السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

لن يبقى شيء على وجه الأرض بعد حرب نووية شاملة

  • 17-10-2022 | 20:56
طباعة

من الخطأ الاعتقاد بأن امتلاك السلاح النووي يمثل الأمان والاطمئنان للدول التي تمتلك هذه الأسلحة.

إن امتلاك السلاح النووي يمثل عبئًا على الدول النووية، والتي تعلم يقينًا أنها لن تستخدمه، ذلك أن استخدامه يؤدي إلى كوارث ليس في طاقة أي دولة القدرة على مواجهتها.

وإذا كان الهدف من الحرب تحقيق المكتسبات بانتصار دولة على أخرى، فإن هذا الهدف يستحيل تحقيقه في الحروب النووية .. فالكل فيها خاسر لا محالة.

لقد فشلوا في ضمان أن الردع النووي سيحقق أهدافه، ولذلك كان الانفاق على الردع النووي بمثابة إهدار للأموال، لأنه لم يكن هناك مطلقًا هدف رقمي ثابت أو نقطة نهاية للردع النووي، ولم يكن هناك تحديد كمي دقيق لما هو "مطلوب" للردع النووي، فكانت هناك حالة إفراط في إنتاج المواد الانشطارية، فمنذ عام 1948 حتى عام 1996، أنفقت أمريكا ما مقداره 165.5 مليار دولار، على تصنيع البلوتونيوم-239 واليورانيوم-235 والتريتيوم "نظير الهيدروجين"، ومواد أخرى ضرورية لصنع الأسلحة النووية.

تم إنتاج الكثير من اليورانيوم-235، لدرجة أن أمريكا أوقفت الإنتاج في عام 1964، بعد أن حققت فائضًا هائلاً، وهو فائض لا يزال موجودًا حتى يومنا هذا.

وبذلك يكون ما أنفقته أمريكا على الأسلحة النووية والبرامج المتعلقة بالأسلحة النووية من عام 1940 حتى عام 1996، ما يقرب من 5.5 تريليون دولار.

ورغم صرف كل هذه الأموال ورغم الدراسات والأبحاث، كانت هناك دائمًا فجوة هائلة بين ما هو ضروري للردع النووي، وما تم نشره على الطبيعة من أسلحة نووية.

فعندما كان المطلوب ما يعادل 720 رأسًا حربيًا على غواصات "بولاريس" كافيًا لردع روسيا نوويًا، كانت أمريكا قد نشرت بالفعل ستة أضعاف هذا العدد، وعندما كان المطلوب "بضع مئات من الصواريخ" (يُفترض أنها مسلحة بـ "بضع مئات" من الرؤوس الحربية النووية) ستحقق الردع النووي، كان لدى أمريكا بالفعل حوالى 7000 سلاح نووي استراتيجي.

وعندما كانت الحسابات تحدد أن القدرة التدميرية المطلوبة تعادل 400 ميجا طن، وهي كافية لتحقيق تدمير نووي متبادل مضمون، وبالتالي الردع النووى، كان مخزون أمريكا ما يقارب من 17000 ميجا طن مكافئ من مادة "تي إن تي"، باختصار، لقد فشلت أمريكا في ضمان أن ما تم إنفاقه على الأسلحة النووية كان بحكمة وبأكثر الطرق كفاءة.

لذلك، نحن نقول أن هناك فشلًا متوقعًا سيحدث لمواجهة كوارث حرب نووية شاملة، أو حتى التقليل والتخفيف من تبعاتها، وخير مثال على ذلك، هو فشل البنية التحتية الأمريكية في مواجهة وباء "كوفيد-19"، وهو فيروس ضئيل الحجم جدًا، فما بالنا بكارثة نووية.

لتصحيح أخطاء الماضي، ستنفق أمريكا مئات المليارات من الدولارات على برنامج "التنظيف" الذي سيمتد حتى عام 2070 وما بعده.

معظم الأموال في ميزانية "التنظيف" تذهب نحو إدارة النفايات النووية، في جميع الاحتمالات ستقترب تكلفة تنظيف منشآت الأسلحة النووية من تكلفة إنتاج الأسلحة أو تساويها.

المخزون من الأسلحة النووية يتطلب صيانة روتينية وإصلاحًا دوريًا، واستبدال المكونات محدودة العمر، والمراقبة (فحص شامل للسلاح) من أجل ضمان استمرار السلامة والأمن والفعالية.

الإنفاق على صيانة واختبارات القوة النووية الأمريكية "الإشراف على المخزون"، حوالي 5 مليار دولار سنويًا بهدف الحفاظ على المخزون النووي، دون إجراء تجارب نووية وبدون إنتاج أسلحة جديدة على نطاق واسع.

ولزيادة القوة النووية الضاربة، نجد أن ميزانية القوات النووية الأمريكية الموجهة لوزارة الدفاع ووزارة الطاقة، ستكلف ما مجموعة 634 مليار دولار خلال الفترة 2021-2030، والجزء الأكبر من التكاليف موجه إلى غواصات الصواريخ الباليستية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

الآن أصبحنا أمام معضلة يصعب حلها، وهي أنهم ينفقون أموالًا طائلة على امتلاك ترسانات نووية فتاكة، وهم يعلمون مدى كارثية استخدامها، وفي المقابل ينفقون القليل في بناء بنية تحتية قوية لمواجهة الفقر والمجاعة والأوبئة والأمراض المستعصية مثل السرطان.

 أصبحنا الآن أمام تسع دول تملك ما يقرب من 12700 سلاحًا نوويًا، وهي 5977 في روسيا، 5428 في أمريكا، 350 في الصين، 290 في فرنسا، 225 في بريطانيا، 165 في باكستان، 160 في الهند، 90 في إسرائيل، 20 في كوريا الشمالية.

في عام 2021، أنفقت الدول التسع المسلحة نوويًا ما مقداره 82.4 مليار دولار على أسلحتها النووية، حيث أنفقت أمريكا 44.2 مليار دولار، والصين 11.7 مليار دولار، وروسيا 8.6 مليار دولار، وبريطانيا 6.8 مليار دولار، وفرنسا 5.9 مليار دولار، والهند وإسرائيل وباكستان أنفقت أكثر من مليار على ترساناتها، بينما أنفقت كوريا الشمالية 642 مليون دولار.

هذا الإنفاق لم يفعل شيئًا لردع الغزو الروسي لأوكرانيا، أعطت تسع دول الأولوية لإنفاق 156,841 دولارًا في الدقيقة الواحدة على الأسلحة النووية، بينما يكافح الملايين من مواطنيها للحصول على الرعاية الصحية والمياه النظيفة وحتى شراء الطعام.

التأثيرات الناتجة عن انفجار قنبلة نووية، تكون في دوائر حول مركز الانفجار، بعد هذه الدوائر عن مركز التفجير ومساحتها يعتمد على القدرة التدميرية للقنبلة، وعلى طريقة التفجير، إذا كان التفجير في الجو أو التفجير على سطح الأرض.  

دعنا نضرب مثالًا عن حرب نووية محدودة، تقوم بها كوريا الشمالية على العاصمة الأمريكية واشنطن، باستخدام قنبلة نووية واحدة والانفجار في الجو، والتي قامت باختبارها في سبتمبر 2017، والتي تبلغ قدرتها التفجيرية 140 كيلوطنا من مادة "تي إن تي".

ما يقرب من 257 ألف شخص سيموتون من هذا الهجوم وحده، في حين أن 431 ألف آخرين سيتعرضون للإصابات.  

هناك مناطق من دوائر تحيط بمركز الانفجار، الدائرة الأولى، وهي الدائرة المركزية للانفجار، تتكون كرة النار - أي سحابة الفطر - والتي تحتل منطقة دائرية مساحتها حوالي 0.61 كيلومتر مربع، سيواجه أولئك الموجودون فى هذه المساحة الموت المحقق، أياً كان عددهم. الدائرة الثانية، وهي منطقة دائرية مساحتها حوالى 3.31 كيلومتر مربع، سيواجه أولئك الموجودون داخل هذه المنطقة من التعرض لأكبر جرعة إشعاعية، وبدون علاج طبي يكون من المتوقع أن يبلغ عدد الوفيات ما بين 50% إلى 90% من الموجودين داخل هذه المنطقة، نتيجة الآثار الحادة للإشعاع وحدها، يستغرق الموت ما بين عدة ساعات وعدة أسابيع.

الجرعات الإشعاعية الكبيرة هي وسيلة مروعة للموت، الأعراض التي يعانى منها الأشخاص المصابون بالإشعاع، على سبيل المثال: قيء وغثيان، نزيف داخلي تلقائي، إسهال دموي في بعض الأحيان، حروق شديدة مع تقشر الجلد.

ثم تأتي الدائرة الثالثة، وهي منطقة "موجة الصدمة" أي التعرض لضغط شديد، منطقة دائرية تبلغ مساحتها 41.9 كيلومتر مربع، ستسوى المبانى السكنية بالأرض، مما يؤدي بالتأكيد إلى قتل الأشخاص داخلها أو بالقرب منها، وسيكون الحطام والنار في كل مكان، الدائرة الرابعة، هى منطقة يكون فيها الإشعاع الحرارى والانفجار الهوائي كبيرًا، وهي منطقة دائرية مساحتها تبلغ 81.6 كيلومتر مربع، يتعرض فيها الأشخاص إلى حروق من الدرجة الثالثة، ويعاني البعض من ندبات كبيرة أو العجز وعدم القدرة على استخدام الأطراف، وبعض الأطراف قد تتطلب البتر.

قد لا يشعر الضحايا بألم شديد، لأن الحرق سيدمر أعصاب الألم.

عندما تنفجر القنبلة، هناك وميض ساطع من الضوء، أولئك الذين يتعرضون للضوء، الذي قد يمتد لعدة كيلومترات، يتعرض جلدهم للحروق، كما أن الضوء الشديد سوف يشعل النيران بسهولة بأشياء قابلة للاشتعال مثل أوراق الشجر والأغصان والورق أو ملابسك.

أخيرا الدائرة الخامسة، هى الدائرة الأكبر فى المساحة، منطقة تبلغ مساحتها 331 كيلومتر مربع. فى هذه المنطقة هناك احتمال لموت بعض الناس، أو على الأقل التعرض لإصابات خطيرة. حيث سيؤدى الانفجار إلى تحطيم النوافذ، وقد يُقتل أولئك الذين يقفون بالقرب من الزجاج بشظايا، أو على الأقل سفك الدماء من جروح لا تعد ولا تحصى.

أولئك الذين نجوا من القصف وآثاره سيضطرون إلى السير عبر الأنقاض المحترقة والمرور بأجساد متفحمة هامدة للوصول إلى بر الأمان. سينجو بعضهم في النهاية، لكن البعض الآخر سيستسلم للإصابات أو الإشعاع.

ستحمل الرياح الغبار النووى والدخان الأسود المتكون من نواتج الحرائق، وحسب اتجاه الرياح وشددتها يكون بعدها عن مركز الانفجار - ثم يكون التساقط "تساقط الغبار النووى" لأنها تسقط من السماء - على أماكن بعيدة عن الانفجار، وتتسبب فى أمراض الإشعاع لعدد كبير من الناس.

فى حالة لو استخدمت كوريا الشمالية قنبلة نووية قدرتها التدميرية 10 كيلو طن، وكان التفجير فى الجو، على العاصمة الأمريكية واشنطن، ما يقرب من 84 ألف شخص سيموتون من هذا الهجوم وحده، في حين أن 177 ألف آخرين سيتعرضون للإصابات، الدائرة الأولى مساحتها حوالي 0.07 كيلومتر مربع، والدائرة الثانية مساحتها حوالى 3.49 كيلومتر مربع، والدائرة الثالثة مساحتها 7.2 كيلومتر مربع، والدائرة الرابعة مساحتها 7.34 كيلومترمربع، والدائرة الخامسة مساحتها 57 كيلومتر مربع.

كل ما سبق من أحداث، عبارة عن تقديرات لضربة نووية واحدة على مدينة بقدرة تفجيرية 140 ثم 10 كيلو طن من مادة "تي إن تي".  

بالنسبة لحرب نووية فعلية شاملة، سوف تخرج عن نطاق السيطرة، وستكون العواقب أوسع نطاقا وأكثر تدميرًا، فإن الآثار بعد الحرب ستكون أسوأ بكثير من الهجمات النووية نفسها، وسيتغير مجرى التاريخ البشري.

فى الحرب النووية الشاملة - ستستخدم الدول النووية كامل أسلحتها النووية - الآثار الأكثر تدميراً على المدى الطويل للحرب النووية، ستكون نتيجة الدخان الأسود المشبع بالغبار النووي، والموجود في الهواء، انتشار الدخان الأسود وتساقط الغبار النووي سيؤدى إلى تدمير الحياة على كوكب الأرض.

عندما يصل هذا الدخان إلى طبقة الستراتوسفير، سيبقى لسنوات لأنه لا يوجد مطر يغسله، سوف ينتشر هذا الدخان ويغطى كوكب الأرض، مما يؤدي إلى حجب أشعة الشمس، وبالتالي تنخفض درجة حرارة سطح الأرض، وتتجمد الكائنات الحية وتموت، وتموت الزراعات، كما أن طبقة الأوزون سوف تختفي، وتزداد نسبة الأشعة "فوق البنفسجية" القادمة من الشمس، ومع الأشعة المدمرة والمهلكة القادمة من الفضاء الخارجي ستقضي على ما تبقى من الكائنات الحية.

هناك ملاجئ مخصصة للحرب النووية موجودة في بعض الدول منها إسرائيل وسويسرا، وملاجئ لكبار القوم، هذه الملاجئ يمكنها حماية من يسكنها لمدة من الزمن، تعتمد على كمية الطعام والماء المتاحة وكفاءة مرشحات الغبار النووي، لكن عندما تخرج الناس من هذه الملاجئ، لن يجدوا إلا طعاما ملوثا وماء ملوثا وزراعات ميتة وملوثة، وجيف لموتى من الناس والحيوانات، وكائنات متفحمة. لذلك، لن يستطيعوا العيش وسيموتون هم أيضا.

 إذاً، إذا قامت حرب نووية شاملة، ستؤدي إلى فناء الحياة من على كوكب الأرض.

الاكثر قراءة