الخميس 28 نوفمبر 2024

ذاكرة مصر المعاصرة تحتفل بمئويته مكتبة الإسكندرية توثق سيرة ناصر

  • 21-7-2017 | 15:31

طباعة

بقلم – د.صفاء خليفة

باحثة بمكتبة الإسكندرية

رحل عن عالمنا ولم تكتمل رسالته، تركنا ونحن في أشد الحاجة إلى صموده وصلابته وبعد نظره فى تلك اللحظات المصيرية التى تمر بها أمتنا العربية.

كان جمال عبد الناصر، بالنسبة لعموم العرب قائدًا تاريخيًا وبطلاً تحرّريًا، كان للشعب المصري حاكمًا ورئيسًا، ونجد أنّ العرب ومصر مازالوا يفتقدونك يا أبا خالد، فالكتابة عنك ليست ابتعادًا عن الحاضر أو تجاهلاللمستقبل أو حنينًا لماضٍ يفتقده عشرات الملايين من العرب، بل هي دعوةٌ للاستفادة العربية والمصرية من نهجٍ «ناصري» واجه أزماتٍ وصراعات لحوالي عقدين من الزمن «١٩٥٢-١٩٧٠»، ومازالت هذه التحديات والصراعات تنخر في جسد الأمَّة العربية.

وعلى الرغم من مرور كل هذه الأعوام على رحيل جمال عبد الناصر في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠، إلا أنه يبدو وكأنه غادرنا بالأمس، فصورته تحضر إلى العقل الجمعي العربي كلما واجهت الأمة العربية مشكلة.جمال عبد الناصر هو الزعيم العربي الوحيد الذى مازالت صوره ترفع فى كل مظاهرات الغضب العربى من المحيط إلى الخليج، وتأتي ذاكرة مصر المعاصرة لتوثق لحياة الزعيم جمال عبد الناصر منذ النشأة وحتى الوفاة، استنادًا إلى عدد متنوع من المواد الوثائقية والأرشيفية الهامة العربية والأجنبية كالصور والوثائق والأرشيف الصحفى والفيديوهات والصوتيات وغيرها.

النشأة والتكوين

ونجد في البداية صوراً لقرية بني مر؛ موطن الرئيس، وكذلك حياة الطفل جمال في حي باكوس بالإسكندرية، ثم مراحل التعليم المختلفة التى مر بها، والظروف التى أثرت فى تكوينه الفكري، فقد كان رب الأسرة بحكم عمله دائم التنقل بين قرى ومدن ومديريات مصر، الأمر الذي مكّن جمال عبد الناصر منذ الصغر من التعرف على واقع بلاده، وعلى البؤس والشقاء الذى كان يعانى منه الشعب المصري آنذاك.

عاش جمال عالمًا متنوع الأطر والمقومات، وكان لذلك أثره في بلورة وتشكيل رؤيته، فبعد أن نُقل والده للعمل بمكتب بريد الخطاطبة، تلقى تعليمه الأولي بمدرسة الخطاطبة، وفى العام الدراسي ١٩٢٥-١٩٢٦ التحق جمال بمدرسة النحاسين الابتدائية لمدة عام، ثم مدرسة العطارين، وكان جمال طالبًا في الثالثة عشرة من عمره عندما تقدم جموع المتظاهرين بعد أن استصدر إسماعيل صدقى مرسومًا بإلغاء دستور ١٩٢٣، وكان لهذه المظاهرة وقعها وتأثيرها الكبير على وجدان جمال، فقد اعتبر الجراح التي أصيب بها وسام شرف بين رفاقه الطلبة، وانتقل جمال بعد ذلك إلى مدرسة رأس التين ثم المدرسة الفريدية حيث واصل دراسته لمدة عامين، ونعرض لنشاط جمال عبد الناصر في تلك الفترة، ففى عام ١٩٣٣ ضاق المسئولون فى المدرسة ذرعًا بنشاطه، ونبهوا أباه الذى أرسله إلى القاهرة ليعيش فى كنف عمه خليل، والتحق بمدرسة النهضة الثانوية بحى الظاهر، وفي تلك الفترة، قرأ عبد الناصر العديد من المؤلفات الهامة المتنوعة والمتميزة، أثرت بدورها فى تكوين فكر الطالب جمال عبد الناصر....

الشاب جمال عبد الناصر.. الطالب الثائر

ترصد ذاكرة مصر المعاصرة انضمام جمال عبد الناصر لجمعية مصر الفتاة ثم اشتراكه في مظاهرات نوفمبر عام ١٩٣٥، وحياته وهو طالبًا بالكلية الحربية والصعاب التي واجهته قبل دخولها، وتخرجه فيها أول يوليو عام ١٩٣٨، وأيامه فى قرية منقباد فى السودان بعد التخرج، كما يتطرق إلى التحاق جمال بالعمل فى السودان فى مارس ١٩٣٩، والتى أكسبته خبرة ضخمة فى معرفة الناس والبلاد، حيث عاين عن كثب الآثار المدمرة للهيمنة الاستعمارية البريطانية، وذلك فى ضوء حادث ٤ فبراير ١٩٤٢ وتأثيره على الضباط في تلك الفترة، ثم انتهاء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥.

وكذلك نتعرض تفصيلا لبدايات نشاط حركة الضباط الأحرار، فعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر ١٩٤٨، عقد الضباط الأحرار اجتماعًا، واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة فى فلسطين، وكان لتجربة حرب فلسطين ١٩٤٨ آثاراً بعيدة على جمال عبد الناصر، وبعد عودته من فلسطين، عين جمال عبد الناصر مدرسًا فى كلية أركان حرب ثم تتوالى الأحداث تباع نتيجة انتخابات نادى الضباط واختيار اللواء محمد نجيب قائدًا للحركة في ديسمبر عام ١٩٥١، وحصوله على أغلبية بالإجماع.

ثورة يوليو ١٩٥٢

في ٢٦ يناير عام ١٩٥٢ اجتاحت القاهرة مظاهرات عنيفة ومدمرة، للتعبير عن العداء للبريطانيين، فقد بدأ اليوم بمظاهرة عنيفة قامت بها بعض الجماعات المتطرفة؛ لكن السخط الجماهيري سيطر عليها بعد ذلك، جاء حريق القاهرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر النظام الملكي فى مصر، فالشعب حمَل فاروق مسئولية الحريق، خاصة أنه حاول استثمار الوقائع لصالحه وصالح الإنجليز، فما إن أعلن النحاس الأحكام العرفية، وتولي منصب الحاكم العسكري حتى استبعده الملك فاروق، وعيَن علي ماهر، وبذلك حقق بعض أهدافه، كإبعاد حكومة الوفد، والحفاظ علي سلامة علاقاته مع الإنجليز أتاحت الذاكرة الاطلاع على التفاصيل الكاملة لأحداث يوم حريق القاهرة وتبعاته والذي يعد بمثابة الفتيل الذي أشعل نار ثورة يوليو ١٩٥٢.

كانت ليلة الثالث والعشرون من يوليه ١٩٥٢، ليلة حاسمة فى تاريخ مصر الحديث حينما انطلق الضباط الأحرار ليعلنوا للشعب انتهاء فترة الاستعباد وبداية لعصر جديد فى تاريخ مصر والعرب والشرق الأوسط بل ودول العالم الثالث وانتصرت إرادة الشعب المصري الذى التف حول الضباط الأحرار لنبذ الظلم واستعادة الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن أهم قرارات مجلس قيادة الثورة، على التوالى إعلان الدستور المؤقت في ١٠ فبراير ١٩٥٣، وإلغاء النظام الملكي، وإعلان الجمهورية في ١٨ يونيه ١٩٥٣، وقرار إعادة تشكيل لجنة مصادرة أموال وممتلكات أسرة محمد علي في ٨ نوفمبر ١٩٥٣، وقرار حل جماعة الإخوان في ١٤ يناير ١٩٥٤، والسماح بقيام أحزاب وحل مجلس قيادة الثورة في ٢٤ يوليو ١٩٥٤.

إنجازات الحقبة الناصرية... جمال عبد الناصر رئيسًا

تتعرض الذاكرة كذلك لإنجازات الحقبة الناصرية بداية من الإصلاح الزراعي، والقضاء على الإقطاع، ومرورًا بقراره التاريخي بتأميم قناة السويس ٢٦ يوليو ١٩٥٦، ثم الوحدة المصرية السورية في فبراير ١٩٥٨، وافتتاح متحف رشيد القومي في ١٩ سبتمبر عام ١٩٥٩، وسير العمل في مشروع السد العالي في ١٩٦٠، وقوانين يوليو الاشتراكية عام ١٩٦١، والميثاق الوطني في ٢١ مايو ١٩٦٢ انتهاء ببرنامج جمال عبد الناصر للنضال الوطني الذي طرحه في ٣٠ مارس ١٩٦٨.

وتتطرق الذاكرة لأهم التنظيمات الحزبية التي شهدتها مصر خلال هذه الفترة، بدءًا من هيئة التحرير في يناير ١٩٥٣، ثم الاتحاد القومي في يناير ١٩٥٦، ثم الاتحاد الاشتراكي العربي في مايو ١٩٦٢، وكذلك الاتفاقيات الهامة التي عقدتها مصر، ومنها اتفاقية السودان وتطبيق مبدأ حق تقرير المصير في فبراير ١٩٥٣، وتوقيع اتفاقية الجلاء بالأحرف الأولى في ٢٧ يوليو ١٩٥٤، واتفاقية الدفاع المشترك بين مصر وسوريا، والاتفاقية العسكرية الثلاثية بين مصر وسوريا والأردن، ومشروع اتفاق الوحدة بين الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والعراق فى أبريل ١٩٦٣.

القائد... عربيا- إفريقيًا- دوليًا

فضلا عن أهم الأحداث العربية والإقليمية والدولية التي كان لها كبير الأثر على أهم القرارات المصيرية في تاريخ مصر الحديث، فتأتى الذاكرة لتبرز أهم محطات القوة في العلاقات المصرية العربية، وكيف كانت مصر هي رائدة للعالم العربي وأفريقيا أيضًا فى ظل حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وقد نجحت ذاكرة مصر أن توضح كيف استطاع عبد الناصر أن يضع مصر في قلب العالم العربي وأن يضع العالم العربى فى قلب العالم.

فتلقى الضوء على حضور مصر لأهم المؤتمرات الدولية والإقليمية والعربية والإفريقية التى تمس الأمن المصري، وتناقش أهم القضايا العربية ومنها مؤتمر التضامن الآسيوى الافريقى في يناير ١٩٥٨، ومؤتمر القمة الافريقي بالدار البيضاء بالمغرب فى يناير ١٩٦١، ومؤتمر بلجراد فى سبتمبر ١٩٦١، والميثاق الإفريقي بأديس أبابا، ومؤتمر القمة العربي الأول، وانعقاد أول مؤتمر قمة افريقية في القاهرة في يوليو ١٩٦٤، ومؤتمر القمة العربية الثانى فى الإسكندرية فى سبتمبر ١٩٦٤، ومؤتمر القمة العربية الثالث في المغرب، ومشاركة مصر فى مؤتمر القمة الإفريقى في كينشاسا بزائير، ومؤتمر القمة الثلاثي المنعقد بالقاهرة حول الموقف العربى فى ١٢ فبراير ١٩٧٠.

وتتطرق أيضًا إلى سلسلة مؤتمرات عدم الانحياز ودعم مصر لسياسة الحياد الإيجابى والتى بدأت بمؤتمر باندونج في أبريل ١٩٥٥، ومؤتمر بريوني في يوليو ١٩٥٦، ومؤتمر القمة الثاني لحركة عدم الانحياز فى القاهرة فى أكتوبر ١٩٦٤، ومؤتمر الأقطاب في الهند فى ٢١ أكتوبر ١٩٦٦، بالإضافة إلي أهم لقاءات وزيارات جمال عبد الناصر، على الإطلاق وهي زيارته للأمم المتحدة ٢٧ سبتمبر ١٩٦٠، وحضوره لمؤتمر الصحفيين اليابانيين حول قضية فيتنام ١٠ فبراير ١٩٦٦، ولقائه بالفيلسوف الفرنسي «جان بول سارتر»، والكاتبة «سيمون دى بوفوار»، و»كلود لانسمان» رئيس تحرير مجلة العصور الحديثة.

كما تتناول تفصيلا الحروب التي خاضتها مصر في عهده حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧، وحرب الاستنزاف من يونيه ١٩٦٧ إلى أغسطس ١٩٧٠.

ماذا كتب لنا جمال عبد الناصر بقلمه؟!

أما عن فكر وشخصية جمال عبد الناصر، فكان من الضرورى تسليط الضوء على أحد وأهم جوانب الشخصية الكاريزمية لجمال عبد الناصر، ألا وهو الجانب الثقافي والفكري، وقد تجلى هذا الجانب من الشخصية في سلوك جمال عبد الناصر الإنسان والزعيم ورجل الدولة. فقد نشرت له مجلة مدرسة النهضة الثانوية أول كتاباته-مقالة بعنوان «فولتير، رجل الحرية»، وهو في سن السادسة عشرة من عمره، فكانت بذلك أولي كتابات الطالب جمال عبد الناصر.

وفي عام ١٩٣٤ بدأ الطالب جمال عبد الناصر حسين وهو في السادسة عشرة من عمره في تأليف رواية «في سبيل الحرية»،والتي تتصدر صفحتها الأولى صورة «عبد الناصر»، وتتناول في مضمونها المعركة الخالدة التي خاضها أهل رشيد بمصر عام ١٨٠٧ثم نجد موهبة جمال التمثيلية عندما قام بدور «يوليوس قيصر» في مسرحية شكسبير ضمن برنامج الحفلة التمثيلية السنوية لمدرسة النهضة ١٩٣٥ بعد قراءته عن الشخصية وإعجابه الشديد بها.

ثم نوضح إلي أي مدي تأثر جمال عبد الناصر بالأحداث في مصر وعلي صعيد العالم العربي والتي دفعته نحو كتابة بعض الخطابات إلي أصدقائه استنكر فيها تلك الأحداث والتي كان أهمها إلغاء دستور ١٩٢٣، واستصدار إسماعيل صدقي باشا لدستور ١٩٣٠، وأحداث ٤ فبراير ١٩٤٢.

كما كان لحرب فلسطين ١٩٤٨ كبير الأثر علي فكر جمال عبد الناصر وقلمه أيضًا، فبالإضافة إلي سلسلة من المقالات التي نشرتها مجلة آخر ساعة، عام ١٩٥٥ تحت عنوان «يوميات الرئيس جمال عبد الناصر وحرب فلسطين»، صدر كتاب «فلسفة الثورة» عام ١٩٥٣ والذي يعد بمثابةأول وثيقة تصدر عن ثورة يوليو ١٩٥٢ ومفاهيمها عام ١٩٥٣ بعد نحو سنة من قيام الثورة في يوليو ١٩٥٢.

القائد الإنسان....

نجحت ذاكرة مصر المعاصرة في تناغم إنساني رائع في تقديم إطلالة على لقطات من حياة جمال عبد الناصر الإنسان بعضها مع عائلته الكبيرة، وبعضها في منزله بمنشية البكري بين زوجته وأولاده، ولمحات من حياة جمال الأب والأخ والصديق.

الرحيل.... ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠

وأخيرًا،تتعرض الذاكرة تفصيلا إلى يوم وفاة جمال عبد الناصر، ومشهد جنازته المهيب والذي وثقناه بالصور والأخبار الصحفية والوثائق المتبادلة بين زعماء العالم أجمع حزنًا على رحيله.

رحل الرئيس جمال عبد الناصر، وقد اقتفت مكتبة الإسكندرية أثره في مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، وتستعد للاحتفال بمئوية ميلاده العام المقبل وتحديداً في بناء القادم.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة