الأربعاء 15 مايو 2024

الوصايا العشر لهزيمة إعلام الإرهارب «٢-٢» ٦٠ ألف حادث إرهابى كشفت الكارثة تجنيد القتلة بمشاهد العنف

19-8-2017 | 15:52

بقلم: د. محمود علم الدين

أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة

فى الحلقة الماضية من الوصايا العشر المطلوبة لهزيمة إعلام الفتنة والتطرف والإرهاب تناول الدكتور محمود علم الدين أربع وصايا تضمنت البعد عن التصيد والبحث عن الأخطاء والابتعاد عن المصادر المريحة غير المتخصصة، وأن ندرك أن وسائل التواصل الاجتماعى ليست بريئة فى تناولها للأحداث وإنما هى أداة تستخدم لإسقاط الدول وفى هذه الحلقة يواصل باقى الوصايا التى يحتاجها الإعلام المصرى.

الوصية الخامسة: على وسائل الإعلام وخاصة الوسائل التقليدية مثل الصحف والراديو والتليفزيون أن تنتبه جيدا إلى أن السعى نحو السبق والانفراد الإخبارى لا ينبغى أن يكون على حساب الدقة والصحة والاكتمال ، وعلى حساب حق القارئ فى معرفة صحيحة ومكتملة تشكل أساس وعيه وتؤثر على تصوراته عن العالم وعلى أسلوبه فى التفكير واتخاذ القرار ، وأن الأهم هنا هو التيقن من صحة المعلومات ودقتها واكتمالها ووضعها فى سياق يعطيها المعنى والفهم ، وأن هذا الأمر إن لم يستوعب قد تضيع معه الحقيقة ومصداقية الوسيلة واحترامها ، وفى الأخبار المتعلقة بالأمن القومى قد يتسبب فى كوارث قومية تتعلق بالروح المعنوية وبتضليل الرأى العام وبالتأثير على صمود الدولة فى مواجهة أعدائها.

وذلك لأن الحرص على السبق الصحفى كثيراً ما يوقع الصحف فى مشكلات عديدة تتعلق أساساً بمدى دقة الأخبار ومدى صحتها وأحيانا ـ فى سبيل السبق المزعوم ـ تنزع إلى اختلاق وقائع لم تحدث أو تضخم من أحداث تافهة!

والأجهزة الإعلامية – المقروءة والمسموعة والمرئية والرقمية- تسارع إلى السبق الإعلامي، وراء الأخبار والحكايات والتحليلات ورصد الوقائع والتطورات للجماعات التى تمارس العنف الاجتماعى والسياسى والإرهابي، ومن ثم تسعى إلى متابعة حثيثة وراء المنظمات والوقائع السياسية العنيفة، والإرهابية أياً كانت، بهدف تغطية وقائع العنف والاغتيالات وفاءً لحق القارئ فى المعرفة.

المنظمات السياسية والفوضوية والدينية والمذهبية والقومية والعرقية و... إلخ التى تمارس العنف والإرهاب، تسعى وراء الأجهزة الإعلامية، وذلك كى تصل رسالتها السياسية والنفسية وتحقق أهدافها التى تتمثل فى إشاعة الرعب والخوف، فضلاً عن المطالب، أو الرسائل السياسية للمنظمة السياسية والدينية التى تمارس العنف والإرهاب.

وقد انتشرت فى الآونة الأخيرة صور ومقاطع تُظهر أبشع أنواع العنف والإرهاب الذى يمارسه عدد من الإرهابيين بحجة الإسلام والدين والجهاد، وهى لا تمت للإسلام بصلة، ومع الأسف هناك بعض قنوات ووسائل الإعلام تساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة فى نشر تلك الأفكار عن طريق تكرار الصور المرعبة؛ لتصبح فيما بعد صوراً نمطية وعادية يتقبلها العقل البشرى والبصري؛ فالإرهاب يبحث عن الأضواء، ويسعى إلى السيطرة على النفوس من خلال نشر وقائع إنجازاته المخيفة، وبالتالى اللجوء إلى فوضى العنف التى تخدم المخططات الإرهابية الدخيلة.

والخطير فى الأمر أن مقاطع الفيديو والصور الدموية أصبحت وسائل لتجنيد الشباب الذين يسهل التغرير بهم وهم تحت وطأة عواطف جياشة؛ مهيئين لغسل أدمغتهم ومستعدين للإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة؛ بسبب مشاهد سيطرت على تفكيرهم ووجدانهم.

ولعل أخطر ما فى إدمان مقاطع العنف، هو أنه عندما يصل الشخص إلى مرحلة لا يكتفى فيها بالمشاهدة؛ بل يبحث عن التطبيق وممارسة العنف والوحشية بلا رحمة أو إنسانية، وهذا تطوّر طبيعى عندما يخرج الإدمان عن السيطرة».

ويرتبط بما سبق ضرورة الانتباه إلى الشائعات التى يتم إطلاقها داخل المجتمع (عبر الاتصال الشخصي) ، أو عبر الوسائل الاجتماعية

( كتويتر وفيس بوك وتليجرام وغيرها )

و يشير كريغ سيلفرمان، (عضو مركز «تو» للصحافة الرقمية فى جامعة كولومبيا. كريغ سيلفرمان هو مؤسس Emergent.info، متقصى شائعات، وخبير قيادى فى الأخطاء الإعلامية، والتدقيق والتحقق من الأخبار). فى تقرير عنوانه “أكاذيب، أكاذيب تافهة ومواد منتشرة بشكل كبير: كيف تنشر مواقع الأخبار (وتسخر من) الشائعات عبر الإنترنت، ادعاءات غير مثبتة وتضليل فى المعلومات” إلى ستة أسئلة يمكن أن يستخدمها الصحفيون عند تقييم شائعة ما

١. ما هو دليل المصدر؟

من هو المصدر الرئيسى الذى يقول أو يشارك بهذا، وماذا لديهم لدعم ما يقولونه؟ هذا هو العنصر الأساسي. واحدة من أسهل الطرق لتجنب تحوّلك إلى جزء من سلسلة التوزيع المريب تتمثّل فى أن تأخذ بضع دقائق لتتحقق وتقرأ عن كثب لترى مصدر الادعاء المزعوم أو الشائعة. لا تُشير إلى شائعة ما لم تكن قد وجدت مصدرها الأصلى والإثباتات الخاصة بها وقمت بتقييمها.الصحفيون ممن يملكون الخبرة فى التأكد من المواد المُنشأة من قبل المستخدمين والتحقق من مصادر القصص المنتشرة بسهولة، غالباً ما يعبرون عن صدمتهم ومفاجأتهم من سهولة تفويت زملائهم للإشارات الحمراء أو عدم إجرائهم لبعض الاختبارات المبدئية بخصوص تفاصيل قصة ما.

٢. ما هو التاريخ؟

من هم الأشخاص والهيئات المرتبطة بالشائعة وانتشارها؟ ماذا يخبرك ذلك عن مصداقيتها واللاعبين المرتبطين بها؟

٣. من أيضاً يقول هذا؟

هل تتناقل المؤسسات الإعلامية الموثوقة الخبر نفسه؟ هل يشككون به؟

٤. ما الحاجة التى تملؤها؟

الشائعات تسدّ حاجة ما وتؤدى مهمة. لماذا قد تظهر هذه الشائعة الآن من ذلك المكان أو من قبل مجموعة من الأشخاص؟ أبقوا فى ذهنكم أن الشائعات تظهر فى مواقف تتصف بالشكوك، قلّة المعلومات الثابتة أو كنتيجة لعواطف مثل الخوف، أو الاشمئزاز، أو الحزن أو الآمال والأمنيات.

٥. ما هو الدافع؟

خذ بالاعتبار دوافع ناشرى الشائعات. هل تعبّر عن اهتمام شخصي، أنانى (ضد الغير)، أو “بروباجاندا” حقودة؟ مَن المستفيد من هذه الشائعة؟ هل لهم علاقة بخلقها أو نشرها أو توزيعها؟

٦. كيف نقدم قيمة مضافة؟

فى بعض الحالات، يمكنكم إضافة أفضل قيمة عند الانتظار واختيار عدم إعطاء الفرصة لادعاء ما. خذوا وقتكم وفكروا إن كان بإمكانكم أن تكونوا الشخص الذى يكشف عن جزء من البرهان لدعم أو دحض الشائعة. إن كان الآخرون قد بدأوا بنشر الشائعة فإن الفرصة لتحديد مؤشرات لفت الانتباه على الموقع الالكترونى تتلاشى. اتخذوا منحى للتقدّم فى مجريات القصة إلى الأمام عندها تزيد فرص مكافأتكم بالحصول على حركة مرور أكبر على موقعكم.

الوصية السادسة: حماية وعى الجمهور وصقله من خلال تقديم ثقافة إعلامية متوازنة ترتكز على رؤية نقدية تكون بمثابة حائط صد لكل محاولات اختراق المواطن واستلابه فكريا وأيديولوجيا، مستفيدين من مفاهيم التربية الإعلامية ونظريات التأثير الإعلامى ، وذلك من خلال كشف حقيقة ما يبث وينشر عبر وسائل الإعلام المختلفة من أخبار وآراء وتقارير والتعليق الموضوعى عليها وتفنيدها بالحجة والبرهان ، إلى جانب كشف حقيقة ممولى تلك المؤسسات والقوى التى تقف خلفها وتستفيد منها.

الوصية السابعة: التعامل بحذر مع تقارير المنظمات الدولية بعامة والمنظمات العاملة فى مجالات حقوق الإنسان ومراصد الإعلام بوجه خاص، وعدم الاحتفاء الأعمى بتقاريرها بزعم أنها منظمات دولية ولها تاريخ ومكانة، علينا أن نعرف من يمولها ، من يديرها ، ماهو ماضيها السابق فى التعامل مع قضايانا ، وأخيرا حولت مطالبات الدول الأربع المقاومة والمحاربة للإرهاب مصر والإمارات والسعودية والبحرين حول وقف قناة الجزيرة وانتقاداتهم لها من رفض لممارسات وسيلة إعلامية تدعم الإرهاب وتجمل وجهه وتبرز محاسن جماعات الشر إلى عملية تقييد لحرية الإعلام وخنق لحق المواطن فى المعرفة.

الوصية الثامنة:مراعاة المسئولية الوطنية والأخلاقيات المهنية للعمل الإعلامى فى تغطية شئون الإرهاب وأحداثه ، وذلك انطلاقا من خبرة تاريخية تؤكد أن وسائل الإعلام و المعالجات الإعلامية للأحداث الإرهابية هى شريان الحياة للإرهاب وأن مقاومة الإرهاب تتطلب حرمان الإرهابيين من الوصول لوسائل الإعلام باعتبارها الرئة التى يتنفس بها الإرهاب فى حين ينفى الطرف الآخر أية صلة لوسائل الإعلام لزيادة وتيرة الإرهاب والعنف وأنه لا توجد علاقة سببية تربط تغطية وسائل الإعلام للأحداث الإرهابية وبين الزيادة النوعية والكمية لوتيرة الإرهاب ويحتجون على أصحاب الرأى الذى يدعو إلى التأكيد على أن وسائل الإعلام تروج للإرهاب بتركيزها على إثارة الفزع والرعب بين الناس والتهويل من مستقبل مجهول

وقد بينت دراسة نشرتها صحيفة «الجارديان» البريطانية، فى أغسطس ٢٠١٥، أن الكتابة والنشر عن الإرهاب، يمكن أن يؤدى إلى وقوع مزيد من الهجمات، ومن خلال تحليل أكثر من ٦٠ ألف هجوم إرهابى شهده العالم بين عامى ١٩٧٠ و٢٠١٢، أثبتت الدراسة أن العالم شهد زيادة «مرعبة» فى عدد الهجمات الإرهابية، بسبب التركيز الإعلامى على الظاهرة الإرهابية، وأن قصة واحدة نشرتها «نيويورك تايمز» عن هجوم فى بلد معين، أدى لزيادة عدد الهجمات فى هذا البلد بنسبة ١٥٪.

وقد أكدت معظم الدراسات الإعلامية الحديثة على أن وسائل الإعلام هى الأداة الطبيعية التى يعتمد عليها الإرهابيون للدعاية لأغراضهم لأنه أحيانا يكون الأثر النفسى الذى يحدثه العمل الإرهابى أكثُر إيلاما من الحدث نفسه وربما يعود ذلك إلى خطورة وفعالية دور الإعلام ووسائله فى عالم اليوم

ويبقى الهدف المحورى للإرهابيين هو كسب تَفَهُّم الناس وتعاطفهم، وعليه فإن الأساس الذى تقوم عليه الإستراتيجية الإعلامية للإرهابيين هو أن يخوضوا حرباً دعائية ونفسية وإعلامية، ولهذا تهدف الجماعات الإرهابية أساسا إلى إيصال رسائل معينة إلى الناس مـــن خلال وسائل الإعلام، وفى هـــذا الإطار يــــقول الكاتب والإعلامى الفرنسى المعروف والــتـــر لاكير «Walter Laqueur “: “الإرهاب وحده لا شيء، نشره عبر وسائل الإعلام هو كل شيء”

وفى نفس المعنى قال الباحث التركى أسفت تلجان ما يلي: “يمثل العمل الإرهابى فى حد ذاته بداية الإرهاب، وبداية لآلية أكثر تعقيداً وهى الدعاية، فالإرهاب والجماعة الإرهابية ستكون غير سعيدة على الإطلاق ومُحْبطة، إذا ما عرفت أن جريمتها لن تُكتشف، ولن تَجذب اهتمام المجتمع”

ويؤكد الباحث الإعلامى العربى دكتور جمال زرن أن “الإرهاب لا يبحث كثيرًا فى عدد الضحايا؛ بل يبحث أكثر فى أن يسمع الناس به ويعلمون عنه”. تعتبر هذه المقولة المرجع الأساسى للحركات الإرهابية فى علاقتها بوسائل الإعلام، وهو ما يتطلب أن تكون هذه المقولة أيضًا قاعدة خلفية لكل مشروع لإستراتيجية إعلامية لمكافحة الإرهاب

وقد قام مجموعة خبراء فى علم النفس والاجتماع بتزويد وسائل الإعلام الحريصة على أمن مجتمعاتها، بمجموعة اقتراحات من أجل تصويب المعالجة الإعلامية وبالتالى تفويت الفرص المتاحة لتحقيق الأهداف الإرهابية ،و يعرض الكاتب التونسى رشيد الكرّاى فى مارس ٢٠١٦أهمها على النحو التالى :

– التعامل مع الخبر بموضوعية تامة مع التعرّف على كيفية التحكم بنشره وتوقيته

ـ الابتعاد قدر الإمكان عن الإثارة فى طريقة نشر الأخبار المتعلقة بالأحداث الإرهابية. وينصح بالتعامل معها كأحداث مأساوية عادية لمنع الإرهاب من اكتساب صفة البطولة

ـ اتخاذ الحيطة والحذر فى نشر الأحاديث التى تتناول الأحداث الإرهابية وخصوصاً تلك التى توصل الآراء المؤيدة لوجهات نظر الإرهابيين إلى الرأى العام. وهو تدبير من شأنه منع الإرهاب من استغلال الإعلام للبروز

ـ التركيز على البرامج التى تظهر وحشية الإرهاب ودناءته مهما كان هدفه وانتماؤه

ـ التنسيق مع السلطات الأمنية فيما يتعلق بنشر وقائع الأحداث الإرهابية مع الأخذ فى الاعتبار الدراسة المسبقة لتأثير نشرها فى الرأى العام

ـ إن إخفاء الحقائق يضعف دون شك مصداقية الإعلام ، ومن هنا ضرورة التركيز على طريقة صياغة الخبر بشكل يؤمن إيصال الحقيقة ، ومراعاة عدم تأثيرها سلباً فى نفوس المواطنين

ـ الأخذ فى الاعتبار أن الإعلام رسالة نبيلة هدفها نشر الخبر مع المحافظة على اللّحمة الاجتماعية وتعزيز دور المؤسسات الوطنية بغض النظر عن الميول الفردية للإعلاميين . والأهم هو تفويت الفرصة على الإرهاب للاستئثار بالإضاءة الإعلامية التى يسعى إليها، وهنا تكمن مسئولية وسائل الإعلام ، وخصوصاً الوطنية منها ...

ونضيف إلى ما سبق ضرورة احترام مشاعر أهالى الضحايا والمصابين وكذلك الجمهور العام عند نشر الصور ، خاصة صور القتلى والجرحى لأن نشرها إضافة إلى ما يسببه من أذى وألم نفسى ، قد يتسبب فى خلق حالة من البلاد نتيجة لكثرة التعود على مشاهد القتل والاختطاف والذبح والاغتيال.

تاسعا: احترام الحق فى الخصوصية

يبدو للوهلة الأولى أن عبارة « غزو الخصوصيةInvasion of privacy “ بسيطة ومحددة، ولكنها شديدة التعقيد، ويرى المشرع القانونى “ وليام بروسرWilliam .L.prosser “ أن غزو الخصوصية لايعبر عن ضرر واحد، وإنما هو عبارة عن حزمة مكونة من أربعة أضرار، حيث يميز قانون الخصوصية بين أربعة أنواع من الغزو لأربعة اهتمامات من المدعين، وتتجمع هذه العناصر الأربعة لتشكل الاسم الشائع “غزو الخصوصية” ، وهى عناصر متداخلة تنصب على حق المدعى فى أن يبقى وحيداً بدون تدخل، وهذه العناصر هي:

الاقتحام المادى أو التطفل Physical Intrusion .

الكشف العام لأسرار خاصةDisclosure of embarrassing private fact .

الضوء الزائف Flash light .

السطو أو الاستيلاء Appropriation .

وتأكيداً لاحترام الحياة الخاصة والعائلية للمواطن العربي، جاءت المادة السادسة من مشروع ميثاق حقوق الإنسان العربى لتنص على أن “للحياة الخاصة حرمة مقدسة، والمساس بها جريمة، وتشمل هذه الحياة الخاصة خصوصيات الأسرة وحرمة المسكن وسرية المراسلات وغيرها من سبل المخابرة الخاصة.

كما يتجلى دور الأخلاقيات فى التمييز بين ما يستحق النشر بالفعل نتيجة لأنه يحقق مصالح عامة تفوق فى أهميتها حق الخصوصية، وتلك المعلومات المثيرة التى تشبع حب الاستطلاع، لكنها لا تحقق سوى التسلية، وتزيد من سطحية المعرفة التى يحصل عليها المجتمع.

الوصية التاسعة: أن تمتلك وسائل القدرة على إدارة إشكالية التعددية الإعلامية واستيعاب مخاطرها

التعددية الإعلامية هى جزء من مشروع أكبر هو مشروع التعددية الشاملة بما فيها التعددية السياسية والثقافية والفكرية، ذلك أن وسائل الإعلام التعددية تساهم فى خلق شروط التطور والتنمية، خاصة الإعلام العمومي، الذى يجب أن يعكس مختلف الحساسيات والآراء السياسية والاجتماعية، وهو ما يستدعى مزيدا من تقوية التعددية والتنوع فى وسائل الإعلام السمعية البصرية. أما التعددية السياسية، بمختلف مكوناتها وروافدها ومرجعياتها، فهى تساهم، هى الأخرى، فى البناء الديمقراطى عبر وجود قواعد محددة تنظم حق اختلاف الرأى السياسى وفق أسس تدبير التنوع والتعدد، على غرار التنوع الثقافى واللسنى والاجتماعي...

وإذا كانت مجموعة من المواثيق والمرجعيات الدولية تقرن إقرار التعددية والتنوع فى وسائل الإعلام المختلفة بضمان حرية التعبير، فإنها تقرنها من جهة أخرى بالحق فى الوصول إلى وسائل الإعلام، وكذا بحق الحصول على المعلومات وحق إبداء الرأى عبر وسائل الإعلام. وفق قواعد وضوابط تؤطر هذه العملية، ذلك أن ضبط المشهد الإعلامى السمعى البصرى يتطلب وجود مداخل قانونية ومؤسساتية تناط إليها مهام إقرار قواعد وقوانين تؤسس لمرجعية التعددية والتنوع وتدبيره ومراقبته تبعا لضوابط التقنين والضبط...

وجود منظومة إعلامية قائمة على أساس مبدأيْ التعددية والتنوع يكتسب أهمية خاصة. كما أن وجود نظام إعلامى تعددى ومتنوع هو من صلب وجود أدوات ومؤسسات التنشئة الاجتماعية داخل كل مجتمع، بحكم أن وسائل الإعلام التعددية تساهم بشكل أساسى فى خلق الوعى والبناء الديمقراطى والتنمية المستدامة.

وفى حين يرى البعض أنه لم يعد سائغا فى عالم اليوم طرح موضوع المفاضلة بين الإعلام الأحادى والمتعدد على طاولة النقاش، فقد انتهى الأمر منذ أمد بعيد إلى تقرير حقيقة أن تعددية الإعلام هى الأفضل لرقى الشعوب والمجتمعات الإنسانية، وذلك على خلفية الخدمات الجليلة التى تقدمها التعددية الإعلامية للرأى العام بالمقارنة مع الإعلام الأحادى الذى يحاول قسر الجماهير عادة على النظر إلى القضايا والأحداث عبر وجهة نظر منتقاة سياسيا.

إلا أن البعض الآخر يطالب بالتريث والتحفظ مؤكدا على سبيل المثال أن تركيز أمريكا على فكرة التعددية (كما تريده هى لبلادنا) لم يأت من فراغ، وليس من باب الصدفة تضمين هذه الفكرة فى جميع مشاريع الإصلاح الأمريكية للشرق الأوسط، فيبدو أن أمريكا وجدت فى هذه الفكرة ضالتها، لأن فيها من الخداع والجاذبية الموهومة ما يمكنها من إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط صياغة جديدة، على وجه يجعلها منطقة تابعة لها ولا تختلف كثيراً عن جمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية التى تعتبر مزارع لشركاتها الاحتكارية.

لذلك ليس غريباً أن تركز بعض الدول الغربية فى خطاب منظماتها الحقوقية الممولة على ما تسميه حقوق الأقليات للإثنيات والمذاهب. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن أميريكا تظهر حرصاً زائفاً على الأقلية الكردية، فتحتضنها، وتمدها بكل أسباب القوة، وتتباكى على ما أصابها من فى حلبجة، ونجدها كذلك تذرف دموع التماسيح على شيعة العراق لأنهم –كما تزعم- حُرموا من حقوقهم فى العهود السابقة والتى سيطر فيها على العراق حكام من السنة، وكأن حكام البعث، ومن سبقهم من قوميين وملكيين، كانوا يحكمون العراق حكماً مذهبياً!.

وكذلك لم يكن مستغرباً أن تركز تلك الدول ، على إبراز الهوية الأمازيغية فى دول المغرب العربي، وأن تحتضن الأقليات الأوزبكية والطاجيكية فى أفغانستان، وأن تعمل على إثارة الفتنة القبطية فى مصر، وأن تؤازر الأقليات المسيحية والوثنية فى جنوب السودان، وأن تثير الضغائن والمنازعات بين الأقليات والدول تحت ذريعة التعددية، بينما هى فى واقعها صورة جديدة من صور القاعدة المشهورة فرق تسد.

ويؤكد هؤلاء أن دول الغرب قد مارست لعبة التعددية هذه بإتقان ودهاء شديدين، فأوهمت الشعوب بأن فى التعددية خلاصا لها من الدكتاتورية، واستغلت تفوقها بعد سقوط منافسها الدولى السابق الذى كان يتمثل فى الاتحاد السوفييتي، وركَّزت على الأقليات وتعددها لتسيطر على الدول بأسلوب جديد، فرعت الأقليات ودعمتها، وتحالفت معها لتستخدمها كرأس حربة تحقق بها مصالحها الاستعمارية ، ويعطون أمثلة من اريتريا، وجنوب السودان، وأوغندا، والصومال ،وأفغانستان وليبيا وسوريا معتبرين أن تلك تعد أمثلة حقيقية على استخدام الغرب لورقة التعددية فى هذه البلدان والتى أنتجت التفتت والتدمير، والمذابح والتشريد.

ويرى الإعلامى السعودى بدر كريم عام ٢٠١٥ أن التعددية الإعلامية قد فهمت فى معظم المجمعات العربية، على أنها قيام أشخاص أو مجموعات ببناء مؤسسات إعلامية، لابد أن تخرج على كل صيغ الترابط، والتوافق والتراضى الاجتماعي، وتُغرق أوطانها فى لُجة صراعات فئوية، تؤجج عوامل التفجير الاجتماعي، وتستخدم سياسات تمزيقية لمجتمعاتها، وتتطاول على مبادئها وثوابتها، ملغية وجودها من الخريطة الجغرافية.

ويضيف أن هذه السلع الرديئة والهابطة لا تحتاج إلى دليل، فتلكم شبكات فضائية ذات طبيعة عشائرية، وعرقية، وطائفية، ومذهبية، أهدافها انقسام المجتمع الواحد، وزرع الفرقة والتجزئة بين أفراده، وتفتيت تجانسهم، والتغنى بإنجازات الوهم!! وحمل راية النضال الوطني!! وتكريس التشرذم والتفكك، وتسويق المفاهيم والقيم السلبية فى المجتمع، وطغيان ثقافة الإعلام الاستهلاكي.

ويؤكد بدر كريم أنه من الخطورة أن يصبح مفهوم التعددية الإعلامية اليوم، تضليل كل الفئات الاجتماعية فى المجتمع الواحد وتفتيتها، حتى أصبحت لهذه التعددية مواسم ازدهار، فغاب الأمن الإعلامي، وظهرت سلطة إعلاميين، يبحثون عن فرص للوجود والعمل، ويملون شروطهم على صناعة الإعلام، ويفتحون الطريق لمرور العوامل المؤدية إلى زعزعة الاستقرار، وفقدان الحرية والأمن ، ويشير إلى أن (التعددية الإعلامية) ينبغى أن تستفيد من حق حرية الرأى والتعبير، بما يتفق مع المسئولية الاجتماعية للإعلام، ولا تضحى بها تنفيذاً لاستحقاقات ذات طبيعة فئوية أو طائفية همها الوحيد تمجيد نفسها بنفسها.

الوصية العاشرة: الحرص على تعزيز مفهوم المهنية الإعلامية وتفعيل أركانها وجوانبها المختلفة والتى تعنى عند الباحث الأردنى الدكتور باسم الطويسى قدرة وسائل الإعلام على أن تحافظ على استقلاليتها وأن تعبر عن تعددية حقيقية تعكس أحوال المجتمع والواقع.إضافة إلى الجوانب التالية:

- قدرة وسائل الإعلام فى أن تكون محلية، قادرة على الإشباع الإعلامى لمجتمعها، وقادرة على تمثل المجتمع، وقادرة على تحفيز المجتمع لتمثلها والثقة بها.

- قدرة وسائل الإعلام على تقديم تغطية شاملة، وإحاطة جارية، لكل ما يحدث فى البيئة الداخلية والخارجية للمجتمع فى سياق يعطيها معنى.

- قدرة وسائل الإعلام أن تكون منبراً للرأى والنقد وأن تحافظ على دورها كناقد بنّاء وإيجابي.

- قدرة وسائل الإعلام فى أن تعرض أهداف المجتمع وثقافته وقيمه، وأن تسهم فى التغيير الاجتماعى والثقافى والاقتصادى النافع.

- قدرة وسائل الإعلام فى التعبير عن وظيفتها الرقابية والتعبير عن الرأى العام، والتوازن بين صياغة الرأى العام والتعبير عنه.

- قدرة وسائل الإعلام على تطوير كفاءة العاملين لديها وضمان استمرار وإدامة تأهيلهم.

- قدرة وسائل الإعلام على التطوير المستمر والاستفادة من التكنولوجيا وتوظيفها فى تطوير الأداء.

- قدرة وسائل الإعلام على خلق صلات تفاعلية مستمرة مع الجمهور؛ من خلال التفاعل المباشر وغير المباشر والردود وخلق النقاشات العامة وصياغة التعدد والتوافق المجتمعى فى نفس الوقت.

- الحضور والاستمرار، والقدرة على المنافسة