السبت 18 مايو 2024

محمد نجيب الثورى الذى أصبح أول رئيس لمصر

28-7-2017 | 14:38

تقرير: محمود أيوب

عقيدة القوات المسلحة الثابتة أنها لا تنسى أبناءها المخلصين، من وهبوا حياتهم للدفاع عن الوطن ولم ينتظروا المقابل، اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية عقب ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ أحد هؤلاء المخلصين، وكان واجباً رد الاعتبار له، حتى وإن تأخر قليلاً، ولكن جاء التكريم وإطلاق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط دليلًا واضحًا وبرهانًا على أن القوات المسلحة لا تنسى الرجال المخلصين، ولا تضع فى حساباتها أبعادًا سياسية، أو مواقف شخصية، فقط تنزل المخلصين من أبنائها منازلهم التى يستحقونها حتى ولو بعد حين.

وهذا ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته خلال افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية عندما قال «إن هذا الافتتاح برهان على وفاء مصر لابن من أبنائها، تصدى للعمل الوطنى فى لحظة دقيقة وفارقة، وهذا يعد تكريماً لإسهامه الوطنى.

تاريخ اللواء محمد نجيب العسكرى حافل بالبطولات، كان قائداً عسكرياً من طراز فريد وتكريمه يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويجب أن يعلم الجميع أن دور الرئيس محمد نجيب لم يكن أقل بأى حال من الأحوال عن دور أى ضابط فى تنظيم الضباط الأحرار، بل وضع روحه على كفه وقبل أن يكون فى العلن قائد التنظيم، بل ورفض عرض السراى والملك أن يكون وزيراً للحربية مقابل أن يدلى بأى معلومات عن تنظيم الضباط الأحرار.

«كنت طالباً فى السنة الثانية بالكلية ١٩١٤ وجاء المستر “سمبسون”، مدرس اللغة الإنجليزية، ليملى علينا قطعة إملاء جاء فيها: أن مصر يحكمها البريطانيون، فلم يعجبنى ذلك، وتوقفت عن الكتابة ونهضت واقفاً وقلت له: “لا يا سيدى مصر تحتلها بريطانيا فقط ولكنها مستقلة داخلياً وتابعة لتركيا، فثار المدرس الإنجليزى وغضب وأصر على أن أذهب أمامه إلى مكتبه وأمر بجلدى عشر جلدات على ظهرى واستسلمت للعقوبة المؤلمة دون أن أتحرك أو أفتح فمي».. هكذا كانت حماس ورجولة الشاب محمد نجيب المصرى الغيور على بلده لينال بعدها لقب أول رئيس يتولى حكم مصر بعد الملكية.

اللواء أركان حرب محمد نجيب سياسى وعسكرى مصري، أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية فى (١٨ يونيه ١٩٥٣)، كما يعد قائد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ التى انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر، تولى منصب رئيس الوزراء فى مصر خلال الفترة من (٨ مارس ١٩٥٤ ـ ١٨ أبريل ١٩٥٤)، وتولى أيضاً منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ثم وزير الحربية عام ١٩٥٢.

ولد اللواء محمد نجيب بالسودان بساقية أبو العلا بالخرطوم فى ١٩ فبراير ١٩٠١، لأب مصرى وأم مصرية سودانية المنشأ «زهرة محمد عثمان»، اسمه الكامل محمد نجيب يوسف قطب القشلان، حيث بدأ والده حياته مزارعاً فى قريته النحارية مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، ثم التحق بالمدرسة الحربية وتفوق فيها، وبعد تخرجه شارك فى حملات استرجاع السودان ١٨٩٨، تزوج يوسف نجيب من سودانية اسمها سيدة محمد حمزة الشريف وأنجب منها ابنه الأول عباس ثم طلقها، وبعدها تزوج من السيدة «زهرة» ابنة الأميرالاى محمد بك عثمان فى عام ١٩٠٠ وهو ضابط مصرى تعيش أسرته فى أم درمان واستشهد فى إحدى المعارك ضد الثورة المهدية، وقد أنجب يوسف من السيدة زهرة ثلاثة أبناء هم محمد نجيب وعلى نجيب ومحمود نجيب، وأنجب أيضاً ست بنات. عندما بلغ محمد نجيب ١٣ عاماً توفى والده، تاركاً وراءه أسرة مكونة من عشرة أفراد، فأحس بالمسئولية مبكراً، ولم يكن أمامه إلا الاجتهاد فى كلية جوردن حتى يتخرج سريعاً.

تلقى نجيب تعليمه بمدينة “ود مدنى” عام ١٩٠٥ فحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، فكان شغوفاً بالعلم فأجاد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية، انتقل والده إلى وادى حلفا عام ١٩٠٨ فالتحق بالمدرسة الابتدائية هناك، ثم التحق بكلية الجوردون، ثم بالمدرسة الحربية وتخرج فيها عام ١٩١٨، ثم سافر إلى السودان فى ١٩ فبراير ١٩١٨ وفى نفس سن والده والتحق بذات الكتيبة المصرية التى كان يعمل بها والده ليبدأ حياته كضابط فى الجيش المصرى بالكتيبة ١٧ مشاة.

ومع قيام ثورة ١٩١٩ أصر نجيب على المشاركة فيها على الرغم من مخالفة ذلك لقواعد الجيش، فسافر إلى القاهرة وجلس على سلالم بيت الأمة حاملاً علم مصر وبجواره مجموعة من الضباط الصغار، ثم انتقل إلى سلاح الفرسان في شندي. وقد ألغيت الكتيبة التى يخدم فيها، فانتقل إلى فرقة العربة الغربية بالقاهرة عام ١٩٢١.

حصل على شهادة الكفاءة، ودخل مدرسة البوليس لمدة شهرين، واحتك بمختلف فئات الشعب المصري، وتخرج وخدم فى أقسام عابدين، مصر القديمة، بولاق، حلوان. عاد مرة أخرى إلى السودان عام ١٩٢٢ مع الفرقة ١٣ السودانية وخدم فى “واو” وفى “بحر الغزال”، ثم انتقل إلى وحدة مدافع الماكينة فى “ملكال”، ثم انتقل نجيب بعد ذلك إلى الحرس الملكى بالقاهرة فى ٢٨ أبريل ١٩٢٣، ثم انتقل إلى الفرقة الثامنة بالمعادى بسبب تأييده للمناضلين السودانيين، حصل على شهادة الباكلوريا عام ١٩٢٣، والتحق بكلية الحقوق، ورقى إلى رتبة ملازم أول عام ١٩٢٤

كان أول ضابط فى الجيش المصرى يحصل على ليسانس الحقوق فى عام ١٩٢٧، ثم حصل بعدها على دبلوم الدراسات العليا فى الاقتصاد السياسى عام ١٩٢٩ ودبلوم آخر فى الدراسات العليا فى القانون الخاص عام ١٩٣١. رقى نجيب إلى رتبة اليوزباشى (نقيب) فى ديسمبر ١٩٣١ ونقل بعدها إلى سلاح الحدود عام ١٩٣٤ فى العريش، وكان من ضمن اللجنة التى أشرفت على تنظيم الجيش المصرى فى الخرطوم بعد معاهدة ١٩٣٦، ثم رقى لرتبة الصاغ (رائد) فى ٦ مايو ١٩٣٨.

رفضت استقالته من قبل المسئولين فى قصر عابدين التى قدمها عقب حادث ٤ فبراير ١٩٤٢ والتى حاصرت فيه الدبابات البريطانية قصر الملك فاروق لإجباره على إعادة مصطفى النحاس إلى رئاسة الوزراء، ثم رقى بعدها إلى رتبة القائم مقام (عقيد) فى يونيه ١٩٤٤، وفى ذات السنة عين حاكماً إقليمياً لسيناء، وفى عام ١٩٤٧ كان مسئولا عن مدافع الماكينة فى العريش إلى أن رقى لرتبة الأميرالاى (عميد) عام ١٩٤٨.

فى حرب فلسطين كان لمحمد نجيب دور بارز، حيث كانت بداية معرفته على المستوى الشعبى وعلى مستوى الجيش المصري، فرغم رتبته الكبيرة (عميد) كان على رأس صفوف قواته، إذ أصيب فى هذه الحرب سبع مرات وكانت ثلاث إصابات منها خطيرة؛ فمنح نجمة فؤاد العسكرية الأولى تقديراً لشجاعته فى هذه المعركة مع منح لقب البكوية، وبعد انتهاء حرب فلسطين عاد إلى القاهرة ليكون قائدا لمدرسة الضباط العظام.

كانت بداية تعرفه بتنظيم «الضباط الأحرار» من خلال الصاغ عبد الحكيم عامر، وكان وقتها أركان حرب للواء محمد نجيب ويبدو أن كلام محمد نجيب عن الفساد فى القاهرة قد أثر فيه فذهب إلى صديقه جمال عبدالناصر وقال له كما روى عامر لنجيب بعد ذلك:» لقد عثرت فى اللواء محمد نجيب على كنز عظيم».. فبعد انتهاء حرب فلسطين بدأ جمال عبدالناصر فى تشكيل تنظيم الضباط الأحرار وتحديداً فى ١٩٤٩ وكان التنظيم وقتها يريد أن يقوده أحد الضباط الكبار لكى يحصل التنظيم على تأييد باقى الضباط، وبالفعل عرض عبد الناصر الأمر على محمد نجيب فوافق على الفور، فكان اختيار تنظيم الضباط الأحرار لمحمد نجيب سر نجاح التنظيم داخل الجيش، فكان ضباط التنظيم حينما يعرضون على باقى ضباط الجيش الانضمام إلى الحركة كانوا يسألون من القائد، وعندما يعرفون أنه اللواء محمد نجيب يسارعون بالانضمام.

قبل انتخابات نادى الضباط والتى كانت بمثابة الخطوة الأولى لثورة ٢٣ يوليو لم تعتقد اللجنة التنفيذية لتنظيم الضباط الأحرار قيام الثورة قبل عام ١٩٥٥، لكن بعد الانتخابات أحس الضباط بمدى قوتهم، فرشح محمد نجيب نفسه رئيسا لمجلس إدارة النادى لجس نبض الجيش واختبار مدى قوة الضباط الأحرار وتحديا للملك، وقبل الملك التحدى ورشح حسين سرى عامر، كانت الانتخابات أول اختبار حقيقى لشعبية محمد نجيب داخل الجيش، ومع طلوع فجر اليوم الأول من يناير ١٩٥٢ أعلنت النتيجة وحصل محمد نجيب على أغلبية ساحقة شبه جماعية، ولم يحصل منافسوه سوى على ٥٨ صوتا فقط، كانت النتيجة صدمة شديدة للملك فقرر حل مجلس إدارة النادي.

وفى ١٨ يوليو ١٩٥٢ قابل محمد نجيب محمد هاشم وزير الداخلية - زوج ابنة رئيس الوزراء - بناء على طلب الأخير الذى سأله عن أسباب تذمر الضباط، وعرض عليه منصب وزير الحربية، لكن نجيب رفض وفضل البقاء بالجيش؛ لأنه شك فى مخطط يهدف إلى إبعاده عن القوات المسلحة، وخلال حديثهما أخطره محمد هاشم أن هناك ١٣ اسما لضباط فى الجيش قاموا بعمل تنظيم يسمى (الضباط الأحرار)، وأن السرايا الملكية قد تعرفت على ٨ أفراد منهم وسيتم القبض عليهم، مما جعل نجيب يجتمع على عجالة باللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار للإسراع بتنفيذ الخطة، والتى نفذت فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢.

عقب تنازل فاروق.. شكّل مجلسا للوصاية برئاسة الأمير محمد عبدالمنعم، وعضوية كل من بهى الدين بركات باشا والقائم مقام رشاد مهنا، صدرت خلال هذه الفترة عدة تشريعات ومنها إلغاء الألقاب المدنية. وبعد مرور ٥٠ يوما ونتيجة للتصادم مع مجلس قيادة الثورة قدمت وزارة على ماهر استقالتها، وشكلت وزارة جديدة برئاسة محمد نجيب ليكون أول رئيس وزراء غير مدني، أصدر بعدها عدة قوانين منها قانون الإصلاح الزراعى فى ٩ سبتمبر، وقانون تحديد الملكية الزراعية فى ٢١ ثم قانون تنظيم الأحزاب، ثم فى ١٠ ديسمبر عام ١٩٥٢ صدر قرار بإلغاء دستور ١٩٢٣ وصدور مرسوم بحل الأحزاب السياسية، وفى يناير ١٩٥٣ تم تشكيل لجنة لصياغة الدستور مكونة من ٥٠ عضوا برئاسة على ماهر، وصدر دستور مؤقت فى فبراير ١٩٥٣ ينص على سلطات واضحة لمجلس قيادة الثورة، إلى أن أعلنت قيام الجمهورية وإلغاء الملكية فى مصر فى ١٨ يونيه ١٩٥٣، واختيار محمد نجيب كرئيس للجمهورية والذى احتفظ بمنصبه كرئيس للوزراء مع تخليه عن منصب وزير الحربية وقيادة الجيش.

فى ٢٨ أغسطس ١٩٨٤ تُوفى محمد نجيب بعد دخوله فى غيبوبة فى مستشفى المعادى العسكرى بالقاهرة، إثر مضاعفات تليف الكبد. بعد أن كتب مذكراته شملها كتابه كنت رئيسا لمصر، ويشهد له أن كتابه خلا من أى اتهام لأى ممن عزلوه، وعلى الرغم من رغبة محمد نجيب فى وصيته أن يدفن فى السودان بجانب أبيه، إلا أنه دفن فى مصر بمقابر شهداء القوات المسلحة فى جنازة عسكرية مهيبة، من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر وحمل جثمانه على عربة مدفع، وقد تقدم الجنازة الرئيس المصرى حسنى مبارك شخصيا وأعضاء مجلس قيادة الثورة الباقون على قيد الحياة.

على الرغم من رغبة محمد نجيب فى وصيته أن يدفن فى السودان بجانب أبيه، إلا أنه دفن فى مصر بمقابر شهداء القوات المسلحة فى جنازة عسكرية مهيبة، من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر وحمل جثمانه على عربة مدفع، وقد تقدم الجنازة الرئيس المصرى حسنى مبارك شخصيا وأعضاء مجلس قيادة الثورة الباقون على قيد الحياة.

 

    الاكثر قراءة