السبت 20 ابريل 2024

الآثار النفسية والاجتماعية للميتافيرس (1)

مقالات28-12-2022 | 12:59

يعد الميتافيرس ثورة رقمية غير مسبوقة في عالمنا اليوم، فمن خلاله يتحول العالم المادي الملموس الذي نعيشه إلى نسخة افتراضية شبيهة بدرجة كبيرة بعالمنا الحقيقي الذي نحيا به ولكننا نصل إليها عبر الانترنت باستخدام بعض الأدوات مثل نظارات الواقع الافتراضي والجوالات والحواسب ومنصات الواقع الافتراضي والمعزز. وقد بدأ الميتافيرس بفرض سيطرته على كبرى الشركات على مستوى العالم، حيث بدأت هذه الشركات في تطويع منتجاتها حتى تتناسب مع هذا العملاق الذي سيغدو مستقبل الانترنت بحسب المراقبين.

وفي إطار ذلك سعت شركة "أبل" إلى امتلاك 14 ألف تطبيق للواقع المعزز، كما غير الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" إسم مجموعته ليصبح "ميتا" Meta، واستحوذت جوجل على شركة نورث المتخصصة في نظارات الواقع المعزز خفيفة الوزن، هذا إلى جانب العديد من الشركات الأخرى مثل مايكروسوفت وسناب وغيرها والتي تسعى إلى إدماج تقنية الواقع المعزز في منتجاتها.

وليس هذا فحسب، بل تعمل العديد من الشركات الناشئة على تطوير منتجات من شأنها أن تزيد من فاعلية الميتافيرس ، فقامت شركة يابانية ناشئة بابتكار ذراع يستخدم التحفيز الكهربائي لتقليد الأحاسيس غير المريحة؛ حتى يتسنى لمستخدم الميتافيرس الشعور بهذه الأحاسيس أثناء استخدامه للميتافيرس، كما ابتكرت شركة "Owo" الأسبانية سترة مبطنة بأجهزة استشعار تسمح لمرتديها بأن يشعروا بالعناق والكلمات في الواقع الافتراضي.

وبذلك فنحن أمام تقنية جديدة مثلها كمثل كل التقنيات الحديثة لها تأثيرات على مستوى المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، هذا بالإضافة إلى تأثيراتها على المستوى الفردي من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.

ولكن الميتافيرس على وجه الخصوص قد يتفوق في تأثيراته وخصوصا على المستوى الفردي ، ففكرة الميتافيرس التي تقوم على أن يكون لكل شخص نسخه منه (أفاتر خاص به) يتعايش بها في عالم افتراضي شبيه بعالمه الحقيقي الذي يعيش فيه، قد تخلف أثارا جسيمه على المستويين النفسي والاجتماعي، خاصة في ظل محاولات تطوير الميتافيرس لكي يحاكي الأحاسيس التي يشعر بها الفرد في عالمه الحقيقي.

ومن هنا استهدفت الدراسة المهمة التي أجراها تلميذي د. علي حمودة جمعة أستاذ مساعد الصحافة ورئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة الأزهر فحص الآثار النفسية والاجتماعية للميتافيرس وعلاقتها بالترابط المجتمعي، وذلك من خلال دراستين: دراسة للمستخدمين تستهدف التعرف على الآثار النفسية والاجتماعية للميتافيرس على المستخدمين وعلاقتها بالترابط المجتمعي، ودراسة للخبراء تسعى إلى التعرف على آراء الخبراء فيما يتعلق بالتأثيرات النفسية والاجتماعية للميتافيرس، وعلاقتها بالترابط المجتمعي، وبذلك يتحدد موضوع الدراسة في الآثار النفسية والاجتماعية للميتافيرس وعلاقتها بالترابط المجتمعي دراسة ميدانية على المستخدمين والخبراء.

لقد أثرت الثورة التكنولوجية وعلى رأسها الإنترنت في كافة مناحي الحياة الإنسانية، حيث تغلغلت إلى كل التفاصيل الحياتية ، وبشكل أكبر مما نتصور، واتسمت هذه الثورة بأنها متسارعة ومتلاحقه بشكل كبير، فما أن نسمع عن تطور تكنولوجي جديد، ونبدأ في استيعابه والتعامل معه حتى يظهر لنا تطور آخر يلامس حياتنا بشكل أكبر.

وقد تنوعت أثار هذه الثورة بين إيجابية تسهل الحياة المعيشية، وسلبية تسبب العديد من الأضرار على الصحة النفسية للفرد وحياته الاجتماعية، حيث توصلت إحدى الدراسات إلى وجود علاقة بين استخدام الانترنت عبر الهاتف المحمول وانخفاض الشعور بالوحده لدى كبار السن، وتوصلت أخرى إلى وجود علاقة بين استخدام الإنترنت والاكتئاب.

والميتافيرس هو أحد التطورات التكنولوجية الأخيرة التي بدأت تشغل العالم بأكمله ، حيث بدأت أغلب الشركات في التسابق لادماج هذا التطور التكنولوجي في منتجاتها لما له من مزايا خيالية ؛ فمن خلاله يتحول العالم الملموس الذي نعيشه إلى نسخة خيالية افتراضية نصل إليها من خلال الانترنت، ففكرته تقوم على أن يكون لكل شخص نسخة منه (أفاتر خاص به) يتعايش بها في عالم افتراضي شبيه بعالمه الحقيقي الذي يحيا به، بل أنه قد يكون نسخة مطابقة له، ليس هذا فحسب ، فهناك العديد من المحاولات من قبل العديد من الشركات لزيادة فاعلية هذا التطور التكنولوجي الهائل لكي يحاكي الأحاسيس التي يشعر بها الفرد في عالمه الحقيقي، بمعنى أن يكون الإنسان قادرا على الاحساس بالألم أو العناق أو اللمس وغيرها من الأحاسيس الطبيعية التي يشعر بها في العالم الحقيقي.

ومن هنا يمكن القول إن هذا التطور التكنولوجي الرهيب قد تكون له آثارًا على الصحة النفسية للفرد ومحيطه الاجتماعي تفوق الآثار النفسية والاجتماعية لأي تطور تكنولوجي سابق، ولهذا تهدف هذه إلى التعرف على الأثار النفسية والاجتماعية للميتافيرس وعلاقتها بالترابط المجتمعي.

وتمثل مجتمع الدراسة بالنسبة للمستخدمين في مستخدمي الميتافيرس بتطبيقاته المختلفه، أما بالنسبة للخبراء فتمثل في جميع الخبراء في مجال علم النفس والاجتماع والإعلام. وبالنسبة لعينة المستخدمين تم اختيار عينة عمدية قوامها 200 مبحوثًا من المستخدمين العرب للميتافيرس بتطبيقاته المختلفة، وبالنسبة لعينة الخبراء تم اختيار عينة عمدية قوامها 50 مبحوثًا من الخبراء النفسيين والاجتماعيين والإعلاميين ممن يستخدمون الميتافيرس أو لديهم خلفية معلوماتية عنه.

ويذكر د. علي حمودة جمعة أن مصطلح ميتافيرس Metaverse يتكون من شقين الشق الاول  يتكون من إختصار ميتا (Meta) وتعنى (beyond) أي ما وراء، والشق الثاني فيرس (Verse) وتعني (Universe) أي العالم، فمصطلح ميتافيرس (Metaverse) يعني ما وراء العالم، وقد ظهر المصطلح للمرة الاولى عام 1992 في رواية الخيال العلمي تحطم الثلج (Snow Crash) لنيل اسيفنسون (Neal Stephenson) والتي يتتفاعل فيها البشر كأفاتار(avatars) أو رموز مع بعضهم البعض ومع البرمجيات في مساحة افتراضية ثلاثية الأبعاد تستخدم استعاضة عن العالم الحقيقي.فالميتافيرس يتيح للأفراد أن يكون لديهم شبيه في العالم الرقمي أو توأم رقمي إفتراضي ولد في العالم الرقمي قد يكون أكثر حيوية من النسخة الحقيقية الموجودة في العالم الحقيقي.

   وإلى جانب ذلك فإن الميتافيرس يتيح التفاعل بين الإنسان والحاسوب، وذلك بخلق أحاسيس يشعر بها في العالم الإفتراضي مماثلة لأحاسيسه الحقيقية التي يشعر بها في عالمه الحقيقي مثل اللمس والحس الحركي والقدرة على فهم وضع الجسم والحركة والوزن، حيث قامت شركة يابانية ناشئة بابتكار ذراع يستخدم التحفيز الكهربائي لتقليد الاحاسيس غير المريحه ، حتى يتسنى لمستخدم الميتافيرس الشعور بهذه الأحاسيس أثناء استخدامه للميتافيرس ، كما ابتكرت شركة (Owo) الأسبانية سترة مبطنة بأجهزة استشعار تسمح لمريدتديها بأن يشعروا بالعناق والكلمات في الواقع الإفتراضي.

ووفقًا للباحثين فإن الميتافيرس هو مدينة ألعاب افتراضية أو ديزني لاند افتراضي، حيث من الممكن أن تكون وظيفة ديزني لاند هي مجرد المتعة والترفيه، بينما الميتافيرس له وظائف أكثر من مجرد الترفيه، والميتافيرس هو متجر تطبيقات جديد يختلف جوهريًا عن متاجر التطبيقات الحالية، وهو كذلك منصة تختلف عن المنصات الحالية مثل يوتيوب وفيس بوك كليًا، فبمجرد أن يضع الفرد سماعات الرأس الخاصة بالميتافيرس، ستكون هناك أكوان لا حصر لها تحت تصرفه ، فمن الممكن أن يكون هذا العالم الإفتراضي فصلًا دراسيًا أو رحلةً إلى القمر.

ولم يتفق الخبراء على تفسير معياري للميتافيرس ولكنهم حددوا بعض السمات الواجب توافرها في الميتافيرس وهي:

  • الثبات على الدوام بحيث لا تتم إعادة تشغيله أو ايقافه مؤقتا أو إنهاءه.
  • أن يستطيع الجميع أن يكونوا جزءًا من الميتافيرس والمشاركة في حدث معين في وقت واحد.
  • أن يكون لديه نظام اقتصادي، حيث يتمكن الأفراد والشركات من إنشاء الأصول الرقمية وامتلاكها واستثمارها والاتجار بها وبيعها.
  • أن يكون تجربة ممتدة عبر العالميْن الرقمي والمادي، والشبكات العامة والخاصة، والمنصات المفتوحة والمغلقة.
  • أن يتيح إمكانية تبادل البيانات والأصول الرقمية والمحتوى.

ومنذ أن تم الإعلان من قبل مارك زوكربرج عن إنشاء منصة الميتافيرسHorizon Worlds، تم إطلاق عديدٍ من التطبيقات المنبثقة عن هذه المنصة، هذه التطبيقات يتمكن من خلالها المستخدم خلق وامتلاك منزل خاص به في عالم الميتافيرس، أو زيارة المدن والشوارع والمزارات السياحية والأماكن الطبيعية أو عقد اجتماعات افتراضية في قاعة اجتماعات افتراضية أو خلق قاعات افتراضية للدراسة بحضور المدرس والطلبة، أو عمل حفلات موسيقية أو بيع وشراء السلع والخدمات العادية والافتراضية، أو لعب الألعاب الإفتراضية.

وأشارت بعض الدراسات إلى أن الميتافيرس يسهم في إثراء الجانب التقني ويصنع نوعا من المحاكاة للواقع من خلال تجسيد الأشخاص في قوالب وأشكال مبهرة ، كما يعمل على إثراء حاسة التخيل لدى المستخدمين المتشوقين للخيال والإبحار بداخل اللاواقع ومعرفة آثار العوالم القديمة المندثرة .

فيعتبر الميتافيرس عالمًا اختياريًا يبنى وفقًا لرغبات مستخدميه، حيث يستطيعون إنشاء العوالم الخاصة بهم، فيمكن للمستخدم أن ينشأ نسخة افتراضية تطابق منزله الأصلي، ويمكنه التجول فيه، ودعوة زملاءه لقضاء وقت داخل هذا المنزل أو مشاهدة مباراة كرة قدم، كما يمكن الميتافيرس مستخدميه من عقد إجتماعات العمل، وحضور الحفلات الموسيقية، ومشاهدة الأفلام السينمائية ، وممارسة الرياضة المفضلة في أماكنهم دون مغادرتهم للمنزل.

   ومن مميزات الميتافيرس في مجال التعليم أنه يعمل على توفير الخبرات غير المباشرة، وتوفير التعليم في المناطق النائية وخلق جوا من الإثارة والتشويق للمتعلم، وتحويل الخبرات المجردة لخبرات محسوسة، وتسهيل القيام بزيارات تعليمية افتراضية لمواقع وظواهر صعبة ومستحيلة مثل مشاهدة الشمس والفلك وأعماق البحار والعصور الحجرية.

وفيما يتعلق بالإعلام توصلت الدراسات إلى تأكيد الخبراء على أن الميتافيرس سيكون بديلا محتملا للصحافة الرقمية في شكلها الحالي، كما توصلت إلى توقع الخبراء أن تشهد بيئة العمل الصحفي تطورا ملحوظا في عصر الميتافيرس الذي ربما يشهد اختفاء بعض المؤسسات الصحفية التقليدية والرقمية الحالية ، وظهور منصات جديدة مرتبطة ببيئة الميتافيرس.

ومن ناحية أخرى يرى الباحثون أن الميتافيرس هو مدينة ألعاب افتراضية أو ديزني لاند افتراضي، حيث من الممكن أن تكون وظيفة ديزني لاند هي مجرد المتعة والترفيه، بينما الميتافيرس له وظائف أكثر من مجرد الترفيه، والميتافيرس هو متجر تطبيقات جديد يختلف جوهريا عن متاجر التطبيقات الحالية، وهو كذلك منصة تختلف عن المنصات الحالية مثل يوتيوب وفيس بوك كليًا.

ونوهت بعض الدراسات عن وجود بعض السلبيات للميتافيرس على الرغم من إيجابياته الفائقة، حيث ذكرت الدراسات أن الميتافيرس يصيب المستخدمين بالكسل ، ويؤثر على الجوانب الصحية مثل التشتت وانعدام التركيز والدوار، كما أن نظارات الميتافيرس قد تؤثر سلبيًا على العين.

وذكرت دراسات أخرى أن الميتافيرس قد يؤدي إلى زيادة العنف والعدائية لدى المستخدمين؛ نظرًا لأن نسب كبيرة من ألعاب الميتافيرس من ألعاب القتال، وكلما كان المستخدم بارعا في اللعب حصل على نقاط تؤهله لتقمص شخصيات أكثر شراسة، ويُكافأ بأسلحة أكثر فتكا؛ وقد يتسبب ذلك في زيادة العنف لدى هؤلاء المستخدمين في ظل واقعية ألعاب الميتافيرس، وانغماس المستخدم فيها بشكل كبير، هذا إلى جانب تأكيد الخبراء على أن هذه التكنولوجيا الحديثه تأتي بالمتغيرات التي تكاد أن تعصف بالقيم في المجتمعات الشرقية لأن هذه المستجدات تجعل الشباب أكثر عرضة للأفكار التي تتنافى مع تعاليم الشريعة الإسلامية.

وبالإضافة إلى ذلك فقد أشار الخبراء إلى عدد من المخاوف المرتبطة بالميتافيرس مثل الاغتراب ومحاولات الانتحار والتطرف والإرهاب،وضياع الإنسان واستغراقه التام فيه نظرا لأن الميتافيرس أكثر جاذبية وبريقًا من الواقع الحقيقي.

وفي الأسبوع القادم نعرض نتائج هذه الدراسة المهمة.