الأحد 5 مايو 2024

اغتيال فرج فودة : من له حق الكلام باسم الإسلام ؟

22-7-2017 | 13:02

هدى بدران

  • فرج فودة واقفا مع ابنه وأحد الأصدقاء علي رصيف الشارع خارج مكتبه في مصر الجديدة في 7 يونيه 1992 حين اتجه إليهم رجلان يقودان دراجة بخارية ليطلقا عليهم وابلا من الرصاص . توفي فرج فودة بعد ست ساعات بالرغم من محاولات إنقاذه وأصيب الابن والصديق الواقف معه غصابات بالغة . أعلنت الجماعة الإسلامية مسئوليتها عن حادثة الاغتيال ، و اعترفت بأنها كانت قد كلفت القاتلين من أعضائها بمراقبة منزل فودة وتحركاته لعدة أسابيع تدبيرا للحادث. ولد فرج فودة في مدينة الزرقاء بدمياط ،وحصل علي ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي. له العديد من الكتب خارج مجال الزراعة ، كما كان له عمود في جريدة أكتوبر. عرف فودة كداعية للدولة المدنية ونادي بحقوق الإنسان وكرامته ، وكانت قضيته الكبري نهضة مصر وتقدمها. قاد فرج فودة حربا فكرية ضد التعصب والتطرف وضد محاولات إقامة الدولة الدينية من خلال كتاباته ومناقشاته فاكتسب عداوة جموع المتعصبين والمتطرفين . وكان ردهم علي قلمه بالتهديدات التي كانت تصل إليه بشكل مستمر ، وتقبلها ساخرا واصفا اليوم الذي لا يصله فيه تهديد بأنه" عمر ضايع يحسبوه إزاي علي " مستخدما في وصفه مقطعا من أغنية " انت عمري " لأم كلثوم. له 10 كتب صدر الأول منها عام 1983 بعنوان الوفد والمستقبل حينما كان عضوا فى حزب الوفد وقبل أن يخرج منه نتيجة لتحالف الحزب مع الإخوان في المعركة الانتخابية عام 1984. وشملت كتبه موضوعات تعبر عن موقفه واتجاهاته نحو الحركات الإسلامية مثل حوار حول العلمانية ، والحقيقة الغائبة ، وقبل السقوط وزواج المتعة وغيرها من الكتب . وتميزت كتابات فودة بالجرأة والقوة بجانب سلاسة لغوية فائقة يسهل فهم الجماهير العادية لها مما أكسبه خطورة من وجهة نظر الجماعات الإسلامية. فيقول علي سبيل المثال مهاجما الإخوان المسلمين في كتابه الحقيقة الغائبة " عليهم أن يجاهدوا في نفوسهم هوي السلطة وزينة مقاعد الحكم ، وأن يجتهدوا قبل أن يجهدوا الأخرىن بحلم لا غناء فيه، وأن يفكروا قبل أن يكفروا ، وأن يواجهوا مشاكل المجتمع بالحل لا بالهجرة، وأن يقتصدوا في دعوي الجاهلية حتي لا تقترن بالجهل ، وأن يعلموا أن الإسلام أعز من أن يهينوه بتصور المصادمة مع العصر، وأن الوطن أعز من أن يهدموا وحدته بدعاوي التعصب، وأن المستقبل يصنعه القلم لا السواك، والعمل لا الاعتزال، والعقل لا الدروشة والمنطق لا الرصاص ، والأهم من ذلك كله أن يدركوا حقيقة غائبة عنهم، وهي أنهم ليسوا وحدهم جماعة المسلمين . "

ومن المهم هنا الإشارة إلي أن فرج فودة اهتم بقضايا المرأة وساندها كجزء من أفكاره الإصلاحية التنويرية. فكان عضوا عاملا في جمعية تضامن المرأة العربية وشارك في عدة ندوات عامة بها. وتناول فودة في ندواته بالجمعية قضايا الحجاب والنقاب بشكل متنور يرفض تقييد حقوق المرأة . وقال إنه يري الزي مسالة شخصية وأن القرآن ذكر الحجاب في سورتين ولكنه لم يحدد كيف يكون عليه شكل الحجاب ، وأن الجماعات الإسلامية تدعو لحجاب المرأة كجزء من مشروعهم لتغيير ثقافة المجتمع ، وأن الحجاب ما هو إلا خطوة تليها خطوات في سبيل الوصول إلي تغطية المرأة بشكل كامل حتي لا يظهر منها إلا العين اليسري ، والأفضل أن يظهر ركن فقط من هذه العين . وعقب علي ذلك قائلا إذا كان ذلك هو الدين الحنيف فلماذا لم تخلق المرأة بعين واحدة فقط. وبالنسبة لزواج المتعة فقد خصص له أحد كتبه . وأعلن أنه لا يدعو إليه ولا يوافق عليه ولا يقبله لبنات أسرته أو لغيرهن من بنات المسلمين. إلا أن من الواجب دراسة زواج المتعة من الوجهة الفقهية لأسباب ذكرها في كتابه وهي :

- اعتراف الأزهر بمذهب الإمامية الاثني عشرية الشيعي والذي يحل المتعة ، في فتوي للشيخ شلتوت.

- عدم معاقبة فقه السنة علي المتعة علي أنها زنا، ولا بأية عقوبة لوجود شبهة نتيجة فتوي عبد الله بن عباس كما ورد في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق.

- إبانة المأزق الذي يقود إليه تقييم نصوص السنة علي أساس السند وليس علي أساس المتن

- الأسي لتفرق المسلمين بين سنة وشيعة دون محاولة لرتق الخلاف وتلافي أسبابه

  • التناقض بين قضية فحواها الإباحة ومضمونها الحرية ، وبين اجتهادات أخرى في قضايا تتصل بها فحواها القيد ومضمونها التشدد.

ويفسر فرج فودة عدم إثارة أنصار الدولة الدينية لقضية زواج المتعة بأن إثارته يضطرهم للاختيار بين قبول زواج المتعة مما يتعارض مع موقفهم المتشدد من المرأة ، أو إنكاره ويتناقض ذلك مع احترامهم للنصوص التي وردت في كتب السنة وتفاسير القرآن وأقوال كبار الفقهاء. ومما قاله فودة عن قضايا المرأة إن هناك حقوقا للمرأة ترتبت في عصرنا الحالي لم تترتب في العصر السابق فأصبح عمل المرأة علي سبيل المثال واقعا لا منة أو منحة، وحقا مكتسبا لا سبيل إلي مناقشته . وأشار فودة في إحدي الندوات إلي اتهام الجماعات الإسلامية لرئيس مجلس الشعب ، حينئذ رفعت المحجوب ، بحبس القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية التي تخص المرأة مثل قانون الزنا دون عرضها للمناقشة لأن المحجوب يرفض تطبيق الشريعة. وشرح فودة أسباب عدم مناقشة هذا القانون بالذات والمقدم لمجلس الشعب لاستحالة تطبيق الشروط الأربعة لإثبات الجريمة والتي يتطلبها القانون المقدم وفقا للشريعة . ويعتقد البعض أن المحجوب اغتيل بواسطة الجماعات الإسلامية بسبب هذه التهمة التي وجهت إليه.

تمت عملية اغتيال فرج فودة بعد أيام من اتهام محمد الغزالي شيخ الأزهر له بالكفر والارتداد عن الإسلام . ومن العجيب أن الغزالي كان يوصف بالوسطية في أفكاره. وحين كان الشيخ محمد الغزالي يؤم الناس بالصلاة ، يتجمع عشرات الآلاف من المصريين العاديين في الميادين العامة ليستمعوا لخطبته. كان الغزالي شيخا من شيوخ الأزهر وكانت له مقالة أسبوعية في جريدة الشعب التابعة للإخوان المسلمين. وكان يعتقد أن جهود الإصلاح السياسي لتصبح مصر دولَة ديمقراطية تجمع بين الحداثة والأصالة لن تتم إلا إذا بنيت علي أساس ديني . ويعتقد الكثيرون وأنا منهم أن الندوة التي نظمها سمير سرحان في المعرض السنوي للكتاب عام 1992 كانت القشة التي قسمت ظهر البعير وأدت مباشرة إلي قتله. كان عنوان الندوة "الدولة المدنية والدولة الدينية " . دارت الندوة حول الإسلام السياسي ومستقبل السياسة في مصر وبدأ النقاش وكأنه نقاش سياسي بريء ولكن انتهت الندوة كعلامة بداية نهاية فرج فودة. حضر الندوة آلاف الشباب مختلطين مع مجموعة أخرى من رجال البوليس يرتدون الزي المدني ويخفون مسدساتهم . استمرت الندوة لمدة 3 ساعات اشترك فيها من جانب الغزالي الهضيبي ومحمد عمارة واشترك خلف الله من جانب فرج فودة. ذكر الغزالي الجمهور بما عانته مصر من المستعمرين ومن الغرب الذي يحاول تهديد التراث الإسلامي . وجاء في جريدة المصور بتاريخ 17 يناير 1992 أن الغزالي قال إن المصريين لن يجدوا مكانا لهم في العالم المتحضر إلا إذا استعادوا علاقتهم بالإسلام وإلا إذا تخلصوا من الاستعمار الفكري والتشريعي والتعليمي الغربي ، وإلا إذا قامت الحكومة بمسئولياتها علي أساس من القرآن والعقل. ومما قاله فودة في هذه الندوة إن الدول الإسلامية مثل إيران والسعودية تتسم بالقمع والصراعات الدموية ، وإن التماسك الوطني يتحقق من خلال مبدأ المواطنة وليس من خلال الدين ، وأن يستمر الدين بعيدا عن السياسة وما يميزها من فساد. وكتبت بعض الصحف أن الندوة سمحت بسماع الرأي والرأي الآخر ، واختفي التوتر والاستعداد لأعمال العنف التي ظهرت في بداية الندوة مما يدل علي حاجة المجتمع وجيل ذلك الوقت إلي الديالوج والمناقشة الجدية بدلا من المونولوج الذي استمر وتعودوا عليه لمدة 10 سنوات. ويبدو أن ردود فودة الهادئة والمقنعة أدت إلي تحول في تفكير الجمهور العدائي نحو فودة ونحو الدولة المدنية مما أشعل غضب الغزالي فأصدر حكمه علي فرج فودة بأنه كافر ومرتد، وقتل فودة بعد 4 أشهر بعد الندوة. سبق هذه الندوة ندوات أخرى بالقاهرة والإسكندرية ولكن هذه الندوة كانت حاسمة حيث أفحم فودة مناظريه بحججه وفصاحته وسهولة لغته وهدوء أعصابه بعكس تشنج مناظريه وعصبيتهم. ظهر الغزالي بعد الندوة بأسابيع علي التليفزيون ليقول " إن من يدعو للعلمانية مرتد يستوجب أن يطبق عليه حد الردة .ونشرت جريدة النور قبل اغتياله بأسبوع بيانا لجبهة علماء الأزهر يكفر فرج فودة وأنه يستحق القتل لكونه مرتد. وانتشرت الدعاوي لقتله في المنابر الإسلامية.

قال حلمي النمنم في ندوة المجلس الأعلي للثقافة " فرج فودة ...حضور رغم الغياب " بمناسبة مرور 25 عاما علي اغتياله إنه كان أحد الحاضرين للندوة الشهيرة التي نظمها سمير سرحان واغتيل فودة بعدها ، وتساءل النمنم بعدها في جريدة المصور إن كانت هذه المناظرة ستكون نهاية فرج فودة . لأنه رأي نظرات الغزالي والهضيبي لا تحمل الغل والحقد فقط وإنما رأي الموت فيها.

كان فودة يري أن هناك تشابها بين التيار السياسي الديني والنازية وأن التيارين يتشابهان في الشعور بالاستعلاء والعنصرية ، والعودة إلي الجذور واستخدام الشائعات لتبرير التعصب والعنف. وكان فودة محقا في تأكيده علي العلاقة بين العنف والتطرف والإرهاب وإطلاق الإشاعات . فقد استخدمت الشائعات المختلفة أساسا ومبررا لإصدار الأمر باغتياله . ومن المعروف أن الشائعات تهدف عادة إلي التمهيد النفسي لعمليات الإرهاب وتخدير الرأي العام الجماعي حتي لا يستنكر العمل الإرهابي فهي تطوع المجتمع كلما أمكن لكي يقبل الإرهاب ويبرره . ولا تشكل الإشاعات في حد ذاتها سببا للعنف والإرهاب ولكنها تقوي الشعور بالتعصب والتطرف خاصة لدي من لديه درجة او استعداد للتتطرف ، وتشكل مبررا مسموحا به لحوادث قتل أو إبادة . وتشبه الشائعات عواء الكلب المسعور الذي يسبق العضة نفسها. وبالرغم أن العواء لا يؤدي بالضرورة إلي العض ، إلا أن العض دائما يسبقه عواء . فعلي سبيل المثال سبقت قوانين نورنبرج التي أصدرها هتلر ضد اليهود إشاعات وحملات لفظية مليئة بالتعصب نحوهم لمدة سنوات ، ثم بدأ العنف وإبادتهم بسرعة بعد سن هذه القوانين. وليس شرطا أن تتولي الجماعة التي صاغت الإشاعة أو نشرها تنفيذ القتل أو الإيذاء. فدور الجماعة هو تهيئة المناخ وإعداد المسرح وتشجيع من لديهم الرغبة في القيام بأعمال العنف والإرهاب أو تتوافر لديهم النية علي القيام بالتنفيذ. وهناك خبراء في إعداد الشائعات وهناك المتخصصون في نشرها. وبعض الشائعات تصنع محليا لتصفية حسابات قد تكون فردية ويصنع بعضها أجهزة متخصصة في حالة الإرهاب المعولم.

  • سبق اغتيال فرج فودة إطلاق حملة لنشر حزمة من الشائعات من ثلاثة أنواع نحوه. النوع الأول ديني حيث اتهم بأن أفكاره خارجة عن الإسلام، يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية ويتطاول علي الصحابة ، فهو لذلك كافر ومرتد عن الإسلام ولذا يحل دمه ، والنوع الثاني من الإشاعات سياسي فأشيع أن له علاقات خاصة مع إسرائيل ، خاصة وقد انتقد حادثة قتل السياح الإسرائيليين بواسطة سليمان خاطر ، وقيل إن ابنته متزوجة من السفير الإسرائيلي. أما النوع الثالث من الشائعات التي أطلقت ضده فكانت جنسية حيث اتهم بأنه كان يعرض أفلاما إباحية ويرتاد حفلات الجنس الجماعي في جمعية تضامن المرأة العربية. كما اتهم بأنه دعا في إحدي كتبه إلي إباحة الزنا ، وأن برنامجه الانتخابي يتلخص في حماية الزناة والسكاري . وتلاقي الشائعات صدي واستجابة ليس فقط عند البسطاء من الناس ولكن أحيانا عند المتعلمين ودون استعداد للمناقشة. وقد سئل قاتل فرج فودة ، وكان من البسطاء إن كان قد استدل من كتب فودة أنه كافر مرتد عن الإسلام فرد بأنه أمي لا يستطيع القراءة ولكنهم قالوا له إنه كذلك.

ولدينا أمثلة كثيرة عن الدور التي تلعبه الإشاعات للتحريض علي العنف والقتل . وقد تطلق الإشاعات نحو فرد معين كما في حالة فرج فودة ، أو توجه إلي جماعة بعينها وخاصة إلي الاقليات في المجتمع. وتشهد مصر حوادث عنف جماعي تصل الي القتل ،تسبقها الإشاعات التي تدعي أحيانا خطف البنات المسلمات بواسطة الأقباط بغرض الزواج منهن أو دفعهن لتغيير دينهن. وقد خلقت هذه الإشاعات مناخا من التوتر والغضب ومهدت الجو وحرضت علي الانتقام ، فقامت بعض الجماعات بحرق الكنائس وتم في بعض الأحيان استباحة سرقة محلات الأقباط وحرقها.

أثار اغتيال فودة المناقشة في الشارع المصري حول قضية الردة بواسطة الأشخاص العاديين وداخل الجوامع بواسطة علماء الدين. وبينما كانت تجري محاكمة قاتلي فودة نشرت الصحف عناوين نارية تعبر عن الجدل والدعاية التي تقوم بها الجماعات المختلفة . واشترك في الكتابة الأحزاب السياسية المعارضة والمصريون العاديون بجانب الصحفيين من جميع التوجهات.ولأول مرة تتمركز مناقشة موضوع الردة وتصل إلي الحياة العامة ليشارك الشارع فيها دون خلفية علمية أو دراسة عن الموضوع. بمعني آخر رأي الناس أن من حقهم التعبير عن رأيهم حول القضايا الدينية والوضعية.

من ناحية أخرى أخذ القضاء علي عاتقه أثناء محاكمة القتلة تحديد القيم والممارسات التي تتطلبها الآداب العامة ويتطلبها الصالح العام ، ولكنه عرف الردة بشكل غامض دون تحديد قانوني واضح لها ، وقرر الرجوع في ذلك إلي حكم الأزهر . ومعني ذلك ببساطة أن القضاء لا يعتبر الردة شكلا من أشكال الحرية الدينية التي نص عليها الدستور لأنها تتعارض مع الآداب العامة. وهكذا تدين مصر المرتد عن الإسلام ولكنها لا تضع قانونا محددا ضد الردة فتبدو كأنها تحترم الحرية الدينية كما نص الدستور وهي تلتزم في نفس الوقت بمبادئ وتفسيرات الشريعة.

المراجع

----------

- كامل عزة  وشعبان يوسف "صرخة فرج فودة" منشورات بتانة . القاهرة 2017

- ازنزار " الجيش المصري والإخوان المسلمون: قصة حب طويلة انتهت بالطلاق. " صحيفة المنشور ، العدد تموز ٢٨ /٢٠١٣

- هدى بدران  " النشاط الإرهابي وضحاياه من الأطفال والنساء " ورقة غير منشورة . القاهرة ٢٠٠٠

- حرب علي " مشكلات الهوية الدينية " www.maaber.org/issue. Sept. 09 / lookout 2.htm

- الطراونة أنس محمد "الإرهاب " المركز الديمقراطي العربي . عمان . الأردن.