الحروب قديمًا كانت بطلقات المدافع وقذائف الطائرات، جنود فى ساحات المعركة يكسبون ارضًا ليعلنوا الانتصار والسيطرة على الأرض فى النهاية.. ولكن الآن الأمر تغير قليلاً فحروب الفكر والسيطرة على العقول أصبحت أخطر وأشرس، فهناك أعداء لا يريدون النجاح أو التنمية ولا يستطعيون المواجهة، فيستخدمون الضعفاء للسيطرة عليهم وتحويلهم لآلات تخدم أهدافهم الخبيثة.
منذ سنوات وبواقع عملى بجريدتى «أخبار الحوادث» وأنا أهتم بملف الإدمان والمخاطر التى تهدد الأسرة قبل المدمن نفسه، شاهدت حالات إنسانية صعبة، فالإدمان داء لعين يجعل صاحبه انسانًا هشا لا يستطيع السيطرة أو التحكم فى نفسه وتصرفاته، شاهدت وتكلمت مع العديد من الحالات الصعبة منها أم أنهارت تمامًا بسبب ما يفعله فلذة كبدها وأب مات حسرة على ما يفعله الابن بنفسه، فتاة فى حالة سيئة بسبب شقيقها، وأخ أكبر كاد أن يقتل شقيقته المراهقة عندما علم أنها مدمنة سموم بدلا من أن يعالجها، جرائم كثيرة ارتكبت تحت تأثير المواد المخدرة، فالأب يقتل طفلته بسبب المزاج وآخر باع طفله الوحيد لشراء الكيف الأزرق، فتاة قدمت شرفها لـ «ديلر» من أجل جرعة، وشباب فى مقتبل العمر تركوا جثة صديقهم داخل سيارته بعدما فارق الحياة بعد تعاطيهم المخدرات.
ولان المغامرة التى قمت بها داخل مدينة الإدمان وأطلق عليها هذا الإسم لأن هذه المنطقة من ضواحى الجيزة تضم عدد كبير من المصحات المرخصة وغير المرخصة لعلاج الإدمان وفى بعض الأحيان تعذيبهم حتى الموت لكشف العالم السرى والأساليب التى يتبعها أصحاب المصحات غير المرخصة والتى يمتلكها المدمنون– وهى قمة المفارقة - أو المتعافين حديثًا، والهدف منها هو جمع المال لا العلاج، وهذا ما ثبت من خلال الاساليب غير الآدمية التى يستخدمونها داخل مصحات الموت، وما أكدته حملات وزارة الداخلية على تلك المصحات، فالمتهمون مسجلون خطر، والمضبوطات «أدوية مجهولة، وأخرى مخدرة» وأدوات تعذيب «حبال، عصا»، وهذا ما يجعل المدمنين والذين اختاروا طريق التعافى يهربون وأحياناً يلقون مصرعهم خلال رحلة الهروب من مصحة الموت.
أيقنت من خلال عملى أن رحلة التعافى صعبة، ولابد من قرار داخلى نابع من المدمن نفسه، لاحظت أن المدمن ضعيف، والمتعافى يحاول التغلب على الضعف والعودة لقوته الكاملة.
كل هذا من الممكن أن أتخيله داخل عالم الإدمان، ولكن ما لم أتخيله أن يتم تجنيد المدمنين والمتعافين الذين فى طريقهم للتعافى من أجل تنفيذ مخططات أهل الشر من الجماعة الإرهابية، وتحويلهم لآلات تخدم أهدافًا شريرة لأهل الشر، استغلال هؤلاء الضعفاء المهزوزين نفسيًا؛ لغسل عقولهم وانضمامهم داخل جماعات ارهابية كل هدفها هو الخراب ومنع أى محاولة تنمية وبناء يخدم الوطن.
هذا ما عرفته من أحد الشباب المتعافين، عندما فوجئت به يتحدث عن طبيبه النفسي، والذى يتابع معه داخل عيادته بأحد أحياء القاهرة ويخضع لجلسات تأهيلية لما بعد الإدمان، ولكن ما لفت انتباهى وقتها هو أسلوب الشاب واعتراضه غير المبرر على الكثير من الأمور بلا منطق وتبنيه آراء دينية متطرفة، وهذا ما أكد لى أن هذا الشاب تمت له عملية غسيل مخ وهذا بسبب حديثه عن الجماعة الإرهابية بتعاطف.
المرعب بالنسبة لى عندما علمت بعد ذلك أن الشاب سافر لخارج البلاد دون علم أهله، واكتفى بترك رسالة يخبرهم فيها بأنه سيرحل ليجاهد.
هنا الرعب تملكنى وقادنى للبحث حول هذا الطبيب النفسي، ومعرفة طبيعة ما يفعله وتوجهات هذا الطبيب، اكتشفت أن عيادته الموجودة فى «.......» هى العمل الأساسى له، وبمتابعة آرائه على مواقع السوشيال ميديا اكتشفت أنه ينتمى إلى الجماعة الإرهابية، فجميع منشوراته تؤكد انضمامه لجماعة الضلال، لا أستطيع تمالك أعصابي، فما الذى يدور داخل تلك العيادة سوى استغلال حالة الضعف لدى المدمنين ومحاولة غسل أدمغتهم.. أيقنت أننا أمام كارثة فمازالت الجماعة الإرهابية تحاول استغلال أى نقطة ضعف لدى أى شاب وفتاة من أجل استخدامهم فى أعمال إرهابية، وهم تحت تأثير أفكارهم، وهذا يعنى أنهم خرجوا من تأثير المواد المخدرة ليقعوا تحت تأثير الجماعات المتطرفة.
بدأت سريعا فى جمع المعلومات حول هذا الطبيب، اكتشفت أنه كان يعمل مديرًا لإحدى وحدات علاج إدمان المراهقين لمدة 4 سنوات كما تم فصله من المستشفى الحكومية التى يعمل بها، الغريب فى الأمر أنه مازال عضوًا بالجمعية المصرية للطب النفسي، ومازال يمارس عمله كطبيب نفسى فى عيادته، مستخدمًا أساليبه فى الايقاع بالمدمنين.