خلق الله سبحانه وتعالي الناس سواسية، فالمساواة Equality تولد مع كل أنسان، وحين يحرم منها يسمي ذلك ظلم ومن هنا تسعي القوانين العادلة لمحو الظلم وإرجاع الحقوق إلى أهلها وقد يتأخر تنفيذ القانون يومًا أو أكثر وقد يتعطل عامًا أو أطول، ولكن يظل صاحب الحق علي سعية حتي يظفر بما يستحق وتنتصر العدالة.
وكان يقال إن هذا الشخص "سوي" أي كل ما كان في حالة اعتدال طبيعية تتوسط طرفي الأفراط والتفريط وهي حالة غير مطلقة. وللمساواة مفاهيم عديدة، ولكن كل هذه المفاهيم تندرج تحت معني واحد فقط، وستناول الآن عرض وشرح كل مفهوم علي حدى..
(1) مبدأ يقرر مساواة البشر أمام القانون بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس
يعني ذلك أن الناس أمام القانون متساوون ولا يوجد فرق بين حاكم ومحكوم ولا بين عامل ومدير فكلهم متساويين ولا يوجد فرق بين أبيض وأسود، أن الإسلام ساوي بين المسلم والذمي إلا في العقيدة والعبادة، فكل منهما له عقيدته وعبادته؛ والرجل والمرأة إلا ما استثني الدين من أحكام في بعض الأمور كعدم وجوب الجهاد واختلافهما في المواريث كما كفل للمرأة حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
(2) المساواة هي أتفاق الشيئين في الكمية، كما أن المشابهة أتفاقهما في الكيفية
ومعني الاتفاق في الكمية أي أن أحد الشيئين يمكن أن يستبدل بالآخر، دون زيادة أو نقصان. وهنا تظهر لنا ما يُعرف المساواة الحسابية، وهي الوحدة في الكم عددًا كان أو مقدارًا، مثل: ]أ=ن[ التي يكون فيها الشيئان المتساويان شيئًا واحدًا، أو في مثل هذا المثال التي تتغير قيمة وحدتها دون أن تتغير المساواة بها، مثل:]أ+ن[2=أ2+2أن+ن2.
ويقال المساواة في الهندسة للشكلين انهما متساويان وإذا كان أحدهما ينطبق علي الآخر انطباقًا تامًا، يسمي ذلك تطابق [Congruence]، أما اذا اتفق الشكلين في قياس واحد فيسمي بالتكافؤ [Equivalence]، واذا كان الشكلان متفقين في الهيئة، لا في القياس، كان متشابهين [Semblables].
وهناك نوعًا آخر للمساواة عند المنطقيين، على ثلاث حالات، وهي:
(أ) صدق كل من المفهومين على جميع ما يصدق علية الآخر، فالأنسان والحيوان الناطق متساويان.
(ب) القضيتان المتساويان هما اللذان يكون بينهما تضمن متبادل.
(ج) الصنفان المتساويان هما اللذان يكون كل منهما مشتملًا على الآخر.
وهناك أيضًا المساواة في علم الأخلاق [Equality morale]: وهي المبدأ المثالي الذي يقرر أن الأنسان من حيث هو أنسان مساو لأخيه الأنسان في الحق والكرامة؛ ولهذه المساواة ضربان: المساواة المدنية، والمساواة السياسية.
أما المساواة المدنية [Equality civile]: فهي المبدأ الذي يوجب معاملة جميع الأفراد معامله واحدة من حيث دعوتهم إلى القيام بالواجبات المفروضة عليهم، من حيث القانون، ودون التفرقة بينهم.
أما المساواة السياسية [Equality politique]، فهي المبدأ الذي يعترف لجميع أفراد المجتمع بحق الاشتراك في الحكم. وبحق التعين في الوظائف العامة، وفقًا للشروط التي يحددها القانون دون التميز بينهم بحيث يكونوا أمام القانون سواء، لا يختلفون عن بعض الا حسب كفاءتهم.
وهناك المساواة الواقعية [Equality Real]: وهي كمساواة رجلين أو أكثر في ثرواتهم أو شهاداتهم، وتسمي بالمساواة المادية [Equality materiel] وهي مقابلة للمساواة القانونية والسياسية.
إذًا ليس الغرض من القول بالمساواة أنكار الاختلاف الطبيعي بين الأفراد، وإنما تحقيق العدل الاجتماعي، في جميع مرافق الحياة، بحيث تكون نسبة ما يأخذه كل فرد إلى ما يستحقه.
(3) المساواة تشير إلى الحالة المتماثلة للناس في المجتمع، ولكن له مضامين مختلفة في العهود التاريخية وبين الطبقات المختلفة
فنجد المفهوم البرجوازي، ويعني المساواة بين المواطنين أمام القانون، وقد كانت نظريات البرجوازية الصغيرة في المساواة تبدأ من حق كل أنسان في أن تكون له ملكية خاصة، ولذلك لا يوضع بالاعتبار الأمر الأساسي وهو علاقة ذلك بوسائل الإنتاج.
أما المفهوم عند الماركسية، فتبدأ من حقيقة أن المساواة الاقتصادية "في مجال العلاقات الطبقية والقومية والحكومية" والمساواة الثقافية "في مجال أنتاج وتوزيع القيم الروحية" مستحيلة بدون إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وبدون تصفية الطبقات المستغلة.
ومن هنا فإن المساواة الحقيقية لا تظهر إلا نتيجة لانتصار الاشتراكية، فإن المساواة الكاملة لكمية التجانس الكامل لا يخلق الا في ظل الشيوعية. ويشير برنامج الحزب الشيوعي السوفيتي إلى الوسائل العلمية لتحقيق مثل هذه المساواة. ومع ذلك فإن الشيوعية لا تعني أي تسوية بين جميع الناس؛ وإنما هي تتيح أمكانيات غير محدودة أمام كل إنسان ليطور وبحرية إمكانياته وحاجاته طبقًا لصفاته وأذواقه الفردية.
وختامًا والآن وبعد هذا العرض الموجز لفكرة المساواة، والذي تمثلت في بيان مفاهيم عدة، بقى لنا أن نوضح بكلمة موجزة ودقيقة الفرق بين المساواة والعدالة، حتى نتجنب الخلط بين المفهومين. العدالة في ابسط معانيها، هي الاستقامة على طريق الحق، والبعد عما هو محظور ورجحان العقل.