الأحد 16 يونيو 2024

ثورة يوليو ... الثقافة حق للفقراء

23-8-2017 | 19:25

د.جمال عبد الحي - أستاذ بأكاديمية الفنون - مصر

عكست ثورة يوليو 1952الوضع السياسى على مضمون الحركة الثقافية والفنية وشكلها في مصر، ونظراً لأن الدافع الأساسى من قيام الثورة هو إذابة الفوارق الطبقية بين جموع الشعب، ولذلك وجهت الثورة اهتمامها بفئات الشعب البسيطة والمهمشة لكى تحصل على حقوقها الإنسانية والوطنية التي كانت مهدرة في العهود التي سبقت الثورة، فاستعانت حكومة الثورة بالثقافة والفن كوسيلة وأداة لتقارب فكر ووجدان الشعب المصرى بدون تمييز طبقة على حساب أخرى.

     أيضا لقائد الثورة الزعيم جمال عبد الناصر مقولة تؤكد تقديره للثقافة والفن ومدى أهميتها في بناء وتشكيل وعى ووجدان المواطن المصرى، فقال عند ترشيحه للدكتور ثروت عكاشة "أذكر حديثاً قبل الثورة عن انحصار المتعة الثقافية وبخاصة الفنون الراقية في رقعة ضيقة لا تسع إلا الأثرياء، وكيف ينبغي أن تصبح الثقافة في متناول الجماهير العريضة وأن تخرج من أسوار القاهرة والإسكندرية لتبلغ القرى والنجوع، فمن بين أبناء هذه القرى وفى أعماق الريف بالدلتا والصعيد يمكن أن يبزغ عدد من الفنانين الذين يعكسون في إبداعهم أصولهم الحضارية، ويبدو لى أن الأوان قد آن لتحقيق هذا المطمح ..."(1)

لذلك فإن الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والإرشاد – هكذا سميت آنذاك – والتي أنشئت عام 1958 قد اهتمت بنشر النتاج الثقافي لكل الأقاليم في الجمهورية إيماناً منها بالعدل الاجتماعى وضرورة رعاية الطاقات الفنية الكامنة لدى المبدعين، كذلك تبنى المواهب الشابة؛ ومن هنا جاءت فكرة "قصور الثقافة" وتعميمها في عواصم المحافظات ثم المدن والقرى لبث الوعى الثقافي وإيقاظ الفكر وخلق أهداف قومية ووطنية في الفنون للحفاظ على الهوية المصرية، وحرصت الوزارة حينذاك على وضع خطط علمية مدروسة تهدف لذيوع وانتشار الثقافة الفنية والأدبية لتصل إلى كل مواطن مصري.

وأصبحت الخدمات الثقافية مثل الخدمات العامة التي تلتزم الدولة بتقديمها لمواطنيها، وحرصت مؤسسات الدولة المهتمة بالشئون الثقافية والفنية على إرسال البعثات من شباب المصريين لدراسة الفنون إلى الخارج، كذلك إنشاء أكاديمية الفنون التي تضم معاهد متخصصة لدراسة الفنون وتخريج كوادر فنية.

وبدأت الحركة الفنية في مصر تتشكل وتتطور بأفكار وأساليب فنية جديدة تتناسب مع التيار القومى السائد والمسيطر على الوضع السياسى والاجتماعى، وكانت التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي التي تحدد شكل الصياغة الفنية المطلوبة لتشكيل الهوية الثقافية المصرية.

فنجد الأغنية المصرية تقدم موضوعات تتناسب مع طبيعة المجتمع المصرى من حيث العادات الأسرية وتدعيم الروابط الأسرية، فظهرت أغانى للأم وأشهرها "ست الحبايب" من كلمات الشاعر حسين السيد وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب وأدتها المطربة فايزة أحمد في أول عيد للأم احتفلت به مصر عام 1956 والتي تعود فكرته للأخوين مصطفى أمين وعلى أمين، كما اهتمت الأغنية المصرية بتقديم موضوعات تصف طبيعة الحياة اليومية للأسرة المصرية مثل أغنية "بيت العز" للشاعر مرسى جميل عزيز وألحان الموسيقار محمد الموجى وغناء المطربة فايزة أحمد، ومن الموضوعات التي تناولتها الأغنية المصرية الطفل فأعد له أغانى منها "ماما زمانها جايه" و"ذهب الليل" وكلاهما من كلمات الشاعر حسين السيد والألحان والغناء للموسيقار محمد فوزى.

أما على الصعيد الوطنى والأحداث السياسية فكان للأغنية المصرية دور بارز في بث الحماس والإيمان بحلم القومية العربية الناتج عن الثورة المصرية، فجاء نشيد "الله أكبر" كلمات الشاعر عبد الله شمس الدين وألحان الموسيقار محمود الشريف وغناء المجموعة، كذلك وثقت الأغنية الوطنية للأحداث المهمة في تاريخ مصر في تلك الفترة فأغنية "السد العالى" كلمات أحمد شفيق كامل وألحان الموسيقار كمال الطويل وغناء الفنان عبد الحليم حافظ مع المجموعة؛ وبذلك أصبحت تلك الأغنية وثيقة فنية لحدث سياسى مهم لما تضمنته كلماتها من وصف كامل للحدث السياسى والقرار التاريخى المهم.

ولم تكن الأغنية هي الفن الوحيد الذى حظى بالاهتمام في تلك الفترة المهمة على الصعيد السياسى والاجتماعى والثقافى فنجد أن السينما نالت قدراً مهماً من الاهتمام لأنها أقرب ألوان الفنون اتصالاً بالجماهير بل وأشدها تأثيراً فنياً، فالسينما منذ ميلادها وهى محور اهتمام الشعوب لذا أرادت الثورة توظيفها في الدعاية لنشر أيدولوجياته، لذلك شهدت تلك الفترة نهضة في صناعة السينما وازدهاراً في إنتاج الأفلام الوطنية؛ وأصبح الفكر الثورى والقومى مؤثراً على حركة الإنتاج السينمائى ولم يعد مفهوم الفن في خدمة الشعب مجرد شعار بل أصبح يعكس آماله، واتسمت موضوعات الأفلام في تلك المرحلة بأنها قصص أقرب إلى طبيعة الحياة لتصبح بذلك السينما الصادقة التي تكشف عما يعترى الحياة المصرية من ضعف في محاولة منها للعلاج والبحث في أعماق نفس الإنسان المصرى آنذاك وتنمية شخصيته وتغيير مفاهيمه مستلهمة التاريخ القريب والبعيد لتصوير أصالة الشعب على مر العصور وبث روح النضال، وظهرت مجموعة من الأفلام مثل (مصطفى كامل – الناصر صلاح الدين – حكم قراقوش – رد قلبى – يسقط الاستعمار – سجين أبو زعبل – بور سعيد ... إلخ).

     أما فن المسرح فكان له النصيب الأكبر من اهتمام الدولة مع جهود محبى المسرح والعاملين به مما أدى إلى انتشار العروض المسرحية وزيادة الإقبال الجماهيرى عليها، تلك العروض كانت تقدم قيما فكرية وفنية متميزة مع الحرص على مقومات الفن المسرحى الذى يعبر عن واقع المجتمع، وأكد على ذلك الناقد المسرحى الدكتور/ على الراعى وقال "جاءت الثورة بمناخ مسرحى ممتاز، هو الذى خلق المسرح الناهض في كل مكان ظهر فيه"(2).

     ووضعت وزارة الثقافة والإرشاد العديد من الخطط والدراسات لرفع المستوى الفني للمسرح المصرى، ومن أبرز العروض الفنية "الأيدى الناعمة" لتوفيق الحكيم والتي قدمتها الفرقة المصرية الحديثة في الموسم 54/1955؛ وكانت أول تعبير حقيقى واع وصادق عن التحولات الاجتماعية والسياسية.

     وفى الختام لابد وأن نقر بدور ثورة يوليو 1952 في نهضة الحركة الفنية بما يتناسب مع التغيرات الاجتماعية والتوجهات السياسية مما ساهم في تشكيل الحركة الفنية المصرية في تلك المرحلة التاريخية المهمة وعرضنا لتلك النهضة الفنية من خلال بعض أنواع الفنون كالغناء والسينما والمسرح.

المراجع

1- ثروت عكاشة. مذكراتى في السياسة والثقافة .- القاهرة: دار الشروق، 2000.

2- على الراعى. المسرح في الوطن العربى، الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، 1999، سلسلة عالم المعرفة (248).