الكتابة فعل صعب.. تزداد صعوبتها عندما تعرف أنها قد لا تصل إلى قارئها.. فهذه أول مرة أكتب فيها ولن يرن هاتفي بعد النشر لتناقشني فيما كتبت.. لما لا.. وكنت طوال حياتك قارئي الأول.. كنت أكتب لك.. انتظر بشغف تعليقك على ما كتبت، مستمتعا بمناقشتك، ونصيحتك وإرشادي.. كنت مرشدي وسندي لم أحمل يوما همّا لأمر من أمور الدنيا.. مساء كل ليلة كنت لا تخلد إلى فراشك إلا بعد الاطمئنان علينا جميعا.. لا أتذكر أنني سألتك في مرة عن شيء ما.. إلا ووجدت عندك الإجابة.. مهما كان السؤال.. مازالت حكايتك التي طالما قصصتها لي خلال رفقتنا في السفر أو في شرفة منزلنا تقارع أذني.. لم تغب عن ذهني.. كنت تملك موهبة فطرية في الحكي تجبر من يسمعك على الإنصات.
مع الوقت وخلال معركتي في الحياة أيقنت أنك أحسنت إعدادي.. جهزتني بما يؤهلني لمواجهة كل ما هو آت مهما كانت شدته وصعوبته.. فلطالما جهزت مقاتلين خلال سنوات عملك في الكلية الجوية.. إلا فراقك فاجئتنى به لم تعدني لتحمل تبعاته.
أبي.. وإن كنت رحلت بجسدك فإنك ما زلت قدوتي ومعلمي الأول ومثلي الأعلى.. تحيطني سيرتك العطرة التي لا تفارق لسان محبيك وأصدقائك.. تلك السيرة التي كلما ذُكرت ناطحة عنقي عنان السماء..كنت طوال حياتك نعم الراعي.. وإنّا نُشهد الله أنك أحسنت الرعي واتقيت الله في رعيتك.. فإلى لقاء قريب.