الجمعة 19 ابريل 2024

الإرهاب المتأسلم وفكاكه (3)

مقالات25-8-2022 | 21:57

إذا ما أستبعدنا كل ما يمكن إثارته من شكوك واتهامات حول ما يجرى من محاولات لإقصاء الإسلام أو تهميشه أو أقلمته بإثارة الجدل حول ثوابته وفروعه والدعوة لمحاصرة ثقافته وتقزيم نشاط معاهده ومؤسساته التقليدية باعتبار أن هذا يساهم فى تجفيف منابع الإرهاب المتأسلم .

ولو نظرنا لكل هذا بأكبر قدر مستطاع من الموضوعية، فإننا سنجد أن لفكرة الدين بشكل عام مركزيتها بحياة البشر، فللإنسان ميول دينية أصيلة تنبع من طبيعة تكوينه، فالجنس البشرى يبحث منذ طفولته عن قوة عليا يُرجع لها ما لا يستطيع فهمه من وقائع ومتغيرات تمر بحياة أفراده .

فالإنسان عبر رحلته الطويلة كان دوماً مرتبطاً بطريقة أو بأخرى بالميتافيزيقيا أو ما يحدث وراء الطبيعة من ظواهر روحية ونفسية يصعب إن لم يكن يستحيل تبريرها مادياً .

فالإنسان الأول كما يقول فراس السواح بموسوعة تاريخ الأديان صنع لنفسه مقدساً وتعاطى معه بطقوس ليحصل على الطمأنينة وأحاطه بالأساطير ليفسر غموضه ، ولجأ إلى السحر والكهانة والعرافة ليسيطر عليه ثم أدرك أن هناك قوة إلهٰية متعالية فأعتقد فى وجود إله بالسماء أو بمكان بعيد فقدم له القرابين وأحاطه بتابوهات أو محرمات تحظر وتحرم أفعال بذاتها .

فالأديان باختلاف أنماطها العقائدية وطبيعة رسالتها وتعاليمها وأهدافها وبغض النظر عن صحتها تمثل أهمية كبرى بحياة البشر ، ومن ثم فالحديث عن هامشية دور الدين بالحياة أو عدم مركزيتها بشكل كلى ببعض المجتمعات يحتاج لإعادة نظر أو على الأقل تغيير فى زاوية الرؤية مع الإقرار بتفاوت نسب فاعليته وتأثيره من مكان أو زمان إلى آخر.

فمن الأهمية بمكان أن يكون للبشر معتقدات يتلقونها بثقة دون أن يخضعوها للنقاش على حد تعبير المفكر الفرنسي اليكس دى توكيفل فالدين يسمح وفقاً له أيضاً بإحياء معنى المستقبل، ولذا فقد رفض مقولة أن الحماس الدينى يقل أو يهدأ بقدر ما يتقدم التنوير وتتصاعد الحرية التى رفعها مفكرو النهضة الأوربيون من أجل تقليل الدور السياسي للكنيسة وسار عليها مقلديهم من الشرق وإن كان الواقع رفضها من قبله .

وأهمية تأثير العوامل الدينية هنا تنبع وفقاً لعالم الإجتماع الألمانى جورج زيميلم من أن الدين ليس مجرد مؤسسة أو منظمة أو جماعة تمارس تأثيرها على المجتمع وإنما هو بالأساس علاقة عاطفية تخلق شعوراً يدخل فى ثنايا القضايا المختلفة التى يواجهها البشر الذين هم بطبيعتهم كائنات روحانية تستجيب للعواطف والمشاعر بمثل ما تستجيب للمنطق العقلانى والإحصائى .

إذن ففكرة استبعاد الدين -أى دين- من حياة الإنسان، وبعيداً عن مخالفتها لميثاق عبوديته لخالقه فإنها تتنافى مع طبيعة تكوينه على نحو يجعلها غير غالبة، وإن حدثت فأنها تضعه بمأزق روحى يهز من استقراره النفسي، ولاشك أن الصعوبة هنا تزداد بالنسبة للإنسان الشرقى عموماً لمعطيات ليس هنا مجال سردها أو بحثها .

أما ما يقال عن أن المجتمع الغربى أو غيره نفى الدين أو أخرجه من حياته بالكلية فيحتاج لمراجعة، فالواقع يحدثنا عن شواهد معاكسه، فبأعتى العلمانيات نجد اشتراطات تفرض انتماء الرئيس لدين أو مذهب معين أو تحدد طقوس دينية بعينها عند تنصيب الجالس على العرش أو كرسي الرئاسة، نعم قد يكون هناك تحلل من الضوابط الدينية فى السلوك لكن يبقى جذر الدين كامنًا بالأعماق على خلاف ما يروج له البعض بالمجتمعات الإسلامية من أن العالم ترك أديانه .

إذن فاستبعاد الدين أو الإسلام تحديداً من حياة أتباعه بشكل كلى عملية يصعب حدوثها أو تصورها عقلاً أو عملاً، لكن ماذا عن دعاوى الحد من ثقافاته أو تقزيم تدريس مواده أو إلغاء معاهده ومحاصرة مؤسساته التقليدية؟!