ والبَرَكةِ: قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)  فتنزِلُ الملائكةُ فيها إلى الأرضِ بالخَيرِ والبَرَكة والرَّحمةِ والمَغفرةِ.


ومن فضائلها: أنها سَلامٌ: قال تعالى: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، فهي ليلةٌ خاليةٌ مِنَ الشَّرِّ والأذى، وتكثُرُ فيها الطَّاعةُ وأعمالُ الخَيرِ والبِرِّ، وتكثُرُ فيها السَّلامةُ مِنَ  العذابِ؛ فهي سلامٌ كُلُّها.


أما ما يستحب ويشرعُ فيها حتى يتحقق قيامها: فيستحب فيها القيام وتلاوة القرآن الكريم، والدعاء، وذكر الله (عز جل)، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكل عمل صالح.. وقد قال (صلى الله عليه وسلم): " عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ومن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه".
ومن فضائلها: ما ورد عن السيدة عَائِشَة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)، قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ‌‌ إِنْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، مَا أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ: " تَقُولِينَ: ‌اللَّهُمَّ ‌إِنَّكَ ‌عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ". 
والمتأمل لهذا النَّفَسِ المحمدي المنير، يدرك أنه لا يوجد جمال أحسن من العفو، ولا يوجد خير أحسن من العفو؛ لأن العفو أبلغ من المغفرة.


فلك أن تتخيل أن يخطئ إنسان في بعض أعماله وهذه الأخطاء يترتب عليها عقوبة، وحتى يُعاقب فإن هذه الأخطاء تُسجّل عليه، ثم يأتي بعد ذلك تسامح ومغفرة على هذه الأخطاء، فكأنه كُتب في نهاية سجل الأخطاء ((والتي الأصل فيها أن يُعاقب على قدر الأخطاء والمعاصي ))، كُتب في نهاية السجل غُفر له ما سبق ورُفعت عنه العقوبة، لكن تظل الأخطاءُ مُسَجَّلَةً، وهذا يُورث النفسَ ندم التفكير على ما ارتكبه من أخطاء بالرغم من عدم العقوبة عليها، ولعل ذلك حتى لا يعود إليها مرة أخرى، فحين يخطئ الإنسان في أمر ثم يأتي على هذا الأمر المغفرة، فهذا معناه أن الخطأ موجود ومُسَجَّل غير أنه لا يُعاقب عليه.


أما العفو فمعناه محو أثر الخطأ فلن يكون مكتوبًا في سجل الإنسان لأنه مُحي من السجل وحُذف مع عدم العقوبة عليه أيضًا ، فتخيل نفسك ألا يُذكر ما قمت به من معاص أو أخطاء في جناب الحق جل وعلا حين تقف لتقرأ كتابك بنفسك بين يديه (عز وجل) ((بالرغم من وقوعها في الدنيا )) إلا أنها مُحيت وكأنها لم تقع أصلا، بينما هناك من يقرأ كتابه فيجد معاصيَه وذنوبَه مسجلة غير أنه لا يُعاقب عليها، مما يجعله في حياء لأنه يقف بين يدي الله عز وجل، فأيهما أبلغ ؟.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة