السبت 27 يوليو 2024

دور الهيدروجين العالمي كمصدر للطاقة

مقالات4-12-2022 | 11:25

تقوم الحكومات فى جميع أنحاء العالم الآن، باستثمار المليارات لبناء اقتصاد الهيدروجين، حيث ترى أن الغاز هو أحد الخيارات لإزالة الكربون من العديد من الصناعات التى لا يمكن تشغيلها بسهولة على الكهرباء. ولكن كيف يمكن أن يتطور الطلب على الهيدروجين عالميا؟

حاليا، الطريقة الرئيسية لإنتاج الهيدروجين هى من إعادة تشكيل غاز الميثان (الغازالطبيعى) ببخار الماء، عند درجات حرارة مرتفعة. حاليا استخدام الغاز الطبيعى لإنتاج الهيدروجين يعتبر منخفض التكلفة ، ويعتبر الخيار الأول نظرا لأن أسعاره معقولة. لكن هذه الطريقة ليست محايدة من انبعاثات الغازات الدفيئة، بسبب انبعاث ثانى أكسيد الكربون فى عملية إنتاج الهيدروجين. لإنتاج كيلوجرام واحد من الهيدروجين ينبعث حوالى 9 كيلوجرامات من ثانى أكسيد الكربون.

 الطريقة الأنظف لإنتاج الهيدروجين هى من خلال التحليل الكهربائى للماء، حيث يقوم التيار الكهربائى بتقسيم الماء إلى مكونين له "الأكسجين والهيدروجين". إذا كانت الكهرباء تأتى من مصادر متجددة ونظيفة "طاقة شمسية أوطاقة رياح"، فإن عملية إنتاج الهيدروجين فى الغالب ستكون خالية من الانبعاثات، لكن ترتبط الانبعاثات الوحيدة بالتصنيع الأولى لمعدات توليد الطاقة (طاقة شمسية أوطاقة رياح).

لإنتاج 1 كيلوجرام من الهيدروجين، بواسطة نظام تحليل كهربائى فعال للماء ، يتم استهلاك 39 كيلووات/ساعة من الكهرباء. ومع ذلك، نجد أن الأجهزة التى يتم استخدامها بشكل شائع فى هذه العملية تكون أقل كفاءة، لذلك نجد أن استهلاك الكهرباء الفعلى هو حوالى 48 كيلووات/ساعة.

يطلق على الهيدروجين الناتج من إعادة تشكيل الغازالطبيعى، مع احتجاز الكربون وتخزينه اسم "الهيدروجين الأزرق"، بينما يسمى الهيدروجين المنتج من التحليل الكهربائى للماء "الهيدروجين الأخضر".

ينظر إلى الهيدروجين ومعدات تصنيعه عالميا على أنها مصادر طاقة مستقبلية مهمة يمكن استخدامها فى العديد من القطاعات المختلفة. على سبيل المثال، هناك الكثير من الجدل حول الهيدروجين كوقود نظيف للمستقبل وحول الدور الذى سيلعبه الهيدروجين فى وسائل النقل والانتقال فى المستقبل، وتحديداً استخدامه للمركبات والشاحنات. هناك أيضا تطبيقات محتملة مع الطلب على الهيدروجين فى قطاعات أخرى، مثل الصناعة والمبانى. إذا نظرنا عن كثب، فإن الصور ليست واضحة تماما كما يود العديد من المؤيدين.

ومع ذلك، وحتى الآن، كانت هناك درجة عالية من عدم اليقين، بشأن الدور العالمى المستقبلى للهيدروجين، حيث توصلت دراسات مختلفة إلى نتائج مختلفة تماما. الدراسات أجرت تحليلا جديدا لمعالجة كيفية تطور الطلب العالمى على الهيدروجين فى المستقبل، حيث تم إعادة تقييم أكثر من 40 نظام طاقة حالى وسيناريوهات الهيدروجين، مع التركيز بشكل خاص على السيناريوهات التى تتضمن أهدافا طموحة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى.

الزيادة الكبيرة فى الطلب العالمى على الهيدروجين، تعتمد فى الأصل على الأهداف الطموحة لدى الدول الصناعية لخفض غازات الاحتباس الحرارى، وعلى سياسة المناخ لهذه الدول ومستوى طموحها.

الدراسات تتوقع أن يتراوح إجمالى الطلب العالمى على الهيدروجين فى عام 2050، ما بين 4 و 11% من الطلب العالمى النهائى على الطاقة. ومع ذلك، هناك اختلافات إقليمية قوية: بالنسبة للاتحاد الأوروبى، يمكن أن تصل هذه الحصة إلى 14%، بينما تشير معظم الدراسات إلى أن حصة الهيدروجين القصوى تبلغ 4٪ من الطاقة النهائية للصين.

في بعض الحالات، تختلف توقعات الطلب على الهيدروجين فى الدراسات التى تم تحليلها بشكل كبير، وهذا هو سبب وجود اختلافات كبيرة عند تصنيف دور الهيدروجين فى أنظمة الطاقة المستقبلية.

يتم الترويج للمركبات التى تعمل بخلايا وقود الهيدروجين من قبل بعض مصانع السيارات كبديل للمركبات الكهربائية التى تعمل بالبطاريات، فى حين بدأت المركبات الكهربائية وأبناء عمومتها الهجينة، فى تحقيق تقدم كبير فى عمليات شراء السيارات الجديدة. ومع ذلك، فإن قضية الهيدروجين بعيدة كل البعد عن أن تكون مقنعة اقتصاديا وبيئيا.

الحجة الرئيسية لصالح مركبات خلايا وقود الهيدروجين هى كثافة الطاقة الأعلى للهيدروجين مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون. يمنح هذا الهيدروجين ميزة تكنولوجية لمركبات القيادة طويلة المدى والمركبات الثقيلة.  

إنتاج الهيدروجين الأخضر من الماء باستخدام الطاقة المتجددة، يتطلب قدرا كبيرا من الكهرباء الإضافية، وهذا يؤدى إلى خسارة كبيرة فى الكفاءة، مقارنة بشحن بطاريات السيارات الكهربائية مباشرة من الشبكة.

الدراسات الحديثة أوضحت، أن السيارة التى تعمل بخلايا وقود الهيدروجين لديها كفاءة بنسبة 22% فقط، مقارنة بنسبة 67% للسيارات التى تعمل بالبطارية الكهربائية.

يترجم هذا إلى استخدام طاقة تبلغ 87 كيلووات/ساعة لكل 100 كيلومتر للسيارات التى تعمل بخلايا وقود الهيدروجين و 28 كيلو وات/ساعة لكل 100 كيلومتر للمركبات الكهربائية التى تعمل بالبطارية. بعبارة أخرى، تعد المركبات التى تعمل بالبطارية أكثر كفاءة بثلاثة أضعاف من المركبات التى تعمل بخلايا وقود الهيدروجين.

لذلك نرى أن، سيارات خلايا وقود الهيدروجين، ليست ذات معنى اقتصاديا ولا بيئيا.

من الناحية الاقتصادية، فإن التكلفة الإضافية لإنتاج الهيدروجين وتوزيعه، تجعل السيارات التى تعمل بخلايا وقود الهيدروجين أقل اقتصادا من المركبات التى تعمل بالبطاريات الكهربائية. اليوم أصبح سعر البطاريات أرخص، ومستمر فى الهبوط نتيجة الابتكارات التكنولوجية، فى حين أن إمكانية تقليل تكلفة خلايا وقود الهيدروجين أو جعلها أكثر كفاءة تبدو محدودة. كما أن سيارات خلايا وقود الهيدروجين لا معنى لها من الناحية البيئية، طالما أن الكهرباء ليست نظيفة تماما، حيث أن الهيدروجين يأتى بشكل أساسى من مصادر إعادة تشكيل الغاز الطبيعى ببخار الماء، بدلا من الطاقة المتجددة. لذلك، نجد أن السيارات التى تعمل بخلايا وقود الهيدروجين التي تحتوى على الهيدروجين من الغاز الطبيعى، ليست أفضل بكثير من السيارات الحديثة (الهجينة الخفيفة) التى تعمل بمحركات البنزين. كل كيلووات إضافى من الكهرباء اللازمة لإنتاج الهيدروجين، يضع كمية أكبر من ثانى أكسيد الكربون فى الهواء أكثر من السيارة الكهربائية التى تعمل بالبطارية، حتى بما فى ذلك الانبعاثات الأولية الناتجة من تصنيع البطاريات.

على الرغم من وجود مركبات خلايا وقود الهيدروجين منذ الستينيات، إلا أنها ظهرت مؤخرا كحل محتمل لإزالة الكربون من وسائل النقل الثقيل، حيث تعتبر مركبات خلايا وقود الهيدروجين واعدة أكثر للتطبيقات التى تتطلب كثافة طاقة عالية، مثل الأتوبيسات والشاحنات والقطارات.

عندما تكون هناك حاجة إلى كميات كبيرة من الطاقة، نجد أن البطاريات التى ستوفر هذه الطاقة تكون ثقيلة، وبالتالى فإنها تشكل عائقا أمام نقل الأحمال الثقيلة. لذلك تتمتع مركبات خلايا وقود الهيدروجين بميزة للمركبات الثقيلة: الشاحنات والأتوبيسات، بسبب كثافة الطاقة العالية للهيدروجين مقارنة بالبطاريات. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضا استخدام محتمل للهيدروجين فى النقل بالسكك الحديدية والنقل البحرى، لتحل محل وقود الديزل. ومع ذلك، حتى المركبات الثقيلة التى تعمل بخلايا وقود الهيدروجين، ستصبح صديقة للبيئة إذا تم إنتاج الهيدروجين بالكامل من مصادر متجددة "هيدروجين أخضر".

بناء على التحليل السابق، نجد أن هناك آثارا قوية للغاية على السياسة العامة الموجهة نحو إزالة الكربون من وسائل النقل والانتقال. فالمستقبل يتجه بوضوح إلى سيارات الركوب الكهربائية التى تعمل بالبطاريات، حيث أن الهيدروجين ببساطة ليس الحل المناسب فى هذه الفئة من المركبات. وطالما أن التحليل الكهربائى للماء باستخدام الطاقة المتجددة باهظ التكلفة، مقارنة بإعادة تشكيل الميثان ببخار الماء، فإن الهيدروجين الأزرق ليس بديلا صديقا للبيئة، لذلك، نستخدم الغاز الطبيعى بشكل مباشر، دون تكاليف تحويل الغازالطبيعى إلى هيدروجين.

في حالة توفر الهيدروجين النظيف "الأخضر"، فقد يساعد الهيدروجين فى الانتقال بالمركبات الثقيلة (الشاحنات والأتوبيسات ومركبات النقل الثقيل بأنواعها الأخرى والقطارات)، والتطبيقات التى تتطلب كثافة طاقة عالية، لتكون صديقة للبيئة.

فى قطاعات أخرى، مثل الصناعة، من المحتمل أن تكون كميات الهيدروجين المطلوبة أقل مما هى عليه فى قطاع النقل. حيث يعتبر استخدام الهيدروجين غير مؤكد للغاية فى مجال توليد الحرارة المرتفعة للصناعة، وفى مجال توليد الحرارة المنخفضة. وتشير الدراسات إلى اختلافات إقليمية أكبر هنا أيضا: بينما تتراوح حصة الهيدروجين فى الصناعة فيما يتعلق بإجمالى الطلب العالمى على الطاقة بين 2 و 9% فى عام 2050، توقعت غالبية الدراسات التى تم تحليلها ما بين 3 و 16% لأوروبا، بحد أقصى 38%. وبالنسبة للصين، تبلغ حصة الهيدروجين المتوقعة ما بين 1 و 4%، بحد أقصى 7%.

بالنسبة للمبانى، نجد أن الهيدروجين يلعب أصغر دور، وتقدر الحصة المتوسطة هنا فى معظم الدراسات، بأقل من 2٪ من طاقة المبنى فى عام 2050، مما يشير إلى أن النتائج المتعلقة بالأهمية المستقبلية المنخفضة للهيدروجين فى هذا القطاع قوية نسبيا.

إذاً سيلعب الهيدروجين دورا مهما فى سياسة المناخ العالمى المستقبلية - لكنه لن يكون الطاقة النهائية المهيمنة حاملة المستقبل، وسيكون له دور ذو صلة فى تطبيقات محددة، حيث تكون التكنولوجيات الأخرى، غير مجدية تكنولوجيا أو اقتصاديا.